هذا ما كتبه البطريرك ساكو عن العلاقة بين الله والإنسان!
"إيماننا المسيحيّ ينبغي أن يكون واضحًا ومفهومًا وواعيًا لنلتزم به وليس مجرّد معلومات نتلقيها سطحيًّا في التّعليم المسيحيّ ثمّ لا تعنينا كثيرًا. من هذا المنطلق أودّ ببساطة أن أوضح باختصار هذه المفاهيم الأساسيّة لمسيحيّتنا.
العلاقة بين الله والإنسان
علاقة بُنيويّة جوهريّة وديناميكيّة وفقًا للدّيانات السّماويّة، وحتّى في الدّيانات القديمة كالسّومريّة والبابليّة (ملحمة التّكوين السّومريّة البابليّة إينوما أليش) والمصريّة مع بعض توصيفات حسّيّة وخياليّة متباينة. إنّها علاقة وجودٍ مصيريّة متلازمة بين الله الخالق- علّة الوجود والإنسان المخلوق. الله أزليّ- أبديّ، والإنسان زمنيّ "معدودة أيّامه"، لكن الله منحه إمكانيّة الأبديّة، أن سلك بحسب مشيئته. الأبديّة مستوى آخر من الوجود، نسمّيه الخلاص. ولهذه العلاقة بين الله والإنسان أهمّيّة كبرى في المسيحيّة واليهوديّة والإسلام لأنّ مستقبل الإنسان مرتبط بالله.
الإنسان على صورة الله
يقول سفر التّكوين: "فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ ومثاله. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَه" (1/26-27). لا يقصد الكتاب المقدّس هنا الصّورة الخارجيّة، أيّ الشّكل المنظور لأنّ الله روح، وإنّما تُشير "الصّورة" إلى الطّاقة الفكريّة (العقل) والرّوحيّة من إرادة وحكمة وحُبّ وجمال وخير وبرّ، والقدرة على التّواصل مع الآخرين والإبداع. يقول الكتاب المقدّس أيضًا: "ونفخ الله في أنفه نسمةَ حياةٍ فصار الإنسان نفسًا حيّة" (تكوين 2/7). هذا يعني أنّ الله الخالق والمحبّة وَهَبَهُ امتيازًا ومسؤوليّةً وفوضه لإدراة الكون، مثلما فعل المسيح مع التّلاميذ عندما نفخ فيهم الرّوح القدس (يوحنّا 20/22) ليفوّضهم مسؤوليّة التّبشير بالإنجيل.
الإنسان على صورة الله، أيّ أعطاه بُعدًا إلهيًّا، لكنّه ليس مساويًا له في الطّبيعة والجوهر، أي المستوى الأنترولوجيّ، لأنّ الله والإنسان مستويان من الوجود مختلفان تمامًا، إنّما العلاقة مع الإنسان هي على المستوى الرّوحيّ، فالمثال- الشّبه هو التّحلّي بصفات الله.
الثّالوث المسيحيّ: لا يعكّر البتّة إيمان المسيحيّين بالله واحد في ثلاثة أقانيم وحدانيّة الله في الجوهر. إنّهم يختمون دائمًا شهادة إيمانهم بـ "الإله الوحد آمين". التّمييز بين الأقانيم الثّلاثة هو في الوظائف أو كما يسمّيها المتكلّمون (اللّاهوتيّون) المسيحيّون العرب الصّفات الذّاتيّة: أبوّة وبنوّة وروح قدس. الله محبّة هذا هو الوحي المتميّز في الإيمان المسيحيّ. طبيعيٌّ أنّ سرّ الله لا يمكن للعقل البشريّ إدراكه تمامًا.
الإلهيّ على الأرض الإنسان يسوع المسيح
جاء في إنجيل يوحنّا: "في البَدءِ كانَ الكَلِمَة، والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله،… والكَلِمَةُ صارَ بَشَرًا فسَكَنَ بَينَنا، فرأَينا مَجدَه، مَجدًا مِن لَدُنِ الآبِ لابنٍ وَحيد مِلؤُه النِّعمَةُ والحَقّ" (1/1 و14). أراد الله أن يتواجد بين البشر من خلال يسوع المسيح لاهتمام بهم، وتوجيههم وخلاصهم. وهذا يبيّن مدى محبّة الله لهم. ورسم الإنجيل تعليم- طريق يسوع، طريق النّور حتّى يسلكه البشر فتكون لهم الحياة: "أنا الطّريق والحقّ والحياة" (يوحنّا 14/6). المسيح هو المثال الرّئيسيّ archetype الواقعيّ، وليس النّظريّ لصورة الله والإنسان كما نقول في القدّاس الكلدانيّ: "مثال الله والانسان". وتشرح موشّحات سليمان القرن الرّابع شكل هذه العلاقة: "صار شبيهًا بي، لكي أستقبلَه. بالشّكل صار مثلي، لاتَّشِحَ به، لم أخَفْ لما رأيته، لأنّه صار لي من يُحبُّني بحنانه"، (الأب أفرام سقط موشّحات سليمان، دار المشرق، بيروت طبعة 2 2006، ص 105).
مضامين أخلاقيّة وروحيّة
الإنسان خلق ليكون طاهرًا وحرًّا وعاقلاً وحكيمًا ومحبًّا، وفاعل الخير على صورة الله، أيّ مختلفًا عن الموجودات الطّبيعيّة الأخرى. عليه أن يخلق تناغم البعدين الرّوحيّ والمادّيّ في سلوك حياةٍ سليم، أيّ أن يُطابق حياته مع "المشيئة الإلهيّة".
هذا التّدرّج الموعود إلى الحياة الأبديّة (الخلود) يتحقّق عبر اللّيتورجيا (الطّقوس الدّينيّة)، أيّ الصّلوات والأسرار السّبعة لاسيّما الإفخارستيّا. ممارسات واعية تُنشيء وتُنمّي هذه العلاقة. "أخذ القربان والمشاركة في الأسرار، يوفّر لنا القيامة والتّنعّم بالخلود" (ثيودورس أسقف المصّيصة، العِظات التّعليميّة، نقلها إلى العربيّة وقدّم لها، الخوري بولس الفغالي، دار المشرق بيروت 1989 الموعظة 15/2-3).
بإختصار: طريقُ الخلاص هو الاندماج المحبّ في المسيح: "لأنّي أحبّ ذلك الابن (المسيح)، صرتُ إبنًا. من انضمَّ إلى من لا يموت، صار هو أيضًا غيرَ مائتٍ. ومن يَسُرُّ بالحياة يُصبح حيًّا" (موشّحات سليمان ص 97). وهذا هو معنى ترتيلنا صباحًا ومساء: قدّوس الله، قدّوس القويّ، قدّوس اللّامائت، إرحمنا.
أتمنّى لكم حياة مسيحيّة مليئة بالفرح."