العراق
23 كانون الأول 2025, 12:50

ساكو: ميلاد المسيح دعوة إلى أن نولد من جديد

تيلي لوميار/ نورسات
هذا ما شدّد عليه بطريرك الكلدان مار لويس روفائيل لويس ساكو في رسالته الميلاديّة.

وفيها قال بحسب إعلام البطريركيّة: "يأتي عيد ميلاد السّيّد المسيح، وسط ظروف بالغةِ التّعقيد، وثقافةٍ إستهلاكيّةٍ واسعةٍ ساهمت في تراجع القيم الإنسانيّة والرّوحيّة، وحالةٍ مُقلِقةٍ من العنف والصّراعات والحروب، ولّدَت الموت والدّمار، إلى الحدّ الّذي بدأت فيه بعض الدّول تدعو علنًا إلى الاستعداد للحرب، لذا لا نجد ما يُغذّي رجاءَنا سوى إيمانِنا بالله، وثقتِنا بأن يُصبح ما نرجوه من سلام وأمان واستقرار واقعًا ملموسًا.

في العراق، لنصلِّ كي يجلب عيد الميلاد والسّنة الجديدة حكومة جديدة، برؤية وطنية راسخة وخريطة طريق كفيلة بنهضة البلد وخدمة المواطنين وخلق مناخ سليم للعيش المشترك، وإنهاء معاناة دامت 22 سنة.

الكنيسة الكلدانيّة، إذ أفكّر في كنيستنا الكلدانيّة، المتجذّرة بعمق في أرض العراق، والّتي عانت الكثير من المحن، أتمنّى لها سلامًا عميقًا، ورجاءً راسخًا في الله الّذي لم يتركها طوال المحن الّتي واجهتها، ولن يتركها اليوم. وآمل أن تتفاعل مع مجتمعها، وتستمرّ في لعب دورها في إشاعة السّلام والقيم الإنسانيّة والرّوحيّة، وترسيخ العيش المشترك، هذا الموضوع البالغ الأهمّيّة.

الميلاد هو دعوة الى أن نولد من جديد

الميلاد ليس حدثًا تاريخيًّا فحسب، بل هو دعوة الى أن نولد أبناء وبنات لله بيسوع المسيح (أفسس 5/ 1).هذه الولادة مسيرة إيمانيّة وروحيّة خلّاقة، فيها نُهيّئ قلوبنا لاستقبال نور الرّبّ: "الشَّعبُ السَّائِرُ في الظُّلمَةِ أَبصَرَ نورًا عَظيمًا… ِلأنَّه قد وُلدَ لَنا وَلَدٌ وأُعطِيَ لَنا آبنٌ فصارَتِ الرِّئاسةُ على كَتِفِه"(إشعياء 9/ 1، 5).لنوجّه أنظارنا نحو سرّ المسيح ونسير في نوره الّذي يُضيء حياتنا الخاصّة والعامّة، في خضمّ عواصف عالمنا، ونجعل كلَّ أيّامنا ميلادًا للخير والسّلام والمحبّة والرّجاء والفرح. بهذه المشاعر يتحرّك صانعو السّلام.

ترتيلة الملائكة للرّعاة ليلة الميلاد: "المَجدُ لله في العُلى وعلى الأرض السّلام والرّجاء للبشر" كما جاء في التّرجمة السّريانيّة (لوقا 2/ 14)، دعوة يجب أن تُؤثّر على حياتِنا اليوميّة. نتعلّم منها ثقافة السّلام ونلتزم به، ونتمسّك بالرّجاء ونُعبّر لكلّ مظلوم وفقير ومحتاج ومريض، عن وقوفنا إلى جانبه والتّضامن معه تمامًً كما فعل أصدقاء الشّخص المشلول الّذي يذكره إنجيل مرقس (2/ 1-12)، الّذين حملوه بمحبّة إلى يسوع ليشفيه، وكذلك فعل السّامريّ الصّالح (لوقا 10/ 25-37).

السّلام رسالة الميلاد موجّهة إلى الجميع: السّلام مشروع الله لجميع النّاس الّذين يُحبّهم، ويريد أن يجسّدوه في حياتهم وبلدانهم لكي يعيشوا بأمان وحرّيّة وكرامة وبوَفرة. كم مرّة نقول في صلاتنا السّلام معكم أو نحيي بعضنا البعض بالسّلام عليكم.

السّلام هو خَيارٌ وثقافةٌ ومجالُ عمل. لكلِّ واحد منّا دورٌ يؤدّيه في التّصدّي للأفعال المدمِّرة في عالمنا من عنف وتمييز وحروب فتّاكة، والعمل ليصبح السّلام واقعًا.. الله المحبّة خلقنا للحياة وليس للحرب والموت، خلقنا لنعيش معًا كأخوات وإخوة بالمحبّة.

الميلاد رسالة رجاء أيضًا.الرّجاء هو وعد الله بِحضوره معنا: "فإِنِّي مَعَكَ لِأُنقِذَكَ"(ارميا 1/ 8)، وقول يسوع "أنا معَكم كلّ الأيّام" (متّى 28/ 20)."الرّجاءَ لا يخيب"(روما 5/ 5)، لذلك يجب أن نحافظ على الرّجاء ولا نيأس ونستسلم للخوف والقلق..  الرّجاء يُساعدنا على استقبال ما هو جديد ويدعم وجودَنا وتضامننا. علينا أن نتيقّن بأنّ المستقبل بين أيدينا! كما يقول القدّيس اقليمس الإسكندريّ († حوالي 215) في كتاب "المربّي". هذه المسيرة هي بذور الأبديّة فينا.

الميلاد دعوة إلى المسيحيّين والمسلمين واليهود والآخرين لاستئصال أسباب الصّراعات المدمّرة ومآسي الظّلم للعيش معًا بسلام وأمان وتناغم. لتَفض قلوبُنا بالرّجاء، فننطلق معًا بفرح في رحلة السّلام والمحبّة والهِداية، واتّخاذ القرارات الصّحيحة ممّا يُرَيِّحُ قلبَنا وفكرَنا، ويجعلنا نعيش في جو منتعش وثابت.

لنفكّر بكلّ هؤلاء الّذين فقدوا حياتهم في هذه السّنة وبعائلاتهم ولنصلّ من أجلهم.

عيد ميلاد مبارك وسنة 2026 سعيدة للجميع، كلّ عام وأنتم بخير."