العراق
17 آذار 2025, 11:20

هذا ما طالب به البطريرك ساكو من أجل العراق!

تيلي لوميار/ نورسات
الوطن، الدّولة، المواطنة والدّستور، أربعة مفاهيم توقّف عندها بطريرك الكلدان مار لويس روفائيل ساكو في مقال جديد، دعا فيه إلى تطبيق مفهوم المواطنة واعتماد دستور مدنيّ في العراق.

وكتب ساكو في هذا السّياق بحسب إعلام البطريركيّة: "الوطن، هو مساحة من الأرض محدّدة، تسمّى البلد Country، ننتمي إليه ونحمل اسمه ونعيش فيه.

الوطن، يحتضن جميع بناته وأبنائه على حدٍّ سواء. يحترم تنوّع الأعراق والأديان والطّوائف، الّذي يُشكِّل بالنّسبة لنا النّسيج العراقيّ المتعدّد الألوان على مرِّ القرون. المواطنون ليسوا نمطًا واحدًا جامدًا، لكنّهم متنوّعون، لذا ينبغي الاعتراف بحقّهم في الاختلاف، ومساعدتهم على إدارة علاقاتهم ليعيشوا بكرامة وحرّيّة وتناغم ومساواة. الشّراكة والأخوّة والتّضامن توفّر لهم السّلم المجتمعيّ، والاستقرار والطّمأنينة.

الدّولة، كيان معنويّ لا دين لها، الدّينُ للأفراد. اليوم لا يمكن قبول حكم مسيحيّ أو إسلاميّ أو يهوديّ احترامًا لواقع التّنوّع والتّعدّديّة، كما هو الحال في الغرب بعد الثّورة الفرنسيّة في القرن الثّامن عشر (1789 – 1799)، حيث فصلت الكنيسة عن الدّولة ليتفرّغ الدّين لرسالته الرّوحيّة السّامية وعدم السّماح لاستغلاله وتشويهه كما حصل في تاريخ الأديان!

على الدّولة ان تكون حياديّة، وأن تفصل الدّين عن الدّولة أسوة بالدّول المتطوّرة، حتّى يشعر الكلّ أنّهم في بيتهم، يتمتعون بنفس الامتيازات والواجبات. الدّولة تقوم على الفرد، وليس على الغالبيّة والأقلّيّة ولا على المكوّنات!

المواطنة، Citizenship، تشير إلى انتماء الفرد إلى بلده والشّعور بعضويّته فيه وحمل جنسيّته، والتّمتّع بكامل الحقوق والامتيازات الّتي تكفلها الدّولة له، والواجبات الّتي يتعيّن عليه الالتزام بها بدقّة. ينبغي تطبيق مفهوم المواطنة لأنّها توحّد الجميع وتشجّع التّعاون، وهي واقعيًّا مستقبل البلد وتطوّره.

المواطنة، مجموعة من القواسم المشتركة، والقيم والأخلاق تتمثّل بحبّ الوطن والتّمسّك بالهويّة الوطنيّة الشّاملة، والإخلاص والأمانة والنّزاهة، والمروءة للدّفاع عنه وحمايته والسّعي لتطويره. هذه القيَم مردودُها سيكون كبيرًا على البلاد والعباد.

من المؤسف أنّ العديد من الأشخاص يحملون جنسيّة وطنهم، لكن ولاءهم ليس له، ويتحدّثون باسم الدّين المسلم أو المسيحيّ، لكن لا يلتزمون بأخلاق الدّين الحميدة، إنّما يبحثون عن مصالح خاصّة لا علاقة لها بمصلحة الوطن، ويخالفون مقتضيات المواطنة الصّالحة الّتي هي أساس التّغيير والتّقدّم نحو الأفضل.

الدّستور، Constitution التّأسيس، لا حلَّ إلّا بدولة ديمقراطّية، وبدستور مدنيّ متقدّم كما في البلدان المتطوّرة، يقوم على الأسس الوطنيّة والثّوابت الإنسانيّة، يخدم الصّالح العامّ. لا ينبغي أن يكرّس التّمييز الدّينيّ والمذهبيّ والعرقيّ الّذي يناقض مبدأ الدّيمقراطيّة والمواطنة الكاملة. كيف يمكن لبلد متعدّد الأعراق والأديان والطّوائف أن يتبنّى دستورًا يكون فيه الفقه الإسلاميّ المصدر الأساسيّ للتّشريع، أيّ من المذاهب الفقهيّة الأربعة؟ تبَنّي كذا موضوع شديد الحساسيّة، يجعل القوانين الأخرى رهينة بالتّفسير الدّينيّ، وتدخل في الحرّيّات الشّخصيّة وقوانين الأحوال الشّخصيّة. المسؤول في الدّولة هو في خدمة الجميع من دون استثناء، لأنّ السّلطة خدمة إنسانيّة ووطنيّة وأخلاقيّة، بعيدًا عن العقليّة السّلطويّة الفرديّة والفئويّة المتطرّفة!

الدّستور، ينبغي أن يكفل الحرّيّة والكرامة والمساواة لجميع المواطنين، وحقّ المشاركة في إدارة الدّولة والعمليّة السّياسة. لنتعلّم من الدّول الغربيّة كيف يُسمح للمهاجرين المتجنّسين تبوّؤ مناصب كرئيس الوزراء ووزارة.. إلخ. وكذلك على الدّستور أن يكفل حقوق المرأة والطّفل، وحرّيّة الرّأي والتّعبير.

للأسف أنّ الواقع على الأرض مختلف، بسبب الطّائفيّة والمحاصصة، والفساد وتردّي الخدمات. لذلك هاجر العديد من العراقيّين إلى الغرب ومن ضمنهم أصحاب الكفاءات، والمسيحيّون الّذين هم جزء أصيل من هذه الأرض منذ آلاف السّنين. لقد عانوا كثيرًا من الإرهاب والتّهميش والإقصاء، بحيث هاجر الثّلثان.

بعد خبرة أكثر من عشرين سنة لسقوط النّظام، أجد أنّ الوقت قد حان لتنظيم طاولة حوار حضاريّ راقٍ، تضمّ أصحاب الكفاءات العلميّة والقانونيّة، يفقهون آليّات السّياسة والقانون الدّوليّ لمراجعة الدّستور الحاليّ وإصلاح بعض الثّغرات وتعديل بعض المواد ليعكس الواقع الحاليّ المتنوّع، لاسيّما أنّ للعراق حضارة وثروة ثقافيّة كبيرة يمكن الاستناد إليها. من الأهمّيّة بمكان حماية هذه المبادئ الحيويّة والأخلاقيّة، والالتزام بها نُصرةً للعراق والعراقيّين.

هذا ما يطالب به غالبيّة المواطنين."