الفاتيكان
11 تشرين الأول 2021, 13:50

هذا ما دعا إليه البابا فرنسيس في كلمته خلال وقفة التّأمّل في افتتاح المسار السّينودسيّ!

تيلي لوميار/ نورسات
في كلمته خلال افتتاح المرحلة الأولى الأبرشيّة من المسار السّينودسيّ للجمعيّة العاديّة السّادسة عشرة لسينودس الأساقفة 2023، حول موضوع "من أجل كنيسة سينودسيّة: شركة، مشاركة ورسالة"، وخلال وقفة تأمّل أقيمت صباح السّبت في قاعة السّينودس في الفاتيكان، دعا البابا فرنسيس الأساقفة المشاركين إلى الوحدة والشّركة والأخوّة، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":

"أريد أوّلاً أن أشكركم على حضوركم هنا في افتتاح السّينودس. لقد أتيتم من دروب وكنائس عديدة وكلٌ منكم يحمل في قلبه أسئلة وآمال وأنا متأكِّد من أنّ الرّوح القدس سيقودنا وسيمنحنا نعمة المضيِّ قدمًا معًا والإصغاء إلى بعضنا البعض والبدء بمسيرة تمييز لزمننا ونتضامن مع جهود ورغبات البشريّة. لنعش هذا السّينودس بروح الصّلاة الّتي وجّهها يسوع إلى الآب من أجل تلاميذه: "ليكونوا بِأَجمَعِهم واحِدًا". هذا ما نحن مدعوّون إليه: إلى الوحدة، والشّركة، والأخوّة الّتي تولد من الشّعور بأنّ محبّة الله الوحيدة تعانقنا جميعًا، بدون تمييز، ولاسيّما نحن الرّعاة، كما كتب القدّيس قبريانوس: "يجب أن نحافظ بحزم على هذه الوحدة وندافع عنها، لاسيّما نحن الأساقفة الّذين نرأس الكنيسة، لكي نقدّم دليلًا على أنّ الأسقفيّة أيضًا هي واحدة وغير منقسمة". وبالتّالي وفي شعب الله الواحد نسير معًا لكي نعيش خبرة كنيسة تنال وتعيش عطيّة الوحدة وتنفتح على صوت الرّوح القدس.

إنّ كلمات السّينودس الأساسيّة هي ثلاث: شركة، مشاركة، ورسالة. الشّركة والرّسالة هما تعبيران لاهوتيّان يرمزان إلى سرّ الكنيسة ومن الجيّد تذكّرهما. لقد أوضح المجمع الفاتيكانيّ الثّاني أنّ الشّركة تعبِّر عن طبيعة الكنيسة ذاتها، وفي الوقت عينه أكّد أنّ الكنيسة قد نالت رسالة إعلان وتأسيس ملكوت المسيح والله في جميع الشّعوب، ويشكّل هذا الملكوت. البذرة والبداية على الأرض. كلمتان تتأمّل فيهما الكنيسة وتتشبّه بحياة الثّالوث الأقدس، سرّ الشّركة في الدّاخل ومصدر الرّسالة إلى الخارج. بعد فترة من التّأمّلات العقائديّة واللّاهوتيّة والرّعويّة الّتي ميّزت قبول الفاتيكان الثّاني، أراد القدّيس بولس السّادس أن يختصر في هاتين الكلمتين- الشّركة والرّسالة- الخطوط الرّئيسيّة الّتي أعلنها المجمع. وفي ذكرى افتتاحه، أكّد أنّ الخطوط العامّة كانت الشّركة، أيّ التّماسك والكمال الدّاخليّ، في النّعمة، في الحقيقة، وفي التّعاون [...] والرّسالة، أيّ الالتزام الرّسوليّ إزاء العالم المعاصر.

في ختام سينودس 1985، بعد عشرين عامًا من اختتام الجمعيّة المجمعيّة، أراد القدّيس يوحنّا بولس الثّاني أيضًا التّأكيد على أنّ طبيعة الكنيسة هي الـ koinoniaومنها تنبثق رسالة كونها علامة للاتّحاد الحميم للعائلة البشريّة مع الله. وأضاف إنّه لمن المناسب أن يتمّ الاحتفال في الكنيسة بسينودسات عاديّة، وعند الضّرورة، بسينودسات استثنائيّة ولكن لكي تكون مثمرة من الضّروريّ أن يتمَّ الإعداد لها، وبالتّالي من الضّروريّ أن يتمَّ العمل في الكنائس المحلّيّة على تحضيرها بمشاركة الجميع. وها هي الكلمة الثّالثة، المشاركة. تواجه الشّركة والرّسالة خطر البقاء مصطلحات مجرّدة إلى حدّ ما، ما لم يتمّ تطوير ممارسة كنسيّة تعبّر عن حقيقة السّينودسيّة في كلّ خطوة من خطوات المسيرة والعمل، وتعزيز مشاركة حقيقيّة للجميع. أودّ أن أقول إنّ الاحتفال بالسّينودس هو أمر جميل ومهمّ على الدّوام، لكنّه يكون مفيدًا حقًّا إذا أصبح تعبيرًا حيًّا عن كوننا كنيسة، وعن عمل يتّسم بالمشاركة الحقيقيّة.

وهذا ليس من أجل متطلّبات الأسلوب، وإنّما لمتطلّبات الإيمان. المشاركة هي أحد مُتطلّبات إيمان المعموديّة. كما يؤكّد القدّيس بولس الرّسول، "فإِنَّنا اعتَمَدْنا جَميعًا في رُوحٍ واحِد لِنَكونَ جَسَدًا واحِدًا". هذه هي نقطة الانطلاق في الجسد الكنسيّ وليس هناك غيرها: المعموديّة. منها، مصدر حياتنا، تأتي الكرامة المتساوية لأبناء الله، حتّى في اختلاف الخدمات والمواهب. لهذا، يُدعى الجميع للمشاركة في حياة الكنيسة ورسالتها. وبالتّالي إذا غابت المشاركة الحقيقيّة لشعب الله بأسره، تواجه الخطابات حول الشّركة خطر أن تبقى مجرّد نوايا تقيَّة. لقد أحرزنا بعض التّقدّم في هذا المجال، ولكن لا يزال هناك بعض الجهد ونحن مجبرون على تسجيل مشقّة ومعاناة العديد من العاملين الرّعويّين، وهيئات المشاركة في الأبرشيّات والرّعايا، والنّساء اللّائي ما زلن غالبًا على الهامش. إنّ مشاركة الجميع هي التزام كنسيّ لا غنى عنه!

إنّ السّينودس، فيما يقدّم لنا فرصة كبيرة لارتداد راعويّ في مفتاح رسوليّ ومسكونيّ أيضًا، لا يُستثنى من بعض المخاطر. أذكر ثلاثة. الأوّل هو الشّكليّة. يمكن تحويل السّينودس إلى مجرّد حدث رائع، مجرّد واجهة، تمامًا كما لو كان المرء ينظر إلى واجهة جميلة لكنيسة ما دون أن يدخل إليها. فيما أنّ السّينودس هو مسيرة تمييز روحيّ فعليّ، لا نقوم بها لكي نُعطي صورة جميلة عن أنفسنا، وإنّما لكي نتعاون بشكل أفضل في عمل الله في التّاريخ. لذلك، إذا تحدّثنا عن كنيسة سينودسيّة، لا يمكننا أن نكتفي بالشّكل وحسب، وإنّما نحتاج أيضًا إلى مادّة وأدوات وهيكليّات تُعزّز الحوار والتّفاعل بين شعب الله، ولاسيّما بين الكهنة والعلمانيّين. وهذا الأمر يتطلّب تغيير بعض وجهات النّظر الهرميّة والمشوّهة والجزئيّة حول الكنيسة، والخدمة الكهنوتيّة، ودور العلمانيّين، والمسؤوليّات الكنسيّة، وأدوار الإدارة، وما إلى ذلك.

الخطر الثّاني هو خطر العقلانيّة: أيّ أن نحوّل السّينودس إلى مجموعة دراسة، مع مداخلات راقية وإنّما مجرّدة حول مشاكل الكنيسة وشرور العالم؛ نوع من "التّحدّث عن أنفسنا"، حيث نتقدّم بطريقة سطحيّة ودنيويّة، وينتهي بنا الأمر بالوقوع مرّة أخرى في التّصنيفات الإيديولوجيّة والحزبيّة العقيمة المعتادة، وننفصل عن واقع شعب الله المقدّس، عن الحياة الملموسة للجماعات المنتشرة في جميع أنحاء العالم. في الختام، قد يكون هناك تجربة الجمود: بما أنّنا قد "قمنا بذلك دائمًا على هذا النّحو"، فمن الأفضل ألّا نغيِّر. إنَّ الّذين يتحرّكون في هذا الأفق، حتّى بدون أن يتنبّهوا لذلك، يرتكبون خطأ عدم أخذ الوقت الّذي نعيش فيه على محمل الجدّ. يكمن الخطر في أن يتمَّ في النّهاية تبنّي حلولاً قديمة لمشاكل جديدة: قِطعَة مِن نَسيجٍ خامّ، تجعل في النّهاية الخَرق أَسوَأ. لهذا السّبب، من المهمّ أن تكون المسيرة السّينودسيّة حقًّا عمليّة في سيرورة مستمرّة، تُشرك، في مراحل مختلفة وابتداءً من الأسفل الكنائس المحلّيّة في عمل شغوف وملموس يطبع أسلوب الشّركة والمشاركة الّذي تتميّز به الرّسالة.

لنعش إذًا هذه الفرصة للّقاء والإصغاء والتّأمّل كزمن نعمة يسمح لنا، بفرح الإنجيل، بأن نغتنم ثلاث فرص على الأقلّ. الأولى هي السّير ليس من حين لآخر وإنّما بشكل منظّم نحو كنيسة سينودسيّة: مكان مفتوح يشعر فيه كلّ فرد بأنّه في بيته ويمكنه أن يشارك. كذلك يمنحنا السّينودس الفرصة لنصبح كنيسة إصغاء: فنتوقّف للحظة عن وتيرتنا اليوميّة ونوقف مخاوفنا الرّاعويّة لكي نتوقّف ونصغي. فنصغي إلى الرّوح في العبادة والصّلاة، ونصغي إلى الإخوة والأخوات حول تطلّعات وأزمات الإيمان في مناطق مختلفة من العالم، والحاجة الملحّة لتجديد الحياة الرّعويّة، والعلامات الّتي تأتي من الوقائع المحلّيّة. ختامًا، لدينا فرصة أن نصبح كنيسة قرب، لا بالكلمات فحسب، وإنّما تُرسِّخ بالحضور، روابط صداقة أكبر مع المجتمع والعالم: كنيسة لا تنفصل عن الحياة، بل تأخذ على عاتقها ضعف وفقر زماننا وتضمِّد الجراح وتداوي القلوب المنكسرة ببلسم الله.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، ليكن هذا السّينودس زمنًا يسكنه الرّوح القدس! لأنّنا بحاجة إلى الرّوح القدس، لنفس الله الجديد على الدّوام، الّذي يحرّرنا من كلّ انغلاق، ويحيي الميت، ويحلَّ القيود، وينشر الفرح. الرّوح القدس هو الّذي يرشدنا إلى حيث يشاء الله وليس إلى حيث يمكن أن تقودنا أفكارنا وأذواقنا الشّخصيّة. لقد كان الأب كونغار يتذكّر: "لا يجب أن نصنع كنيسة أخرى، وإنّما أن نصنع كنيسة مختلفة". من أجل "كنيسة مختلفة"، منفتحة على الحداثة الّتي يريد الله أن يقترحها عليها، لنطلب الرّوح القدس بقوّة ومثابرة، ولنضع أنفسنا بتواضع بالإصغاء له، ولنسر معًا، كما يرغب هو، خالق الشّركة والرّسالة: بطاعة وشجاعة. تعال أيّها الرّوح القدس. أنت الّذي تبعث لغات جديدة وتضع على شفاهنا كلمات الحياة، إحفظنا من أن نصبح كنيسة متحف، جميلة وإنّما صامتة، مع الكثير من الماضي والقليل من المستقبل. تعال بيننا، لكي لا نسمحنَّ خلال الخبرة السّينودسيّة، بأن تخنقنا خيبة الأمل، وأن نخفّف النّبوءة، وينتهي بنا الأمر إلى تحويل كلّ شيء إلى مجرَّد مناقشات عقيمة. تعال يا روح المحبّة، افتح قلوبنا على الإصغاء. تعال يا روح القداسة، جدّد شعب الله القدّوس، تعال أيّها الرّوح الخالق، وجدِّد وجه الأرض."