الفاتيكان
19 آذار 2021, 09:45

وإنطلقت سنة عائلة "فرح الحبّ"!

تيلي لوميار/ نورسات
قُدّمت ظهر الخميس سنة عائلة "فرح الحبّ"، في مؤتمر صحفيّ عُقد في دار الصّحافة التّابعة للكرسيّ الرّسوليّ، ألقى خلاله عميد الدّائرة الفاتيكانيّة للعلمانيّين والعائلة والحياة الكاردينال كيفن فاريل مداخلة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"إنّ استمرار حالة الوباء على المستوى الدّوليّ يثير القلق والمعاناة في نفوسنا جميعًا، لكن لا يجب على هذا الأمر أن يشلّنا. بل على العكس، ففي زمن الضّياع هذا تحديدًا، نحن المسيحيّون مدعوّون لنكون شهودًا للرّجاء. في الواقع، ينتمي إلى رسالة الكنيسة أن تكون دائمًا معلنة لبشرى الإنجيل السّارّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الإرشاد الرّسوليّ "فرح الحبّ" يبدأ بهذه الكلمات: "إنَّ الإعلان المسيحيّ الّذي يطال العائلة هو حقًّا بشرى سارّة". لذلك من المناسب جدًّا أن نكرّس سنة راعويّة كاملة للعائلة المسيحيّة، لأنّ تقديم تدبير الله للعائلة إلى العالم هو مصدر فرح ورجاء، إنّه بشرى سارّة حقًّا!

لقد قرّر الأب الأقدس إعلان هذه السّنة الخاصّة بالعائلة، والّتي ستبدأ في التّاسع عشر من آذار مارس الجاري (اليوم)، في عيد القدّيس يوسف وفي الذّكرى الخامسة لصدور الإرشاد الرّسوليّ "فرح الحبّ"، مناسبتان مهمّتان. أوّلاً إنّها لعطيّة إلهيّة أن يكرّس الأب الأقدس هذا العام للقدّيس يوسف، الزّوج والأب، لدرجة أنَّ الله اختاره لرعاية العائلة المقدّسة. وعلى مثاله، يجب أن يشعر كلّ زوجين بأنّ الله يحبّهما ويختارهما لكي يعطيا الحياة، بالجسد والرّوح، لأبناء الله الآب. لقد كان للوباء عواقب وخيمة للغاية بالنّسبة لملايين الأشخاص. لكن العائلة، على الرّغم من تعرّضها لضربة شديدة من نواحٍ عديدة، أظهرت مرّة أخرى وجهها كـ"حامية للحياة"، تمامًا كما كان القدّيس يوسف. وبالتّالي تبقى العائلة إلى الأبد "الحارس والحامي" لعلاقاتنا الحقيقيّة والأصليّة، تلك الّتي تولد في الحبّ وتجعلنا ننضج كأشخاص.

إنّ السّنوات الخمس الّتي مضت على صدور الإرشاد الرّسوليّ "فرح الحبّ"، تمثّل حافزًا للكنيسة جمعاء لكي تمسك مجدّدًا هذه الوثيقة المهمّة، ثمرة مسيرة سينودسيّة طويلة. إنّ سنة عائلة "فرح الحبّ" هي فرصة ثمينة لجعل ثمار هذه المسيرة تنضج، ليس فقط في مختلف السّياقات الكنسيّة، وإنّما في العائلات نفسها أيضًا. غالبًا ما تطرح جميع الوثائق الكنسيّة تحدّيًا كبيرًا: أنا لا أتحدّث هنا عن تركيبتها- الّتي يمكن أن تكون معقّدة ومرهقة- ولكنّني أشير إلى التّحدّي الأكبر المتمثّل في قبولها. يجب أن تكون إرشادات الكنيسة، بعد نشرها، معروفة ومقبولة- بالعقل أوّلاً ولاسيّما بالقلب أيضًا- على أن يتمّ بعد ذلك ترجمتها إلى ممارسة. وهذا الأمر ينطبق أيضًا على الإرشاد الرّسوليّ "فرح الحبّ". في هذه السّنة، لدينا الفرصة لنقدّم بشكل أفضل للجميع، غنى هذا الإرشاد، الّذي يحتوي على كلمات الشّجاعة، والتّحفيز، والتّفكير، وبشكل أوسع، وكذلك على اقتراحات للمسارات الرّاعويّة، بما في ذلك المسارات العمليّة، الّتي لا يجب علينا التّغاضي عنها.

تحتاج العائلات إلى عناية راعويّة وتفاني. وفي مجال العمل الرّاعويّ العاديّ، في الواقع، ما زلنا في مرحلة مبكرة للعديد من القضايا: نحن نفكّر في مرافقة الأزواج والعائلات في الأزمات، وفي دعم الّذين تُركوا وحدهم، وفي العائلات الفقيرة والمفكّكة. تحتاج العديد من العائلات إلى المساعدة لكي تكتشف مكان حضور المسيح ومحبّته الرّحيمة في آلام الحياة. لذلك ستكون هذه السّنة، فرصة لبلوغ العائلات، وعدم جعلها تشعر بالوحدة في مواجهة الصّعوبات، ونسير معها، ونصغي إليها، ونقوم بمبادرات راعويّة تساعدها على تنمية محبّتها اليوميّة. نحن نعلم جيّدًا أنّ البابا فرنسيس يحثّنا على التّجديد الرّاعويّ. وهذا الأمر ينطبق أيضًا على راعويّة العائلة.

إنَّ الجانب الأوّل لهذا التّجديد الرّعويّ الّذي أودّ التّأكيد عليه هو الحاجة إلى تعاون أكبر. حتّى في سياق راعويّة العائلة، يجب على الكنيسة أن تتعلّم أن تتقاسم الخبرات الّتي أثبتَت على مرِّ السّنين أنّها مُثمِرة ونجحت في إدخال إعلان الإنجيل في حياة الأزواج والعائلات. لقد تمّ إنجاز الكثير ويتمّ القيام بأمور كثيرة للعائلات، نحن لم نبدأ من الصّفر. يمكن لهذا العمل وهذه الخبرات أن تكون نموذجًا وإلهامًا للآخرين، لكنّها لا تزال غير معروفة وغير متقاسمة.

إنَّ الجانب الثّاني لهذا التّجديد الرّاعويّ هو تغيير الذّهنيّة. وفي هذا السّياق أشير إلى حقيقة أنّنا يجب أن ننتقل من التّفكير في العائلات على أنّها "موضوع" بسيط للعمل الرّاعويّ إلى التّفكير فيها على أنّها "رائدة" العمل الرّاعويّ. إنّ العائلات مليئة بالإمكانيّات والعطايا للمجتمع بأسره وللكنيسة، ولذلك يجب الاعتراف بها وإشراكها بشكل فعّال كرائدة للعمل الرّاعويّ العادي للرّعايا والأبرشيّات. والجانب المهمّ من هذا الدّور الرّياديّ للعائلات هو مثالها الحيّ؛ فهي تتميّز بحقيقة أنّها تمثِّل إيمانًا حيًّا، فهي "تعليم مسيحيّ حيّ". في الواقع، هناك العديد من العائلات الّتي تعيش إيمانها ودعوتها للزّواج والأسرة بطريقة مثاليّة. ومن المفيد جدًّا أن نرى كيف أنّها لا تستسلم وتواجه صعوبات الحياة بفرح عميق، ذلك الفرح الّذي نجده في "قلب" سرّ الزّواج والّذي يغذّي حياة الزّوجين والأشخاص الّذين يعيشون معهما. لذلك من الضّروريّ إعطاء فسحة أكبر للعائلات. إنّ حياتها بحدّ ذاتها هي رسالة رجاء للعالم بأسره ولاسيّما للشّباب، لأنّه، وكما يتّضح من العديد من الدّراسات الاستقصائيّة في جميع أنحاء العالم، لا تزال الرّغبة في تكوين عائلة خاصّة بهم اليوم من بين أعظم أحلام الشّباب الّتي يرغبون في تحقيقها.

جانب ثالث لهذا التّجديد الرّاعويّ هو تنشئة المُنشِّئين. نحن ندرك حقيقة أنّه من الضّروريّ تعزيز التّنشئة لجميع الّذين سيقومون بعمل راعويّ مع العائلات: بدءًا من الرّعاة المستقبليّين- من الإكليريكيّة- وصولاً إلى العلمانيّين والعائلات الّتي ستكرّس جهودها لهذه الرّسالة. على المنشِّئين أن يكونوا قادرين على أن يُظهروا للعائلات كيف يمكن للنّعمة الّتي تنبع من سرّ الزّواج أن تستجيب لتحدّيات الحياة العمليّة، ليس بشكل مجرّد، وإنّما في الظّروف الملموسة الّتي يتمّ اختبارها في مختلف الثّقافات والمناطق الجغرافيّة في العالم.

ستحتاج سنة عائلة "فرح الحبّ" بالتّأكيد إلى رعاة يقبلون دعوة البابا فرنسيس بسخاء وحماس. رعاة، كإخوة وآباء، يكونون على استعداد لمساعدة العائلات، وإنّما أيضًا للتّعلّم منها. في الواقع، هناك نعمة خاصّة تنبع من الأزواج والعائلات: وهي النّعمة الزّوجيّة، وهي نعمة عيش الحبّ كبذل ذات للآخرين، جاعلة من هذا الموقف "المحرّك" الّذي يحرّك كلّ عمل. إنّها نعمة إيجاد السّعادة، وتحويل الحياة إلى عطيّة. إنَّ الرّعاة، وإذ يكونون مع العائلات، يدخلون بشكل أعمق في تواصل مع هذه النّعمة الخاصّة للزّواج ويغتنون منها. وعندما تُعاش الخدمة الكهنوتيّة بأسلوب زوجيّ، تصبح هي أيضًا أكثر فرحًا وأكثر خصوبة على الصّعيد الرّوحيّ. لذلك يمكننا أن نقول للرّعاة: هناك الكثير الّذي يمكنكم أن تقدّموه للعائلات، ولكن هناك الكثير أيضًا الّذي يمكنكم أن تنالوه منها.

نبدأ هذه السّنة، إذًا، فيما نحاول أن نحظى تجاه العائلات بموقف الأبوّة الّذي نتعلّمه من القدّيس يوسف، أبوّة تقوم على القبول والقوّة والطّاعة والعمل. ونسعى في الوقت عينه لكي نصبح أكثر فأكثر كنيسة "أمّ" للعائلات، كنيسة حنونة وتهتمُّ باحتياجاتها، وقادرة على الإصغاء، وإنّما أيضًا كنيسة شجاعة وثابتة دائمًا في الرّوح القدس."