العالم
29 كانون الأول 2025, 13:30

الرّسالة الميلاديّة للبطريرك المسكونيّ برثلماوس الأوّل

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه رئيس أساقفة القسطنطينيّة البطريرك المسكونيّ برثلماوس الأوّل رسالة الميلاد للعام 2025، جاء في نصّها:

"إذ تفضّلنا وبلغنا مرّة أخرى العيد العظيم، عيد الميلاد بالجسد لابن الله وكلمته، نمجّد "تدبيره الّذي لا يُنطق به ولا يُدرك"، هو مخلّص جنس البشر وفادي الخليقة كلّها من الفساد، هاتفين مع الملائكة:

"المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السّلام، وفي النّاس المسرّة" [لوقا 2:14].

لقد أُعلِن المسيح "عِمّانوئيل" [متّى 1:23]، أيّ "الله معنا" و"من أجلنا"، إلهًا قريبًا من كلّ واحد منّا، بل "أقرب إلينا من أنفسنا". إنّ الكلمة الأزليّ، المساوي للآب في الجوهر، كما حدّدت العقيدة في المجمع المسكونيّ الأوّل في نيقية، الّذي احتفل العالم المسيحيّ على الوجه اللّائق بالذّكرى السّابعة عشرة بعد المئة والألف لانعقاده، "صار شبيهًا بخليقته"، إذ تجسّد من الرّوح القدس ومن مريم العذراء، "لكي يجعل البشر آلهة بالنّعمة" [نيكولاوس كافاسيلاس، عن الحياة في المسيح].

ويعلن طروباريون (نشيد) عيد الميلاد أنّ ولادة المسيح "أشرقت للعالم نور المعرفة"، فكشفت "المعنى المتسامي والشّموليّ" للحياة والتّاريخ، أيّ الحقيقة القائلة إنّ الإيمان المسيحيّ وحده قادر أن يُشبع تمامًا أعمق تطلّعات العقل وعطش القلب، وإنّ "ليس الخلاص في أحد غيره" [أعمال الرسل 4:12] إلّا بالمسيح. ومنذ ذلك الحين، فإنّ "المعرفة" الّتي "تُنتفخ" تُمحَّص وتُقاس بكلمة الرّبّ:

"وتعرفون الحقّ، والحقّ يحرّركم" [يوحنّا 8:32].

إنّ الحدث الفائق العقل للتّجسّد يُعاش ويتجدّد روحيًّا في حياة المؤمنين، أولئك الّذين يحبّون ظهور مخلّصنا يسوع المسيح. وكما يكتب القدّيس مكسيموس المعترف:

"إنّ كلمة الله، الّذي وُلد مرّة واحدة بالجسد، يولد على الدّوام بالرّوح، بإرادته وبمحبّته للبشر، في الّذين يريدون".

وبهذا المعنى، فإنّ الاحتفال بعيد الميلاد، أيّ بتجسّد الله وبالتّألّه بالنّعمة للإنسان، لا يوجّهنا إلى حدث من الماضي، بل يقودنا نحو "المدينة العتيدة" [عبرانيّين 13:14]، أيّ إلى الملكوت الأبديّ للآب والابن والرّوح القدس.

وفي عالمٍ تتردّد فيه صيحات الحروب وقرقعة السّلاح، يُعلن النّداء الملائكيّ "وعلى الأرض السّلام"، ويطوّب صوت الرّبّ "صانعي السّلام"، فيما تتضرّع كنيسته المقدّسة في القدّاس الإلهيّ "من أجل السّلام العلويّ" و"من أجل سلام العالم كلّه". إنّ الإيمان الحقيقيّ بالله الحيّ يقوّي النّضال من أجل السّلام والعدالة، حتّى عندما يبدو هذا النّضال، بحسب المقاييس البشريّة، محاطًا بعوائق لا تُتجاوز. وكما أُعلن بإلهام إلهيّ في رسالة المجمع المقدّس والكبير للكنيسة الأرثوذكسيّة، الّذي سنحتفل بالذّكرى العاشرة لانعقاده في السّنة المقبلة، فإنّ «زيت الخبرة الدّينيّة يجب أن يُستعمل لشفاء الجراح، لا لإشعال نار النّزاعات الحربيّة."

إنّ إنجيل السّلام يخصّنا نحن المسيحيّين على وجه خاصّ. ونعدّ اللّامبالاة تجاه انقسام المسيحيّة أمرًا غير مقبول، ولاسيّما عندما يُرافق هذا الانقسام تطرّفٌ ورفضٌ صريح للحوار بين المسيحيّين، الّذي غايته النّهائيّة تجاوز الانقسام وبلوغ الوحدة. إنّ واجب النّضال من أجل الوحدة المسيحيّة واجب غير قابل للمساومة. وتقع على عاتق الجيل الجديد من المسيحيّين مسؤوليّة متابعة جهود روّاد الحركة المسكونيّة وتبرير رؤاهم وأتعابهم.

إنّنا ننتمي إلى المسيح، الّذي هو "سلامنا" [أفسس 2:14] و"فرحنا الكامل" في حياتنا، وهو "المسرّة" المنبثقة من اليقين بأنّ "الحقّ قد أتى" وأنّ "الظّلّ قد زال" [عبرانيّين 13:8]، وأنّ المحبّة أقوى من الكراهيّة، والحياة أقوى من الموت، وأنّ الشّرّ ليس له الكلمة الأخيرة في حياة العالم، الّذي يقوده المسيح، "هو هو أمس واليوم وإلى الأبد". ويجب أن يلمع هذا الإيمان ويتجلّى في الطّريقة الّتي نعيّد بها للميلاد ولسائر الأعياد الكنسيّة. فالاحتفال المرضيّ لله من قبل المؤمنين ينبغي أن يشهد للقوّة التّحويليّة للإيمان بالمسيح في حياتنا، وأن يكون زمن مسرّة وابتهاج روحيّ، وعيشًا لتلك "الفرح العظيم الّذي لا يُنطق به"، والّذي هو مرادف للإنجيل [لوقا 2:10].

خلال عام 2026، تُكرّم الكنيسة الكبرى المقدّسة للمسيح إتمام 1400 سنة منذ 7 أغسطس 626، حينما تُردّد صلاة التّسبحة غير الجالسة (الأكاتيسم) خلال الرّقية الإلهيّة (القيام اللّيليّ) في كنيسة السّيّدة العذراء في بلاتشيرن، كتعبير عن الامتنان تجاه الوالدة الطّاهرة لله لإنقاذ القسطنطينيّة من غزو الأعداء. وبمناسبة هذا العيد التّاريخيّ، تُخصّص المجلّة السّنويّة للبطريركيّة المسكونيّة لعام 2026 لإحياء ذكرى هذا الحدث المهمّ بالنّسبة لتقليدنا وهويّتنا، اللّذين يرتبطان ارتباطًا وثيقًا وعميقًا بتكريم أمّنا المباركة والخالية من الخطيئة، والقائدة الحامية للأمّة.

وفي هذا الرّوح، ونحن راكعون أمام السّيّدة مريم حاملة الطّفل، ونعبد الكلمة الإلهيّة المتجسّدة في صورتنا البشريّة، نتمنّى لكم جميعًا أيّامًا مباركة في اثني عشر يومًا مقدّسًا، وسنة جديدة مثمرة بالأعمال الصّالحة ومليئة بالهبات الإلهيّة، الّتي ينبغي أن تنال كلّ المجد والتّكريم والعبادة، الآن ودائمًا وإلى أبد الآبدين. آمين!".