الفاتيكان
29 حزيران 2022, 14:00

هذا ما صلّى من أجله البابا فرنسيس في عيد مار بطرس وبولس!

تيلي لوميار/ نورسات
"لتعلّمنا العذراء مريم، سلطانة الرّسل، أن نقتدي بهم من خلال التّقدّم يوميًّا على درب الإيمان"، هي الصّلاة الّتي تشاركها البابا فرنسيس اليوم مع المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس لتلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ معهم في عيد القدّيسين بطرس وبولس، وذلك على ضوء مسيرتهما.

وفي كلمته الرّوحيّة قبيل الصّلاة، قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "ينقل الإنجيل الّذي تقدّمه لنا اللّيتورجيا اليوم، في عيد شفيعي روما، الكلمات الّتي وجّهها بطرس ليسوع: "أَنتَ المَسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ". إنّه اعتراف إيمان، لم يقُم به بطرس على أساس فهمه البشريّ، وإنّما لأنّ الله الآب قد أوحى بذلك. بالنّسبة لسمعان الصّيّاد، المعروف بإسم بطرس، كانت هذه بداية مسيرة: في الواقع، وُجِبَ أن يمرّ وقت طويل قبل أن يدخل معنى هذه الكلمات في حياته بالعمق، ويشملها بالكامل. هناك "تدريب" على الإيمان شمل أيضًا الرّسولين بطرس وبولس، يُشبه تدريب كلّ فرد منّا. نحن أيضًا نؤمن أنّ يسوع هو المسيح، ابن الله الحيّ، لكن الأمر يتطلّب وقتًا وصبرًا وكثيرًا من التّواضع لكي تتبع طريقة تفكيرنا وتصرّفنا الإنجيل بشكل كامل.

هذا الأمر اختبره الرّسول بطرس على الفور. بعد أن أعلن إيمانه ليسوع، عندما أعلن أنّه سيتعيّن عليه أن يتألّم وسيُحكم عليه بالموت، رفض هذا المنظور، الّذي اعتبره غير متوافق مع المسيح. وشعر بأنّه مضطرّ لأن يعاتب المعلِّم، الّذي يخاطبه بدوره قائلاً: "إنسحب! ورائي! يا شيطان، فأنت لي حجر عثرة، لأنّ أفكارك ليست أفكار الله، بل أفكار البشر".

لنفكّر في الأمر، ألا يحدث الشّيء نفسه لنا أيضًا؟ نحن نكرّر قانون الإيمان ونقوله بإيمان. ولكن إزاء تجارب الحياة القاسية يبدو أنّ كلّ شيء يتأرجح. لدينا نزعة الاحتجاج مع الرّبّ، لنقول له إنّ هذا ليس عدلاً، وإنّه يجب أن تكون هناك طرق أخرى أكثر وضوحًا وأقلّ إرهاقًا. نحن نعيش تمزّق المؤمن الّذي يؤمن بيسوع ويثق به؛ ولكنّه في الوقت عينه يشعر أنّه من الصّعب أن يتبعه ويغريه البحث عن دروب أخرى غير درب المعلِّم. لقد عاش القدّيس بطرس هذه المأساة الدّاخليّة، وكان بحاجة للوقت والنّضوج. في البداية ارتاع بطرس من فكرة الصّليب، ولكنّه في نهاية حياته شهد للرّبّ بشجاعة، لدرجة أنّه جعلهم يصلبوه- حسب التّقليد- رأسًا على عقب.

لقد مرَّ بولس الرّسول أيضًا بنضج بطيء للإيمان، وعاش لحظات من عدم اليقين والشّكّ. وظهور القائم من الموت على طريق دمشق، والّذي حوَّله من مضطهدٍ إلى مسيحيّ، يجب أن يُنظر إليه على أنّه بداية مسيرة استوعب فيها بولس الرّسول الأزمات والإخفاقات والعذابات المستمرّة لما يسمّيه "شوكة في الجسد". إنّ مسيرة الإيمان ليست نزهة أبدًا، بل هي مُلزمة، وفي بعض الأحيان صعبة: حتّى بولس، بعد أن أصبح مسيحيًّا، كان عليه أن يتعلّم أن يكون كذلك حتّى النّهاية بطريقة تدريجيّة، لاسيّما خلال لحظات المحنة.

في ضوء خبرة الرّسولين القدّيسين بطرس وبولس، يمكن لكلّ فرد منّا أن يسأل نفسه: عندما أعترف بإيماني بيسوع المسيح، ابن الله، هل أفعل ذلك مدركًا أنّه عليَّ أن أتعلّم على الدّوام، أو أفترض أنّني "قد فهمت كلّ شيء؟" كذلك: في الصّعوبات والمحن، هل أشعر بالإحباط، هل أشتكي، أم أتعلّم أن أجعل منها فرصة للنّموّ في الثّقة بالرّبّ؟ في الواقع يكتب بولس إلى تيموتاوس إنَّ الرّبّ ينجّينا من كلّ مسعى خبيث ويخلّصنا فيجعلنا لملكوته السّماويّ. لتعلّمنا العذراء مريم، سلطانة الرّسل، أن نقتدي بهم من خلال التّقدّم يوميًّا على درب الإيمان."

بعد تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ، حيا البابا فرنسيس المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس وقال: "أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أحمل كلَّ يومٍ أوكرانيا العزيزة والمعذّبة في قلبي، والّتي لا تزال تعاني من الاعتداءات البربريّة، مثل تلك الّتي ضربت مركز التّسوّق في كريمينشوك. أُصلّي لكي تنتهي هذه الحرب المجنونة قريبًا، وأجدّد دعوتي للمثابرة، بدون كلَل، في الصّلاة من أجل السّلام: ليفتح الرّبّ مسارات الحوار الّتي لا يريدها البشر أو لا يمكنهم أن يجدوها! ولا نتوانينَّ أبدًا مساعدة الشّعب الأوكرانيّ الّذي يتألّم بشدّة.

في الأيّام الأخيرة، اندلعت عّدة حرائق في روما، بسبب درجات الحرارة المرتفعة، في حين أنّ الجفاف في العديد من الأماكن يمثّل الآن مشكلة خطيرة، ويتسبّب في أضرار جسيمة لنشاطات الإنتاج والبيئة. آمل أن يتمّ تنفيذ الإجراءات اللّازمة لمواجهة هذه الحالات الطّارئة والوقاية من حالات الطّوارئ في المستقبل. على هذا كلّه أن يجعلنا نفكّر في حماية الخليقة، الّتي هي مسؤوليّتنا، مسؤوليّة كلّ واحد منّا. إنّها ليست موضة، إنّها مسؤوليّة: مستقبل الأرض هو بين أيدينا ويعتمد على قراراتنا!

يتمُّ اليوم هنا في السّاحة توزيع العدد الأوّل من صحيفة "L’Osservatore di strada"، الإصدار الشّهريّ الجديد لصحيفة الأوسيرفاتوري رومانو. في هذه الصّحيفة، يصبح الأخيرون روّادًا: في الواقع، يشارك الفقراء والمهمّشون في العمل التّحريريّ، والكتابة، ومن خلال مقابلات معهم، تميّز صفحات هذا الصّحيفة، الّتي يتمّ تقديمها مجّانًا. وإذا أراد شخص ما أن يعطي شيئًا ما، فيمكنه أن يعطيه طواعيّة، لكن خذوها بحرّيّة لأنّه عمل جيّد يأتي من القاعدة، من الفقراء، كتعبير عن المهمّشين.

في عيد الرّسولين القدّيسين بطرس وبولس، شفيعي روما الرّئيسيّين، أعبّر عن أطيب تمنّياتي لسكّان روما ولجميع المقيمين في هذه المدينة، آملاً أن يجد الجميع فيها استقبالاً كريمًا يليق بجمالها. روما جميلة! كذلك أجدّد امتناني لوفد بطريركيّة القسطنطينيّة المسكونيّة الّذي أرسله البطريرك برتلماوس الأخ العزيز وأرسل له تحيّة ودّيّة وأخويّة. أتمنّى للجميع عيدًا مباركًا. ومن فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي."