هذا ما ينصح به البابا فرنسيس في يوبيل الشّمامسة!
في عظته، قال البابا: "يمكن اختصار ما يرويه لنا الإنجيل بكلمة واحدة: المجّانيّة"، وتأمّل بها "باعتبارها بعدًا أساسيًّا للحياة المسيحيّة ولخدمة الشّمامسة"، متوقّفًا عند ثلاثة عناصر هي: المغفرة والخدمة بدون مقابل والش!ركة.
عن العنصر الأوّل أيّ المغفرة، قال البابا فرنسيس بحسب "فاتيكان نيوز": "إنّ إعلان المغفرة هو أحد الواجبات الأساسيّة للشّمّاس، وهذا عنصر لا غنى عنه بالنّسبة لأيّة مسيرة كنسيّة وهو شرط لكلّ تعايش بشريّ. وسلّط الأب الأقدس هنا الضّوء على تشديد يسوع على ضرورة المغفرة وأهمّيّتها حين قال "أحبّوا أعداءكم". وتابع البابا أنّه ومن أجل النّموّ معًا وكي نتقاسم الأنوار والظّلال، النّجاحات والإخفاقات، من الضّروريّ أن نغفر وأن نطلب المغفرة واستعادة العلاقات وألّا نستبعدّ من محبّتنا حتّى من يسيء إلينا أو يخوننا. وشدّد قداسته على أنّ عالمًا لا نحمل فيه للخصوم سوى الكراهيّة هو عالم بلا رجاء وبلا مستقبل، عالم مصيره أن تمزّقه الحروب والانقسامات والثّأر بشكل لا نهاية له مثلما ومع الأسف نشهد اليوم أيضًا على مستويات عديدة وفي مناطق مختلفة من العالم. المغفرة بالتّالي تعني، حسبما واصل قداسة البابا، أن نُعدّ للمستقبل بيتًا مضيافًا وآمنًا وذلك في أنفسنا وفي جماعاتنا. وتوقّف الأب الأقدس في هذا السّياق عند خدمة الشّمّاس والّتي تحمله إلى ضواحي العالم، وقال إنّ على الشّمّاس أن يرى وأن يُعَلّم الآخرين أن يروا الآخرين جميعًا، حتّى مَن يخطئ أو يسبّب ألمًا، كأخوات وأخوة جُرحوا في نفوسهم، ما يجعلهم وأكثر من أيّ شخص آخر في حاجة إلى المصالحة والإرشاد والمساعدة.
تحدّث البابا بالتّالي عن انفتاح للقلب حدّثتنا عنه القراءة الأولى اليوم، أيّ من سفر صموئيل الأوّل، والّتي تسرد ما أظهره داود من محبّة أمينة وسخيّة إزاء شاول مَلِكه ولكن أيضًا مضطهده (راجع 1 صم 26، 2. 7ـ9. 12ـ13. 22ـ23). وذكَّر الأب الأقدس بأنّ هذا ما يتحدّث عنه نصّ آخر وذلك في إشارة إلى ما جاء في أعمال الرّسل (راجع 7، 60) حول مغفرة اسطفانس لمن رجموه. ونرى هذا في المقام الأوّل، تابع البابا فرنسيس، في يسوع، المثال لكلّ خدمة شمّاسيّة، والّذي وعلى الصّليب تجرّد من ذاته وصولًا إلى بذل حياته من أجلنا، فقد صلّى يسوع من أجل مَن صلبوه وفتح باب الفردوس للّصّ اليمين.
إنتقل قداسة البابا فرنسيس إلى العنصر الثّاني الّذي أراد التّأمّل فيه مع الشّمامسة أيّ الخدمة بدون مقابل، فقال إنّ الإنجيل يصف لنا هذا بعبارة بسيطة لكنّها واضحة جدًّا: "أَحِسِنوا وأَقرِضوا غَيرَ راجينَ عِوَضًا" (راجع لو 6، 35). وأضاف البابا أنّ هذه الكلمات تحمل عبق الصّداقة، أيّ أوّلًا صداقة الله لنا ثمّ صداقتنا نحن، وشدّد قداسته على أنّ هذا بالنّسبة للشّمّاس ليس عنصرًا ثانويًّا في تصرّفه بل هو بعد أساسيّ لكيانه. فالشّمّاس يتكرّس ليكون في خدمته "نحّاتًا" و"رسّامًا" لوجه الآب الرّحوم وشاهدًا لسرّ الله الثّالوث.
وأراد البابا فرنسيس هنا تسليط الضّوء على أنّ يسوع في الكثير من مقاطع الإنجيل يتحدّث عن نفسه من هذا المنظور، فقد فعل هذا متحدّثًا إلى فيلبّس بعد أن غسل أرجل التّلاميذ حين قال: "من رآني رأَى الآب" (راجع يو 14، 9). وأيضًا حين قال بعد أن أسّس الإفخارستيّا "فأَنا بينَكم كالَّذي يَخدُم" (راجع لو 22، 27). وذكَّر البابا بأنّ يسوع قد تحدّث عن هذا من قبل وذلك حين كان التّلاميذ يتجادلون فيما بينهم حول مَن هو الأكبر، فقد قال لهم: "فأَنَّ ابنَ الإِنسانِ لم يَأتِ لِيُخدَم، بل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفْسِه جَماعةَ النَّاس" (راجع مر 10، 45).
وجّه البابا فرنسيس كلماته بعد ذلك إلى الشّمامسة قائلًا لهم إنّ العمل المجّانيّ الّذي يقومون به كتعبير عن تكريسهم الذّات لمحبّة المسيح هو بالنّسبة لهم الإعلان الأوّل للكلمة، ينبوع الثّقة والفرح لمن يلقاكم. وواصل الأب الأقدس داعيًا الشّمامسة إلى أن يرافقوا هذا العمل قدر الإمكان بالابتسام وبدون تذمّر وبلا تطلّع إلى اعتراف بفضلهم، في دعم متبادل وذلك أيضًا في العلاقة مع الأساقفة والكهنة كتعبير عن كنيسة تعمل بالتزام من أجل النّموّ في خدمة الملكوت في تثمين لكلّ درجات الخدمة. وهكذا سيصبح عملكم المنسجم والسّخيّ، تابع البابا فرنسيس حديثه إلى الشّمامسة، جسرًا يربط المذبح بالطّرقات، والإفخارستيّا بحياة النّاس اليوميّة، وستكون محبّتكم ليتورجيّتكم الأجمل، وليتورجيّتكم خدمتكم الأكثر تواضعًا.
أمّا في حديثه عن العنصر الثّالث أيّ كون المجّانيّة ينبوع الشّركة فقال البابا فرنسيس إنّ العطاء بدون مقابل يوحّد ويخلق روابط، وذلك لأنّه يُعبِّر عن ويغذّي كونًا معًا لا هدف له سوى هبة الذّات وخير الأشخاص. وذكَّر قداسته هنا بالقدّيس لورنسيوس والّذي وحين طالبه مضطهدوه بتسليم كنوز الكنيسة أشار إلى الفقراء قائلًا: ها هي كنوزنا. وتابع الأب الأقدس أنّ هكذا تُبنى الجماعة، بأن نقول للأخ وللأخت بالكلمات وقبل كلّ شيء بالأفعال سواء بشكل شخصيّ أو كجماعة: أنت هامّ بالنّسبة لنا، نحن نحبّك، نريد أن تشترك في مسيرتنا وفي حياتنا. وقال البابا للشّمامسة: هذا ما تفعلون أنتم حين تكونون في الخدمة مستعدّين لتوسيع عائلاتكم لتشمل مَن هم في عوز حيثما تعيشون. وواصل البابا حديثه إلى الشّمامسة قائلًا إنّ رسالتهم، الّتي تأخذهم من المجتمع لتعيدهم إليه مجدّدًا وتجعله بشكل أكبر دائمًا مكانًا مستقبلًا ومفتوحًا للجميع، هي واحد من أفضل أشكال التّعبير عن كنيسة سينودسيّة في خروج."
وفي ختام العظة، أشار البابا فرنسيس "إلى نيل البعض اليوم السّيامة الشّمّاسيّة، فقال إنّهم هكذا لن يُرفعوا بل هم ينزلون لأنّ السّيامة تعني النّزول، أن نصير صغارًا، أن ننزل وأن نتجرّد. واستعار قداسته هنا كلمات بولس الرّسول في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس حين تحدّث عن الإنسان الأرضيّ الّذي نتركه من خلال الخدمة لنكون في المحبّة إنسانًا من السّماء (راجع 1 قور 15، 45ـ49). دعا الأب الأقدس بعد ذلك إلى التّأمّل فيما نُقْدم على القيام به موكلين أنفسنا إلى مريم العذراء وإلى القدّيس لورنسيوس شفيع الشّمامسة، فليساعدانا على أن نعيش كلّ خدمة بقلب متواضع وممتلئ بالمحبّة، وعلى أن نكون في المجّانيّة رسل مغفرة وخدّامًا بدون مقابل للأخوة وبناة شركة."