هذا ما أوصى به بيتسابالا مجموعة جديدة من الكهنة الفرنسيسكان!
وفي هذه العظة قال بيتسابالا نقلاً عن موقع البطريركيّة: "في كلّ عام، تحتفل كنيسة القدس بعيد الرّسولين بطرس وبولس مع إخوة حراسة الأرض المقدّسة وتفرح بطريقة خاصّة بالرّسامة الكهنوتيّة لمجموعة جديدة يخدمون الكنيسة في الرّهبنة الفرنسيسكانيّة.
من خلال القراءات الّتي سمعناها، أودّ أن أشير إلى بعض العناصر الّتي تميّز شخصيّة الرّسولين بطرس وبولس من ناحية، وانعكاسها على حياتنا اليوميّة من ناحية أخرى. إنّها نفس القراءات الّتي نسمعها كلّ عام، والّتي تظلّ دائمًا كنزًا "يخرج من كنزه كلّ جديد وقديم" (متّى 13 :52).
أودّ أن أتوقّف للحظة عند الرّسول بولس والقراءة الثّانية، الّتي عادة ما نغفل عنها.
يتحدّث الرّسول بولس عن حياته بأنّها معركة. غالبًا ما تظهر صورة الإيمان كمعركة في رسائله (1 قورنتوس 14 ، 8 ؛ 2 قورنتوس 10 ، 3 ؛ أفسس 6 ، 12 ؛ 1 تيم 1 ، 18 ؛ 6 ، 12 ؛ 2 تيم 4. ، 7). ومن أشهر ما قيل: "جاهد في الإيمان جهادًا حسنًا" في 1 تيم 6: 12. بالنّسبة لنا اليوم، في ثقافتنا الّتي تتوق إلى السّلام في قلبها، تبدو هذه صورة غير مناسبة، على الرّغم من أنّني يجب أن أقول إنّه هنا في الأرض المقدّسة، هذه الصّورة تتناسب تمامًا مع سياقاتنا العنيفة للغاية. ومع ذلك، فإنّنا عادة نربط الإيمان بصور "الرّحلة واللّقاء والخبرة والعلاقة والاختيار وما إلى ذلك". من ناحية أخرى، اعتبار مسيرة الإيمان كجهاد أمر غريب، كما أنّ الرّسول بولس يضيف صفة إلى الجهاد "حسنًا".
في مكان آخر، يوضح الرّسول أنّ الأمر لا يتعلّق بمعركة جسديّة، أيّ مواجهة شخص ما، أو فرض نفسه على الآخرين بالقتال، بل معركة "مع أصحاب الرّئاسة والسّلطان وولاة هذا العالم، عالم الظّلمات، والأرواح الخبيثة في السّموات" (أف 6: 12). ويضيف في فقرة أخرى: "ولكنّنا لا نجاهد جهادًا بشريًّا" (2 قورنتوس 10 ، 3). بإختصار، يقول القدّيس بولس إنّ الإيمان، الّذي هو بالتّأكيد علاقة ولقاء شخصيّ مع المسيح، ولكنّه خيار يغيّر حياتنا، ويجب أن يتحمّل الرّفض والمقاومة وسوء الفهم. يجب أن يواجه الخيانات والخطيئة وظلال الموت الّتي بداخلنا أو من الخارج، والّتي تتطلّب منّا أن نكون دائمًا مستعدّين ويقظين مثل الحرّاس، وأن نكون في حالة تأهّب حتّى لا نسمح للعدوّ بالمرور، من دون أن نفقد عزيمتنا أو نتهاون على الإطلاق. بإختصار، مع هذه الصّورة، يذكّرنا الرّسول أنّنا يجب ألّا نكون تحت أيّ أوهام، فالحياة المسيحيّة مسيرة ودودة وهادئة دائمًا، ولكنّها تتطلّب في نفس الوقت الحزم والوضوح مع الذّات، ومن الشّهادة للآخرين. يخبرنا الشّهداء المسيحيّون الأوائل، بالإضافة إلى الشّهادات المعاصرة للاستشهاد، أنّ الإيمان اليوم لا يزال "جهادًا حسنًا" جهادًا (راجع لوقا 22 ، 44) ، حيث يُدعى كلّ واحد للدّفاع والحفاظ على علاقته بالله، بإخلاص وثبات وبالحبّ ألّا مشروط والواضح.
لم يُطلب منكم، أيّها المتقدّمون للرّسامة الكهنوتيّة، أن تؤدّوا الشّهادة، ولكن يبدو لي أنّها رسالة مهمّة لكم في مسيرتكم الجديدة.
في حياتكم الإيمانيّة، أوّلاً وقبل كلّ شيء، ثمّ في حياتكم الكهنوتيّة، ستُدعون لتكونوا إخوة ورفاق سفر وأصدقاء وآباء ومعلّمين. لكن عليكم أيضًا أن تكونوا جنودًا يدافعون عن الإيمان ويحافظون عليه بعناية: في حياتكم الشّخصيّة بالصّلاة والدّراسة، في حياة الكنيسة بالوعظ والتّعليم، وأخيرًا في علاقتكم بالعالم الّذي سيواجهكم ويتحدّاكم.
ستخدمون في مجالات مختلفة في حياتكم الكهنوتيّة، افرحوا مع الفرحين، وعزّوا الحزانى، وشدّدوا الضّعفاء، وشجّعوا المحبطين، وساندوا الضّعفاء... ستدعون لحياة طبيعيّة عيشوا فيها ملء كهنوتكم الّتي وهبتموها للكنيسة. لكن عليكم أيضًا الاستعداد كجنود في المعركة للدّفاع عن أنفسكم ضدّ إغراءات الوقت الحاضر، والّتي تريد بأشكال وطرق مختلفة، اليوم كما كان سابقًا، أن تجعل الإيمان المسيحيّ بلا فائدة، بلا نفع، مستفزّة، غير قابلة للإشباع، غصّة في القلب، لا يقبلنا فاترين، بلا طعم أو صلة.
إنّه ليس شيئًا يفوق قوّتكم. يضيف القدّيس بولس في نفس المقطع: "لكن الرّبّ كان معي وقوّاني لتعلن البشارة عن يدي على أحسن وجه ويسمعها جميع الوثنيّين" (2 تي 4: 17). الرّبّ سيكون قريبًا منكم ويدعمكم، توكّلوا عليه في الحياة والموت، ويتحقّق ذلك بوحدتكم مع سائر إخوتكم الرّهبان، ومع الكنيسة، ومع العديد من الإخوة والأخوات الّذين ستقابلوهم في خدمتكم الكهنوتيّة.
أمّا الإنجيل المقدّس الّذي سمعناه، فيحملنا في التّفكير نحو الأمام.
يسأل يسوع السّؤال الأساسيّ، وهو أصل إيماننا ودعوتنا: "من أنا في قولكم أنتم؟" (متّى 16 ، 13.15): إنّه السّؤال المركزيّ الّذي تبنى عليه الحياة المسيحيّة.
هذا السّؤال ليس بجديد: لقد كُتب الإنجيل بأكمله للإجابة على هذا السّؤال. عند تهدئة العاصفة (مت 8 ، 27)، سجن يوحنّا المعمدان (مت 11 ، 3)، وسيعود السّؤال مجدّدًا في إنجيل متّى (21 ، 10) عند دخول يسوع إلى القدس "ضجّت المدينة كلّها وسألت: "من هذا؟".
في قيصريّة، طرح يسوع السّؤال مباشرة على تلاميذه. وهذا هو الفرق بين هذا النّصّ وغيره. والشّيء نفسه يحدث لكم اليوم. لن تكونوا قادرين على إعلان الإيمان وحمايته والدّفاع عنه إذا لم تسألوا أنفسكم، يومًا تلو الآخر، نفس السّؤال: "من هو يسوع بالنّسبة لي؟" لا بدّ أن تعتنوا بغيرة متّقدة بعلاقتكم الشّخصيّة مع يسوع. حياتكم كلّها ككهنة ستدور حول الإجابة على هذا السّؤال. لن يكون جوابكم نفسه دائمًا، ولكي يكون جوابكم حقيقيًّا وحيويًّا عليكم أن تواجهوا الحياة الواقعيّة واليوميّة، وأن تتصالحوا مع إخفاقاتكم الصّغيرة والكبيرة، وحياة الوحدة، وسوء الفهم، ولكن أيضًا ستجدون العديد من الأفراح والعزاء أيضًا. هذا ما يكشفه الرّسول بولس في القراءة الثّانية. على الرّغم من هجره من قبل الجميع وقريبًا من الموت في السّجن، إلّا أنّه كان يشعر بقوّة الرّبّ معه، وأنّ الرّبّ مخلّصه. أنتم أيضًا في كلّ مرّة، وفي كلّ يوم، في أيّ ظرف تجدون أنفسكم، اسألوا أنفسكم: "من هو يسوع بالنّسبة لي؟" حافظوا على هذه العلاقة الّتي تعطي معنى لخدمتكم الكهنوتيّة. لن يصغي النّاس إلى عظاتكم عن يسوع إن لم يجدوا ويكتشفوا من خلال شهادة حياتكم الإجابة الحقيقيّة على هذا السّؤال المركزيّ.
وإن عرفتم كيف تحافظون في قلوبكم على محبّة المسيح المنتصرة (انظر 2 قو 5:14) ستُمنحون القوّة والشّجاعة في حياتكم الكهنوتيّة، لتدافعوا عن الإيمان بجهاد حسن في "المعركة المظفّرة". لأنّ الإيمان المُعاش يصبح دائمًا شهادة حقيقيّة أيضًا. كلاهما يكمّلان بعضهما.
تشجّعوا، الكنيسة بحاجة إلى مجاهدين صالحين من أجل الإيمان، جنود يعرفون كيف يقاتلون ضدّ أعمال الظّلام مرتدين سلاح النّور (رومة 13 ، 12) والعدالة (2 قور 6 ، 7) وبمحبّة حازمة يقومون برعاية الإخوة والأخوات في الخدمة الموكلة إليهم.
أنا متأكّد من أنّ الكنيسة لديها اليوم أربعة "مقاتلين مسالمين" للإيمان، أوصياء ومدافعين عن الحبّ الّذي افتدى العالم وغلبه والّذي يعطي السّلام الحقيقيّ لمن يتبعونه."