صحّة
19 آب 2016, 06:15

نقص المناعة المكتسبة في جمهورية إفريقيا الوسطى: "إذا توفّرت الرعاية فسوف يأتي الناس للحصول عليها"

بعد أقلّ من ثلاثة أشهر على بدء مشروعٍ جديد يوفّر العلاج لمصابي المراحل المتقدّمة من نقص المناعة المكتسبة/الإيدز بدعمٍ من المستشفى المحليّ في بانغوي (جمهورية إفريقيا الوسطى)، تقوم منظمة أطباء بلا حدود بتوسيع أنشطتها استجابةً للطلب الكبير على العلاج. وفيما يلي شهادة الدكتورة كريستين بيمانشا مبومبو، مسؤولة الإحالة الطبية في منظمة أطباء بلا حدود:

 

لقد اختبرت الكثير من الأوضاع الصعبة على امتداد فترة عملي مع منظمة أطباء بلا حدود، ولكنّ هذا لم يمنعني من الإصابة بالصدمة عندما بدأت العمل في مشروع نقص المناعة المكتسبة/الإيدز في بانغوي، فمن غير المعقول أنّ الناس ما زالوا يموتون بسبب الإيدز حتّى يومنا هذا!

لا يحصل سوى 18 بالمئة من مصابي نقص المناعة المكتسبة في جمهورية إفريقيا الوسطى على مضادات الفيروسات القهقرية، ويمكننا رؤية النتائج التي تترتّب على هذا الوضع. كما نرى جيداً عواقب استمرار النزاع على الأشخاص الذين ينقطع نظامهم العلاجي أو يعجزون عن متابعته.

تدعم المنظمة جناح الطبّ الداخلي والمختبر في المستشفى العام الكبير، حيث كان 40 بالمئة من مجمل المرضى الذي تمّ إدخالهم مصابون بنقص المناعة المكتسبة، وكان الإيدز سبب 20 بالمئة من الوفيات على الرغم من تمتّع البلاد بمعدل انتشار منخفض لفيروس نقص المناعة المكتسبة.1 فمعظم المرضى الذين نعالجهم قد بلغوا المرحلة الثالثة أو الرابعة من المرض، وهم مصابون بالتهاباتٍ انتهازية خطيرة لا يصاب بها من يأخذون مضادات الفيروسات القهقرية إلا نادراً، كمرضى السلّ، والتهاب السحايا بالمستخفيات، وورم كابوسي اللحمي.

ورغم معرفتنا بوجود احتياجاتٍ أخرى في مجال علاج الإيدز، ولكننا لم نتوقّع حدوث طلبٍ كبير على خدماتنا. وعندما افتتحنا هذا المشروع بالتعاون مع المستشفى المحلي، كانت سعته 16 سريراً، وكنّا مجهزين لرعاية 55 مريضاً في الشهر. ولكنّنا نستقبل اليوم أكثر من 100 مريض شهرياً، وهو ما يفوق طاقتنا بشكل كبير. ونتيجة لذلك لا يستطيع المرضى البقاء أكثر من 4 أو 5 أيام في المستشفى لإفساح المجال أمام المرضى الآخرين حتّى لو كانوا في مرحلة شديدة من المرض ويحتاجون للاستشفاء لمدّة أسبوعين على الأقلّ. لذلك نقوم بزيادة سعة المشروع إلى 40 سريراً، من ضمنها 10 أسرّة في وحدة الرعاية المركّزة.

كما أنّ نصف مرضانا لا يعرفون أنهم مصابون بالفيروس، فوصمة العار المرتبطة بالمرض شديدةٌ إلى درجة أنّ المصابين الذي يُكشف عن مرضهم يُعاملون كأنّهم طفيليات في المجتمع، وهم منبوذون من قبل الجميع. لذلك من الصعب علينا إخبار مرضانا عن إصابتهم بفيروس نقص المناعة المكتسبة. ويمكنني القول أنّ نسبةً تتراوح من 5 إلى 10 بالمئة من المرضى الذين قمنا بتشخيص إصابتهم مؤخراً ينكرون تماماً ما نقوله لهم، وبالأخصّ الأكثر تعليماً بينهم. وهكذا يقبل بعض المرضى علاج الالتهابات الانتهازية، ولكنهم يرفضون أخذ مضادات الفيروسات القهقرية التي ستحافظ على استقرار فيروس نقص المناعة المكتسبة في أجسامهم، وتقيهم من اشتداد المرض. وقد بلغ معدّل إعادة إدخال المرضى إلى المستشفى الشهر الفائت 5 بالمئة.

كنت أعمل في تيتي في موزمبيق قبل عملي في مشروع بانغوي، حيث تدعم منظمة أطباء بلا حدود علاج مصابي نقص المناعة المكتسبة في المجتمعات المحلية. وكما هو الوضع في كافة بلدان إفريقيا الغربية والجنوبية التي ينتشر فيها الفيروس بشكلٍ واسع، يمكن للمرضى أن يشرحوا بشكلٍ دقيق كيف يتفاعل نظامهم المناعي مع الفيروس، وهم يطلبون قياس الحمل الفيروسي. ولكنّ الوضع في بانغوي مختلفٌ بالكامل، وكنت أتساءل عندما وصلت: "ما الذي يحدث هنا؟ ألا يحصل هؤلاء الناس على الحدّ الأدنى من المعلومات عبر الإعلام، أو المجتمع المحلي؟"، ولكنّ الواقع كان أنّهم لا يعرفون شيئاً.

عملي هنا صعبٌ للغاية، ولكن لا غنى عن هذا المشروع، فلا يوجد مكانٌ آخر في بانغوي للحصول على الرعاية الاستشفائية المجانية للمصابين في المراحل الأخيرة من الإيدز، لأنّ هذا الوباء مهملٌ إلى درجة غياب منهجٍ واضح لعلاج الالتهابات الانتهازية، كما أنّ الحصول على الأدوية صعبٌ للغاية. وعلى عكس موزمبيق التي يستطيع الممرضون فيها بدء علاج المرضى بمضادات الفيروسات القهقرية، فإنّ قلّةً من الأطباء في البلاد قادرون على فعل ذلك.

يعاني معظم سكان جمهورية إفريقيا الوسطى من الحرمان من الرعاية الصحية، ولكنّ الوضع أشدّ صعوبةً بالنسبة لمصابي نقص المناعة المكتسبة الذين يحتاجون إلى علاجٍ يوميّ مستمرّ مدى الحياة. فالذين أجبرهم العنف على النزوح لا يعرفون كيف يستطيعون استئناف العلاج، وفي حال توفرّت مراكز العلاج فهي مكلفة ٌوالطريق إليها محفوفةٌ بالمخاطر، لذلك ليس من السهل السفر إليها لإحضار الدواء بشكلٍ منتظم.

لا أريد القول أنّ مشروعنا هو مجرد نقطة في بحرٍ هائل من الاحتياجات، فنحن نعالج قرابة 100 مريضٍ شهرياً، ولم يكن أيّ مريض يتلقّى العلاج قبل ذلك. ولكنني لا أستطيع منع نفسي من التساؤل: ما هو مصير المرضى الذين لم نستطع الوصول إليهم؟"