هذا ما أوصى به البابا خدّام المذبح الفرنسيّين!
هذه الكلمات وجّهها البابا لاون الرّابع عشر إلى خدّام المذبح القادمين من جميع أنحاء فرنسا إلى الفاتيكان للمشاركة في الحجّ الوطنيّ، مشجّعًا إيّاههم على تنمية الدّعوة إلى الكهنوت، وذلك في سياق خطاب توّجه به إليهم، مقدّمًا في سطوره مجموعة من الإرشادات والتّوصيات، فقال تفصيلًا بحسب "فاتيكان نيوز":
استقبل قداسة البابا لاوُن الرابع عشر صباح اليوم الاثنين في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في الحجّ الوطني لخدّام المذبح القادمين من جميع أنحاء فرنسا وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحَّب بها بضيوفه وقال
"أرحّب بكم في روما، ويسعدني جدًّا أن ألتقي بكم، مع جميع مرافقيكم من علمانيّين وكهنة وأساقفة وأوجّه لهم تحيّة حارّة. تعلمون أنّ هذه السّنة هي سنة مميّزة: إنّها "سنة مقدّسة"– لا يُحتفل بها إلّا كلَّ ٢٥ عامًا– يمنحنا فيها الرّبّ يسوع فرصة استثنائيّة. بالمجيء إلى روما وعبور الباب المقدّس، يساعدنا الرّبّ على "الارتداد"، أيّ أن نعود إليه، وأن ننمو في الإيمان وفي محبّته، لكي نصبح تلاميذًا أفضل، وتكون حياتنا جميلة وصالحة تحت نظره، في ضوء الحياة الأبديّة. إنّها إذًا عطيّة عظيمة من السّماء أن تكونوا هنا هذا العام! أدعوكم إلى اغتنامها بالعيش بعمق للنّشاطات المعروضة عليكم، وبالأخصّ بأخذ الوقت للتّكلّم مع يسوع في سرّ القلب، ولكي تحبّوه أكثر فأكثر. فهو لا يرغب سوى في أن يكون جزءًا من حياتكم لكي يضيئها من الدّاخل، ويصبح صديقكم الأقرب والأوفى. إنَّ الحياة تصبح جميلة وسعيدة مع يسوع، لكنّه ينتظر جوابكم. هو يقرع الباب وينتظر لكي يدخل: "هاءَنَذَا واقِفٌ على البابِ أَقرَعُه، فإِن سَمِعَ أَحَدٌ صَوتي وفَتَحَ الباب، دَخَلتُ إِلَيه وتَعَشَّيتُ معه وتَعَشَّى معي". أن نكون "قريبين" من يسوع، ابن الله، وأن ندخل في صداقته: يا له من مصير غير متوقَّع! يا لها من سعادة! يا لها من تعزية! ويا له من رجاء للمستقبل!
إنَّ الرّجاء هو بالتّحديد موضوع هذه السّنة المقدّسة. فربّما تشعرون كم نحن بحاجة ماسّة إلى الرّجاء. تسمعون بالتّأكيد أنّ العالم ليس بخير، وأنّه يواجه تحدّيات خطيرة ومقلقة. وقد يلمسكم ربّما أنتم أيضًا، أو الّذين هم من حولكم، الألم أو المرض أو الإعاقة أو الفشل أو فقدان شخص عزيز. وأمام التّجربة، قد يملأ الحزن والقلق قلبكم. فمن سيأتي لمعونتنا؟ من سيرحمنا؟ من سيخلّصنا؟... ليس فقط من آلامنا ومحدوديّتنا وخطايانا، بل أيضًا من الموت نفسه؟ إنَّ الجواب واضح تمامًا ويتردّد في التّاريخ منذ ألفي عام: يسوع وحده يأتي ليخلّصنا، ولا أحد غيره، لأنّه وحده يملك القدرة– لأنّه الله الكلّيّ القدرة بذاته– ولأنّه يحبّنا. وقد أعلن القدّيس بطرس ذلك بجرأة: "لا خَلاصَ بأَحَدٍ غَيرِه، لأَنَّه ما مِنِ اسمٍ آخَرَ تَحتَ السَّماءِ أُطلِقَ على أَحَدِ النَّاسِ نَنالُ بِه الخَلاص". لا تنسوا أبدًا هذه الكلمة، أيّها الأصدقاء الأعزّاء، واحفظوها في قلوبكم، وضعوا يسوع في محور حياتكم. أتمنّى أن تعودوا من روما أكثر قربًا منه، وأكثر عزمًا على محبّته واتّباعه، وبذلك تكونون مسلَّحين أكثر بالرّجاء لمتابعة مسيرة الحياة أمامكم. هذا الرّجاء سيكون دائمًا في الأوقات الصّعبة من شكّ أو إحباط أو عاصفة، كمرساة ثابتة ملقاة نحو السّماء، تساعدكم على الاستمرار في الطّريق.
وهناك دليل أكيد على أنّ يسوع يحبّنا ويخلّصنا: لقد بذل حياته من أجلنا بتقديمها على الصّليب. في الواقع لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه. وهذا هو أعجب ما في إيماننا الكاثوليكيّ، أمر لم يكن أحد ليتخيّله أو يرجوه: الله، خالق السّماء والأرض، شاء أن يتألّم ويموت من أجلنا، نحن مخلوقاته. لقد أحبّنا الله حتّى الموت! ولكي يحقّق ذلك، نزل من السّماء، واتّضع حتّى صار إنسانًا، ووهب نفسه على الصّليب ذبيحة، في الحدث الأهمّ في تاريخ العالم. فممّ نخاف من إله أحبّنا بهذا القدر؟ وماذا كنّا نستطيع أن نرجو أكثر من هذا؟ وما الّذي ننتظره لكي نحبّه بدورنا كما يستحق؟ إنَّ يسوع قد قام بالمجد، وهو حيّ الآن بجوار الآب، يعتني بنا ويمنحنا حياته الأبديّة. والكنيسة، من جيل إلى جيل، تحفظ بعناية ذكرى موت الرّبّ وقيامته، كأثمن كنز لها. تحفظه وتنقله عبر الاحتفال بالإفخارستيّا الّتي لكم فرح وشرف أن تخدموها. الإفخارستيّا هي كنز الكنيسة، كنز الكنوز. ومنذ يومها الأوّل، وعلى مرّ القرون، والكنيسة تحتفل بالقدّاس، أحدًا بعد أحد، لكي تتذكّر ما فعله الرّبّ من أجلها. وعلى يدي الكاهن وكلماته: "هذا هو جسدي، هذا هو دمي"، يهب يسوع حياته من جديد على المذبح، ويسفك دمه لأجلنا اليوم. يا خدّام المذبح الأحبّاء، إنّ الاحتفال بالقدّاس يخلّصنا اليوم! هو يخلّص العالم اليوم! إنّه الحدث الأهمّ في حياة المسيحيّ وحياة الكنيسة، لأنّه الموعد الّذي يعطي فيه الله نفسه لنا بالمحبّة، مرّة بعد مرّة. فالمسيحيّ لا يذهب إلى القدّاس بدافع الواجب، بل لأنّه في حاجة ماسّة إليه! بحاجة إلى حياة الله الّتي تُمنح بسخاء وبدون رجعة!
أيّها الأصدقاء الأعزّاء، أشكركم على التزامكم: إنّها خدمة عظيمة وسخيّة تقدّمونها لرعيّتكم، وأشجّعكم على المثابرة بأمانة. وعندما تقتربون من المذبح، ليكن في ذهنكم دائمًا عظمة وقداسة ما يُحتفل به. القدّاس هو وقفة فرح واحتفال. وكيف لا يمتلئ القلب بالفرح في حضرة يسوع؟ ولكنّه، في الوقت عينه، لحظة جدّيّة، مهيبة، ملؤها الوقار. فلتكن سلوكيّاتكم، وصمتكم، وكرامة خدمتكم، والجمال اللّيتورجيّ، والنّظام وجلال الحركات، وسيلةً لإدخال المؤمنين في عظمة السّرّ المقدّس. وأتمنّى أيضًا أن تكونوا متنبّهين إلى الدّعوة الّتي قد يوجّهها يسوع لبعضكم لاتّباعه عن قرب في الكهنوت. أخاطب ضمائركم كشباب متحمّسين وأسخياء، وأقول لكم شيئًا لا بدّ أن تسمعوه، حتّى لو أقلقكم قليلًا: إنّ قلّة الكهنة في فرنسا والعالم هي مأساة كبيرة! ومأساة للكنيسة! ليتكم، شيئًا فشيئًا، أحدًا بعد أحد، تكتشفون جمال وسعادة وضرورة هذه الدّعوة. ما أروع حياة الكاهن الّذي، في قلب كلّ يوم من أيّامه، يلتقي بيسوع بطريقة فريدة جدًّا ويقدّمه للعالم!
يا خدّام المذبح الأحبّاء، أشكركم مجدّدًا على زيارتكم. إنّ عددكم والإيمان الّذي يسكن فيكم هما تعزية عظيمة وعلامة رجاء. واصلوا بشجاعة، واشهدوا من حولكم على الفخر والفرح اللّذين تمنحهما لكم خدمة القدّاس. أمنحكم من كلّ قلبي، أنتم ومرافقيكم وكهنتكم وعائلاتكم، فيض البركة الرّسوليّة."