ساكو افتتح كنيسة الطّاهرة في الموصل
خلال الافتتاح، كانت لساكو كلمة قال فيها بحسب إعلام البطريركيّة: "شكر خاصّ لأخينا قداسة مار إغناطيوس أفرام الثّاني بطريرك انطاكيا وسائر المشرق والرّئيس ألاعلى للكنيسة السّريانيّة في العالم.
كما أرحّب بمعالي وزير الثّقافة والسّياحة والآثار والسّيّد محافظ نينوى والسّفير الفرنسيّ لدى العراق Patrick Durel. والقنصل العامّ في الموصل Fabrice Desplechin على حضورهم.
وكلّ الشّكر والتّقدير لسيادة المطران ميخائيل نجيب السّامي الاحترام لمحافظته على تراثنا المكتوب "مركز المخطوطات"، وأيضًا على متابعته شؤون كنيستنا في الموصل.
ولأصحاب السّيادة الحضور من أساقفة وكهنة وراهبات وعلمانيّين مع حفظ الألقاب.
شكر خاصّ للمحسنين منهم l’œuvre d’Orient , Mgr Hugues de Woillemont, qui a succédé à Mgr Pascal Gollnisch ومنظّمة أليف التّحالف الدّوليّ لحماية التّراث (اليونسكو)) بالتّعاون مع الهيئة العامّة للآثار والتّراث في الموصل والمعهد الوطنيّ للتّراث الفرنسيّ. سنذكرهم وعوائلهم في صلواتنا لكي يكرّمهم الرّبّ على صدق محبّتهم وسخائهم.
كما أتقدّم بآيات الشّكر والامتنان لحكومة إقليم كردستان الّتي استقبلت المهجّرين من بعض المدن العراقيّة بسبب الخطف والفدية والقتل قبل تهجير داعش للمسيحيّين في الموصل وبلدان سهل نينوى عام 2014، فقد قدموا إلى مدن وقرى الإقليم لما يتمتّع به من أمان واستقرار انفتاح اجتماعيّ، وقد قامت الكنائس بتوفير السّكن لهم والطّعام والدّراسة، فشكر خاصّ لبلدة عنكاوا و رئاسىة اسقفيّتها والبلدات المسيحيّة الأخرى في عموم الإقليم على ما قدّمته لهم.
أتذكّر في ثمانينيّات وتسعينيّات القرن الماضي كانت للكلدان 13 كنيسة في الموصل بين قديمة وجديدة وثلاثة أديرة كبيرة في ضواحيها لديّ اسماؤها،كما كانت للطّوائف الأخرى كنائسها. للأسف اليوم كلّها متروكة. كان مقرّ البطريركيّة الكلدانيّة في محلّة الميّاسة بالموصل قبل نقله إلى بغداد في عام 1960. كانت هذه الكنائس تعجّ بالمؤمنين، وكنّا نصلّي من أجل نهاية حرب الخليج الأولى والثّانية، وعودة السّلام إلى الوطن والحياة الطّبيعيّة ووفرة العيش للعراقيّين.
الموصل كانت حاضرة مسيحيّة قبل مجيء المسلمين في نهاية القرن السّابع، كانت مليئة بالكنائس والأديرة. وكنيسة الطّاهرة الّتي نحتفل الآن بافتتاحها كانت ديرًا كبيرًا يسمّى الدّير الأعلى. فيه رُتِّبَت طقوسنا اللّيتورجيّة جميعها في عهد البطريرك إيشوعياب الثّالث المتوفّى سنة 659. وهو من إستقبل المسلمين القادمين من شبه الجزيرة العربيّة.
الموصل مدينة الحضارة والثّقافة والأصالة والتّنوّع والتّسامح والتّلاحم بين الثّقافات والأديان. في أحلك الظّروف عبَّرت عن هذه الهويّة المتنوّعة والمتناغمة. في حملة نادر شاه على الموصل ومحاصرته لها سنة (1743)، تَجمَّع المسيحيّون والمسلمون في هذه الكنيسة الّتي كانت مزارًا للمسيحيّين والمسلمين، ورفعوا الصّلوات من أجل مدينتهم ودافعوا عنها.فتراجع جنود الغزاة ونجَت المدينة بفضل وحدتهم.
عند استحواذ عناصر الدّولة الإسلاميّة (داعش) على الموصل سنة 2014 وقاموا بتهجير المسيحيّين منها، نهض الدّكتور محمد العسلي في جامعة الموصل وقال لهم: إنّ هؤلاء مواطنون نعيش معهم بسلام فلماذا تقتلونهم وتهجّرونهم، فاُرديَ قتيلًا. أنا شخصيًّا أعتبره شهيدًا حقًّا.
ثمّ بعد التّحرير كان الشّباب المسلمون ومنهم محمّد آل زكريّا ورفاقه هم من نظّفوا كنيسة البشارة وأعدّوها لأحتفل فيها بأوّل قدّاس. هذه العلامات المضيئة للعيش المشترك، تؤكّد أنّ المشكلة ليست في المسيحيّة أو الإسلام، إنّما في استغلال الدّيانة لغايات أخرى. الدّين معاملة.
علينا المحافظة على هذه الأصالة والتّلاحم والتّنوّع الفريد بعيدًا عن تدجين الدّين والطّائفيّة والفساد.
ما نحتفل به هذه الأيّام إحتفاءً بترميم كاتدرائيّة مار توما للسّريان الأرثوذكس وكنيسة الطّاهرة للسّريان الكاثوليك وكنيسة السّاعة للآباء الدّومنيكان وجامع النّوريّ واليوم كنيسة "الطّهرة" للكلدان، ما هو إلّا أقوى تعبير عن أصالة الموصل وانفتاحها على الجميع. هذه علامات رجاء ورسائل ليست للموصليّين، بل لكلّ العراقيّين.
كلّ الشّكر للمحافظ عبد القادر الدّخيل على كلّ هذه الجهود المباركة. أما يستحقّ أن ندعوه بـ"الأصيل"! كما لا أنسى مواقف سلفه الفريق نجم الجبوري الّذي تعاونت معه وجلبت عدّة شاحنات أغطية وأطعمة للموصل الّتي لم يكن فيها مسيحيّون، لأنّهم هجّروا؟
نحن المسيحيّين، ليست لنا ميليشيات وإن وجدَت لا تنتمي إلى الأخلاق المسيحيّة بشيء ولا نعترف بها على الإطلاق. نحن مسالمون لا نحمل السّلاح، لأنّ سلاحنا هو المحبّة والأخوّة والتّعاون.. بالنّسبة لنا العراق أوّلًا، ولاؤنا له وليس لغيره، ونحترم ونمدّ يدنا إلى من يبني دولة قويّة، دولة قانون وعدالة، ودولة مواطنة ومؤسّسات. نحن المسيحيّين نطالب بأن نعيش بكامل حقوقنا كمواطنين متساوين من خلال استراتيجيّات سياسيّة وقانونيّة واقتصاديّة وأمنيّة منسّقة.
يجب أن يعود الموصليّون خاصّة والعراقيّون عامّة إلى تجديد الثّقة ببعضهم البعض وإقامة علاقات إنسانيّة وأخويّة ووطنيّة صحيحة ولا فرق بين مواطن وآخر، للمحافظة على كرامتهم وتعزيز الاندماج الاجتماعيّ والوطنيّ. وعلى المرجعيّات الدّينيّة دعم هذه الرّوحيّة الإنسانيّة والوطنيّة. التّطرّف والطّائفيّة والموروثات الخاطئة لا تبني الدّولة ولا السّلام ولا العيش المشترك. بعد كلّ هذه الأزمات الّتي عاشها العراقيّون، ينبغي إعطاء الأولويّة لبناء الإنسان على قيم الأخوّة الإنسانيّة وقبول الآخر المختلف واحترامه. هذه القيم ينبغي أن تكون مشروعًا أساسيًّا نتربّى عليه ونجسّده في حياتنا اليوميّة.
أسال الله الأمن والأمان للجميع."