هذا ما سيحصل في الأيّام الآتية!
"الأسبوع المقدّس هو خاتمة حياة يسوع على الأرض. وها هو يسير نحو الموت ليرتقي عرش الصّليب.
ولكي يتمّ ذلك، يصعد يسوع إلى القدس ولكنّه لا يدخلها كالمرّات السّابقة، مثل الحجّاج الآخرين.
يسوع يدخل القدس وهو على يقين كامل أنّه حان الوقت كي يكشف للجميع هويّته الملكيّة والمشيحانيّة: إنّه يدخل إلى المدينة المقدّسة كملك ومسيح منتظر.
في مواضع أخرى، تروي الأناجيل أنّ الجموع أرادت أن تجعل من يسوع ملكًا عليها (يوحنّا ٦: ١٥)، ولكنّه قاوم رغبتها. هذه المرّة، يحدث العكس: يسوع لا يبتعد عن الجموع فحسب، بل يهيّئ الأحداث لكي يتحقّق دخوله الملكيّ.
يدرك يسوع تمامًا أنّ آلامه ستبدأ بعد أيّام قليلة، والآن فقط يستطيع التّأكّد أنّ ما يقوم به لن يُساء فهمه.
يسوع يدخل كملك، ليس من أجل أن يحكم أو يفرض إرادته أو ليُسقط السّلطة الحاكمة أو ليوجِد إدارة سياسيّة جديدة، ولكن ليقول إنّ الانتظار المسيحانيّ الكبير لإسرائيل قد تمّ، وأنّ العهد الجديد بين الله وشعبه قد تحقّق في الحال وللأبد.
نلاحظ بداية أنّ يسوع لا يدخل مشيًا على الأقدام.
لا يتسنّى للحجّاج الدّخول إلى المدينة إلّا مشيًا على الأقدام، ذلك لأنّ شرف الدّخول على دابّة يُعزى للملك وحده.
إن يسوع الملك اختار دابة متواضعة: ليس حصانًا، رمز القوّة والسّلطة، بل أتانًا وجحشًا (متى ٢١: ٢)، وهما اشارة جليّة ورمزيّة إلى عدّة أحداث ملكيّة ومشيحانيّة جرت في العهد القديم.
كان يحقّ للملوك ولجميع من معهم، في حال سفرهم، الحصول على كلّ ما يحتاجونه وبكلّ الطّرق. لكن يسوع لا يأخذ ولا يسرق شيئًا، إنّما يستعير بكلّ بساطة (متّى ٢١: ٣)، كأيّ إنسان محتاج. كما ويؤكّد أنّه سيعيد ما أخذه عند انتهاء الحاجة.
يبدو أنّ سكّان القدس والحجّاج المتواجدين في المدينة المقدّسة قد فهموا هذا الحدث، لدرجة أنّ المدينة كلّها ضجّت بدخول يسوع (متّى ٢١: ١٠): إنّ أمرًا عظيمًا على وشك أن يحدث فعلاً!
إنّ جميع الأفعال الّتي سينجزها يسوع خلال الأيّام الأخيرة هي أفعال ملك حقيقيّ.
ماذا يُنتظر من مجيء الملك المسيحانيّ؟
في الأساس، كانت النّاس تتوقّع من الملك المسيحانيّ أن يجلس على العرش وأن يحكم الشّعوب وأن يعطي الحياة ويجلب السّلام وينتصر على العدوّ. ومن المتوقّع أن تُقام مأدبة لجميع النّاس. لقد أشعلت النّبوءات المشيحانيّة هذا الأمل في قلوب شعب العهد القديم.
في الحقيقة يحقّق يسوع كلّ ذلك تمامًا.
إنّ الملك المسيحانيّ الّذي يدخل القدس اليوم سيُدين كلّ الشّعوب، وهو جالس على عرش الصّليب.
ومن هذا العرش سيتعرّف على من يستحقّ محبّته وخلاصه، إذ أنّ الرّفض وعدم الفهم لا يكفيان لكي يتراجع عن حكمه: إنّه حكم بدون استئناف.
وفي حكمه هذا، تكون قيمة حياة الإنسان أكبر من قيمته، حيث سيهتمّ بمصير كل إنسان أكثر من مصيره.
لن يكون ملكًا متنفّذاً، ولن يكون بحاجة إلى فرض سلطته بالقوّة.
سينحني أمام الجميع، على غرار الخادم أمام سيّده، لأنّه يريدنا أن ندرك أنّ الخادم هو ملك أيضًا.
سيجلب السّلام وينتصر على العدوَّيْن الحقيقيَيْن للإنسان وهما الخطيئة والموت. لكنّه لا يقوم بذلك من خلال شنّ الحروب واللّجوء إلى العنف، بل آخذًا على كاهله الشّرّ والرّفض وخطيئة العالم. لا يستطيع أحد البقاء خارج هذا العناق اللّامتناهي.
سينتصر على الموت لا بالهرب منه بل بالتّقدّم نحوه، ملقيًا نفسه في شباكه. وبما أنّه سيقوم بذلك من منطلق المحبّة، فلن يمتلك الموت أيّ سلطان عليه، لأنّ المحبّة أقوى من الموت. ومن هناك سيأتي السّلام، من مصالحة تكون نصيب الجميع، تجعلنا أخوة متساوين، وذلك من دون أيّ استحقاق منّا.
هذا الملك، الّذي يختلف عن غيره من الملوك، لا يدخل إلى مدينته ليسلب حياة شعبه أو يستغلّهم، بل ليبذل نفسه عن الجميع.
أمّا المأدبة المسيحانيّة الّتي انتظرها الجميع فتتحقق بشكل يفوق كلّ الرّغبات الإنسانيّة، حينما يقدّم الرّبُّ نفسه لنتغذّى منه، كمصدر حياة لكلّ واحد منّا.
هذا ما سيحصل في الأيّام الآتية، ولكن الأمر لن يتحقّق إلّا إذا اكتسبنا نظرة جديدة تُمكِّننا من رؤيته.
هل سنرى في الأيّام القادمة، خلف الهزيمة الواضحة للصّليب، أفعال ملك منتصر ومجيد؟ وهل سنتمكّن من رؤية هذه العلامات الملكيّة ذاتها الحاضرة منذ الآن في حياتنا وفي حياة من حولنا؟".