الأراضي المقدّسة
07 كانون الأول 2020, 14:50

هكذا تسلّم البطريرك بيتسابالا رسميًا رعاية البطريركيّة اللّاتينيّة!

تيلي لوميار/ نورسات
تسلّم بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا، يوم الجمعة رعاية البطريركيّة اللّاتينيّة رسميًّا، وذلك عبر دخوله الاحتفاليّ إلى كنيسة القيامة وجلوسه على كرسيه البطريركيّ، وسط حضور اقتصر على عدد قليل من الرّسميّين بسبب وباء كورونا.

بعد موكب سار من البطريركيّة إلى كنيسة القبر المقدّس عبر طرقات القدس القديمة، رحّب ممثّلو الكنائس الثّلاثة الّذين يديرون شؤون كنيسة القيامة وأمين مفتاح بابها بالبطريرك الجديد، توجّه بعدها أسقف القدس إلى الكنيسة "وقّبل حجر التّحنيط وقام برش الماء المبارك على الحشد حوله قبل أن يرحّب به حارس الأراضي المقدّسة الأب فرانشيسكو باتون". ثمّ توجّه البطريرك ليُصلّي صلاة قصيرة داخل قبر المسيح بينما أنشد الإكليروس والمؤمنون نشيد "إيّاكَ اللهُمَ نَمدَح". ثمّ قرأ المطران ليوبولدو جيريللي والأب إبراهيم شوملي نصّ البراءة البابويّة لتعيينه بطريركًا للقدس للّاتين، باللّغتين اللّاتينيّة والعربيّة على التّرتيب. تبع ذلك ترحيب من المطران بولس ماركوتسو بالنّيابة عن المجلس الاستشاريّ والعائلة البطريركيّة بأسرها ليسلّم بعد ذلك العصا الرّاعويّة للرّاعي الجديد لأبرشيّة القدس.

وكان للبطريرك بيتسابالا كلمة للمناسبة، قال فيها بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ: "إنَّهُ لَيسَ هُنَا. فَقَد قَامَ كَمَا قَالَ" (متّى 28: 6). المسيح قام حقًّا قام.

نلتقي، مرّة أخرى، أمام قبر المسيح الفارغ، قلبِ إيماننا وجماعتنا المسيحيّة.

إنّه تقليد، في أرضنا هذه، أن نلتقي في هذا المكان المقدّس، في بداية كلّ حدث كنسيّ جديد، للاحتفال بعيد الفصح، مهما كان الزّمن في السّنة اللّيتورجيّة. لا توجد بداية، في الواقع، ولا مبادرة كنسيّة، ولا مشروع متماسك، خارج نور الفصح. "أن نحتفل بالفصح" يعني أن نبذل حياتنا لأنّنا نحبّ. وهذا صحيح خاصّة في كنيسة القدس، لأنّها مدعوّة إلى أن تعيش وتحمل رسالتها في نور القيامة. نقرأ في هذه الأيّام في سفر الرّؤيا، أنّ المدينة لا تحتاج إلى نور الشّمس، لأنّ "سِرَاجَها هُوَ الحَمَل" (رؤ 23: 21).

لذلك أريد أن أحتفل معكم اليوم أيضًا بعيد الفصح: في هذا المكان المقدّس، أطلب من الله أن يمنحني القوّة والشّجاعة والثّبات لأبذل حياتي في سبيل هذه الكنيسة، ولحبّها وقيادتها بصبر وبروح أبويّة.

ليست هذه المرّة الأولى الّتي أتيت فيها إلى هذا القبر لبدء خدمة جديدة في كنيسة الله هذه. جئت هنا كاهنًا جديدًا قبل 30 سنة.

وبعد سنوات من الدّراسة والخدمة، أتاحت لي أن أعرف البيئة والبلد بصورة أفضل، بدأت هنا مهمّتي حارسًا للأراضي المقدّسة. وهي خدمة جعلتني أزداد معرفة لحقيقة كنيسة القدس، الكنيسة الأمّ، وأن ألمس بيدي نعمة الأماكن المقدّسة واحتياجات الإخوة فيها.

وعدت إلى كنيسة القيامة لأبدأ ولأشكر الله لأمانته ومرافقتي بنعمته في السّنوات الأربع الماضية الّتي خدمت فيها كنيسة القدس كمدبّر رسوليّ. كانت سنواتٍ فيها تعب وصعاب، لكنّها أيضًا سنواتُ خبرة كنسيّة عميقة.

وعندما فكّرت مرّة أخرى أنّ الوقت قد حان للمغادرة، فأبدأ مرحلة جديدة في مكان ما، أعادتني كلمات الأب الأقدس، البابا فرنسيس، إلى هنا. أراد الرّبّ أن يعيدني إلى هنا مرّة أخرى، ليذكّرني أنّه عليَّ أن أحتفل بالفصح معكم هنا.

إنّنا نسير مع إله نعرفه نحو مستقبل لا نعرفه. المستقبل مجهول، خاصّة في هذا الزّمن، الّذي يبعث على الخوف والقلق. لهذا، إنّنا نسلِّم أنفسنا لله الّذي عرَّفَنا به وأوحاه إلينا يسوع المسيح. فيه نجد عزاءنا وقوّتنا. هنا نستعيد ذكرى كلّ أحداث حياتنا، الجماعيّة والفرديّة، ونتذكّر كم مرّة ظلّ الله معنا أمينًا ومُحِبًّا. الذّاكرة ضروريّة لبناء جسر بين حاضرنا المليء بالهموم والمخاوف وبين مستقبل مبنيّ على الرّجاء الّذي نجده في الله الّذي التقيناه وعرَّفنا به يسوع المسيح.

أتذكّر السّنوات الّتي مضت، فأدرك كيف أرشدني الرّبّ ورافقني في العديد من الخيارات الّتي لم أكن وحدي قادرًا على بلوغها. وفي كلّ مرّة، كان عليَّ أن أعود أنا عن طرق أخرى كانت تلوح لي.

يمكننا أن نقول الأمر نفسه عن كنيستنا. بالرّغم منّا نحن أنفسنا، بالرّغم من كلّ شيء، فإنّ القائم من بين الأموات يرشدنا وينتظرنا بصبر وأمانة، ولا يسمح بأن نُجرَّبَ فوق طاقتنا (راجع 1 قورنتس 10: 13). واليوم أيضًا، قادنا إلى هنا، أنا وأنتم، معًا، لنعود ونبدأ الرّحلة من جديد، ومن هنا نعود لمتابعة مسيرتنا باندفاع وفرح جديد. مثل بطرس عند بحيرة طبريّا، لنثِقْ بكلمة الرّبّ ولنُلقِ الشّبكة (راجع لوقا 5: 5). ولنبدأ واثقين خدمتنا هذه الجديدة لكنيسة القدس.

بالطّبع، لا يسعني إلّا أن أشعر بمشاعر الخوف في مواجهة مهمّة تتجاوز قدراتي. لكنّي أقبل هذه الطّاعة الجديدة وأريد أن أحملها بفرح. إنّها بالتّأكيد صليب، لكن الصّليب يحمل ثمار الخلاص في كلّ مرّة نقبله بفرح. صليب ابن الله، الّذي رُفِعَ هنا على بعد أمتار قليلة، هو الّذي أعطى معنًى لكل الصّلبان في العالم.

أعلم أنّني لست وحدي. بدون تعاون الكهنة، والرّهبان والرّاهبات والمؤمنين، لا يستطيع الأسقف أن يقود قطيعه، ولا أن يكون صورة الرّاعي الصّالح. اليوم أنتم معي، ربّما ليس بالعدد الّذي وددنا لو كان، لكنّني أعلم أنّه من مختلف أنحاء الأبرشيّة والعالم، ينضمّ العديد من المؤمنين والحجّاج من أبرشيّتنا وغيرهم إلينا للصّلاة من أجلي. بهذه الرّوح يمكننا أن نكون كنيسة، كنيسة القدس الأمّ.

هناك العديد من التّوقّعات من جماعتنا الكنسيّة المتنوّعة، وكلّها جزء من دعوة كنيستنا ورسالتها. هناك انتظار لانطلاقة رعويّة جديدة تأخذ في الحسبان مختلف أجزاء الأبرشيّة وثقافاتها، وعلينا أن نعرف كيف نوجد الوحدة بين الجميع. وتنتظرنا المشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة الهائلة، وقد تفاقمت بسبب الجائحة المستمرّة. تنتظرنا كلمة واضحة وهادئة في السّياسة، المتقلّبةِ وقصيرةِ النّظر، وهي عبءٌ ثقيل على الحياة اليوميّة لجميع عائلاتنا. وينتظرنا اللّقاء مع الكنائس الشّقيقة الأخرى ومع الإخوة المسلمين واليهود. إنّ العيش في نور القيامة يعني أن نعرف أن نحمل إلى الجميع، ونشهد أمام الجميع للرّجاء المسيحيّ الّذي يسندنا.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أدعوكم للصّلاة من أجلي ومن أجل كنيستنا كنيسة القدس الّتي نحبّها، حتّى أتمكّن من قيادتها وخدمتها، حتّى أتمكّن من أن أحبّها بقلب غير منقسم. ليس لدي "موهبة الألسنة" (1 قور 13: 8)، لكنّني أؤكّد لكم الرّغبة الصّادقة في الوصول إلى قلوب الجميع، لاسيّما أولئك الّذين يواجهون الآن الصّعاب والضّيق.

من هذا المكان، يكرّر لنا الرّبّ القائم من بين الأموات مرّة أخرى الكلمات الّتي قالها للنّساء يوم القيامة: "لا تخفْن.َ اذهبْنَ وَأَخبِرْنَ إِخوَتِي ..." (متّى 28: 10). لنسمع هذه الكلمات والرّسالة الّتي ما زالت تنطبق علينا اليوم. هذه هي كلمات المسيح القائم من بين الأموات، يجب أن يتردّد صداها دائمًا في قلوبنا. نحن لسنا وحدنا. لسنا أيتامًا. يجب ألّا نخاف. إنّنا على يقين أنّ القائم من بين الأموات سيتمكّن مرّة أخرى من أن يملأنا بروحه ويجعلنا شهودًا أقوياءَ لمحبّته في أرضه."