الفاتيكان
18 آب 2021, 11:50

هذا ما يقوله البابا فرنسيس عن الشّريعة!

تيلي لوميار/ نورسات
عن دور الشّريعة على ضوء رسالة بولس الرّسول إلى أهل غلاطية، تحدّث البابا فرنسيس اليوم خلال المقابلة العامّة، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":

"لقد علّمنا القدّيس بولس أنّ "أبناء الموعد"، أيّ نحن جميعًا الّذين بُرِّرنا بيسوع المسيح، ليسوا تحت نير الشّريعة، لكنّهم مدعوّون إلى أسلوب حياة مُتطلّب في حرّيّة الإنجيل. لكنَّ الشّريعة موجودة، ولذلك نسأل أنفسنا في تعليم اليوم: ما هو دور الشّريعة بحسب الرّسالة إلى أهل غلاطية؟ في المقطع الّذي سمعناه للتّوّ، يؤكِّد بولس بأنّ الشّريعة كانت حارِسًا يَقودُنا إِلى المسيح. إنّها صورة جميلة تستحقّ أن تُفهَم بمعناها الصّحيح.

يبدو أنّ بولس الرّسول يقترح على المسيحيّين أن يقسموا تاريخ الخلاص، وكذلك تاريخهم الشّخصيّ، إلى لحظتين: قبل أن يصبحوا مؤمنين وبعد أن نالوا الإيمان. ويضع في المحور حدث موت وقيامة يسوع، الّذي بشّر به بولس لكي يبعث الإيمان بإبن الله، مصدر الخلاص. لذلك، وبدءًا من الإيمان بالمسيح هناك "قبل" و"بعد" فيما يتعلّق بالشّريعة عينها. يتمّ تحديد التّاريخ السّابق بكوننا تحت الشّريعة، أما المرحلة التّالية فيجب أن تُعاش بحسب الرّوح القدس. إنّها المرّة الأولى الّتي يستخدم فيها بولس هذه العبارة: أن نكون "تحت الشّريعة". ويتضمّن المعنى الأساسيّ فكرة الاستعباد السّلبيّ، النّموذجي للعبيد. ويشرح بولس الرّسول هذا بقوله إنّه عندما يكون المرء "تحت الشّريعة" يكون "مراقبًا" و"محبوسًا"، في نوع من الحبس الاحتياطيّ. وهذه المرحلة، كما يقول القدّيس بولس، قد استمرّت لفترة طويلة- من موسى إلى مجيء يسوع- وتستمرُّ ما دام المرء يعيش في الخطيئة.

يشرح بولس الرّسول العلاقة بين الشّريعة والخطيئة بطريقة أكثر منهجيّة في رسالته إلى أهل روما، الّتي كتبها بعد سنوات قليلة من الرّسالة إلى أهل غلاطية. بإختصار، تقود الشّريعة إلى تحديد المخالفة والخطيئة وإلى توعية الأشخاص على خطيئتهم. في الواقع، كما تعلّمنا الخبرة العامّة، ينتهي الأمر بالوصيّة بإثارة المخالفات. وهكذا يكتب القدّيس بولس في رسالته إلى أهل روما: "لأَنَّنا حينَ كُنَّا في حُكْمِ الجَسَد، كانَتِ الأَهواءُ الأَثيمَةُ تَعمَلُ في أَعضائِنا مُتذَرِّعةً بِالشَّريعة، لِكَي نُثمِرَ لِلمَوت. أَمَّا الآن، وقَد مُتْنا عَمَّا كانَ يأسِرُنا، فقَد حُلِلْنا مِنَ الشَّريعة وأَصبَحْنا نَعمَلُ في نِظامِ الرُّوحِ الجَديد، لا في نِظامِ الحَرْفِ القَديم". وبأسلوب مُقتضَب يثبِّت بولس رؤيته للشريعة: "إِنَّ شَوكَةَ المَوتِ هيَ الخَطيئَة، وقُوَّةَ الخَطيئةِ هيَ الشَّريعة".

في هذا السّياق، تكتسب الإشارة إلى الدّور التّربويّ الّذي تلعبه الشّريعة معناها الكامل. في النّظام المدرسيّ القديم، لم يكن لدى المربّي الوظيفة الّتي ننسبها إليه اليوم، وهي دعم تعليم صبيّ ما أو بنت ما. في ذلك الوقت، كان الأمر يتعلّق بعبد كان له مهمّة مرافقة ابن سيّده لدى المعلّم ثمّ إعادته إلى المنزل. وبهذه الطّريقة كان عليه أن يحميه من الأخطار ويشرف عليه لكي لا يتصرّف بشكل خاطئ. لقد كانت وظيفته تأديبيّة إلى حدّ ما. وعندما يصبح الولد بالغًا، كان يتوقّف المربّي عن واجباته.

تسمح الإشارة إلى الشّريعة في هذه الشّروط للقدّيس بولس بتوضيح الدّور الّذي لعبته في تاريخ إسرائيل. كانت التّوراة فعل سخاء من الله تجاه شعبه. من المؤكّد أنّه كان لها وظائف مقيِّدة، لكنّها في الوقت عينه كان تحمي الشّعب وتثقِّفه وتؤدّبه وتعضده في ضعفه. لهذا توقّف بولس الرّسول لاحقًا عند وصف مرحلة عمر القُصَّر: "فأَقولُ إِنَّ الوارِثَ، ما دامَ قاصِرًا، فلا فَرْقَ بَينَه وبَينَ العَبْد، مع أَنَّه صاحِبُ المالِ كُلِّه، لكِنَّه في حُكْمِ الأَوصِياءِ والوُكَلاءِ إِلى الأَجَلِ الَّذي حَدَّده أَبوه. وهكذا كانَ شَأنُنا: فحِينَ كُنَّا قاصِرين، كُنَّا في حُكْمِ أَرْكانِ العالَمِ عَبيدًا لَها". إنّ قناعة القدّيس بولس هي أنّ للشّريعة بالتّأكيد وظيفتها الإيجابيّة، ولكنّها محدودة في الزّمن. ولا يمكن أن تمتدّ مدّتها إلى ما هو أبعد من القياس، لأنّها مرتبطة بنضج الأشخاص وخيارهم للحرّيّة. وبمجرّد الوصول إلى الإيمان، تستنفد الشّريعة قيمتها التّمهيديّة وعليها عندها أن تُفسح المجال لسلطة أخرى.

هذا التّعليم حول قيمة الشّريعة مهمّ جدًّا ويستحقّ أن يؤخذ في الاعتبار بعناية لكي لا نقع في سوء الفهم والتباسات ونقوم بخطوات خاطئة. من الجيّد أن نسأل أنفسنا ما إذا كنّا لا نزال نعيش في الفترة الّتي نحتاج فيها إلى الشّريعة، أو إذا كنّا ندرك أنّنا قد تلقّينا النّعمة لنصبح أبناء الله ونعيش في المحبّة."