لبنان
02 آب 2023, 14:00

نفّاع في ذكرى مولد البطريرك الدّويهيّ: لتكن هذه المناسبة فرصة للاتّحاد والوحدة

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس النّائب البطريركيّ على نيابة إهدن- زغرتا المطران جوزيف نفّاع قدّاسًا احتفاليًّا في ذكرى مولد البطريرك المكرّم إسطفان الدّويهيّ، بدعوة من المغترب إبراهيم الدّويهيّ وعقيلته ماريات القسّ حنّا، عاونه فيه الخورأسقف إسطفان فرنجية، النّائب العامّ على أبرشيّة طرابلس المارونيّة المونسنيور أنطوان مخايل ممثّلاً المطران يوسف سويف ولفيف من الكهنة، بمشاركة عدد من الفعاليّات.

بعد الإنجيل ألقى المطران نفّاع عظة قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "نلتقي اليوم في ذكرى مولد المكرّم البطريرك إسطفان الدّويهيّ الإهدنيّ وقد أصبحنا على قاب قوسين من إعلانه طوباويًّا من قبل قداسة البابا فرنسيس، بعد انتهاء أعمال اللّجنة اللّاهوتيّة في إثبات نسب الشّفاء الّذي وافقت عليه لجنة الأطبّاء في مجمع القدّيسين في الكرسيّ الرّسوليّ إلى المكرّم البطريرك إسطفان. نجتمع في هذه الكنيسة الّتي بناها الأباء والأجداد والّتي وصفها المثلّث الرّحمة المطران والمؤرّخ يوسف الدّبس قائلاً (إنّ كنيسة القدّيس جرجس في إهدن من أجمل الكنائس في لبنان وأفسحها)، وها هي اليوم تزداد جمالاً ورونقًا بعدما قامت رعيّة إهدن- زغرتا بتخصيص مذبح خاصّ وتمثال للمكرّم البطريرك إسطفان الدّويهيّ في هذه الكاتدرائيّة.

تبرّع بتكاليفهم المغترب الإهدنيّ إبراهيم الدّويهيّ وزوجته ماريات القسّ حنّا، على أمل أن يحتضن ذخائره بعد أن تنتهي أعمال البحث الّتي يقودها إبن إهدن الدّكتور بيار الزلوعا المتخصّص بالطّبّ الوراثيّ، وقد تبرّع بكلفة البحث ابن إهدن أيضًا المغترب ميشال باخوس الدّويهيّ مشكورين جميعًا على تعاونهم وكرمهم من تحقيق هذا العمل الكبير. هل الصّدف الّتي تقود حياتنا أم هي العناية الإلهيّة الّتي تقود خطانا في عالم نحن منه ولسنا منه كما قال لنا الرّبّ يسوع: إن كنتم من العالم لكان العالم يحبّ خاصّته. لكن لأنّكم لستم من العالم، بل أنا اخترتكم من العالم، لذلك يبغضكم العالم. (يوحنّا ١٥: ١٩)."

أضاف: "لقد عاش المكرّم البطريرك إسطفان حياته في هذا العالم: ولد في إهدن ومنها سافر إلى روما للدّراسة، فبرع لجدّيّته وقوّة اتّكاله على العناية الإلهيّة وعلى مريم الّتي أعادت له البصر في تدخّل مفصليّ في حياته ودعوته، ومنها عاد إلى لبنان، إلى إهدن وراح يعلّم الأطفال الصّغار لمدّة 5 سنوات في كنيسة دير مار يعقوب بعد سيامته كاهنًا في دير مار سركيس وباخوس في إهدن، وبعدها انطلق في خدمة الكنيسة المارونيّة في كلّ مكان، الّذي تسلّم رعايتها كبطريرك الـ57 سنة 1670 حتّى سنة 1704، تاريخ انتقاله إلى العالم الّذي تاق إليه. وفي خدمته الكهنوتيّة والأسقفيّة والبطريركيّة، لم يتعب المكرّم إسطفان من إلقاء كلمة الله وتوزيع الأسرار والعناية باللّيتورجيا وتجديدها وتنقيتها ومن كتابة تاريخ الأزمنة الغابرة والأحداث الّتي عاشها، ومن كتابة اللّاهوت وتدريسه لطلّاب الكهنوت، الّذي كان يعتني بهم عناية الأب الصّالح والمحبّ.

لم يتعب من تدبير الكنيسة في أصعب الظّروف، فرعاها رعاية الرّاعي الصّالح والمدبّر الحكيم، متّكلاً على عناية الله وشفاعة مريم (ستّ النّسا) كما كان يحلو له تسميتها. وفي كلّ ذلك، كان يدرك أنّه كمعلّمه وإلهه ليس من هذا العالم، وكانت أنظاره إلى الأبديّة الّتي وصفها في كتابه (منارة الأقداس) في أجمل الكلمات، ووصف فرح أبناء الملكوت قائلاً: يا لغبطة سكّانها من أصناف الملائكة والآباء والأنبياء، والرّسل والشّهداء والمعترفين والعذارى، مع جوقة الأطهار الّذين لا يحصى عددهم، وفوق كلّهم والدة الخلاص، وابنها الّذي اشتراهم بدمه الكريم، ويصلّي قائلاً: نسأل ربّنا ومتولّي خلاصنا، الّذي نزل إلى الأرض ليصعدنا معه إلى السّماء، أن يهدينا بمرضاته، ويقطع عنّا شهوات هذا العالم الزّائل الّتي تجذبنا إليه، ويثبّت عقولنا في أمانته، وقلوبنا في محبّته، وأفكارنا في الرّجاء به وحده، لنتّحد معه في هذه الحياة بسرّ جسده، وفي الآخرة بمشاهدة لاهوته".

وأعلن أنّه من "تلك الحياة، يطلّ البطريرك الدّويهيّ الكبير على بني قومه، على أبناء عدنه، على أبناء كنيسته المارونيّة ليجدّد دعوته لهم لكي يكونوا مجتهدين في حفظ وحدة الرّوح برباط السّلام، مستشهدًا بكلام الرّسول بولس: (إنّكم جسد واحد، وروح واحد، كما دعيتم إلى رجاء دعوتكم الواحد)، متسائلاً "ومن أين لمن كانت آراؤهم منقسمة وطباعهم مختلفة، أن يحرصوا على حفظ الاتّفاق بالرّوح، إذا لم يجتمعوا في مكان واحد، ويتمسّكوا بإيمان واحد، ورجاء واحد، ومحبّة واحدة، وعبادة واحدة."

وقال: "لتكن هذه المناسبة، مناسبة إزاحة السّتار عن مذبح وتمثال المكرّم البطريرك إسطفان الدّويهيّ، فرصة للموارنة عامّة ولأبناء إهدن خصوصًا إلى الاتّحاد والوحدة، لا في وجه أحد، بل من أجل الشّهادة للرّبّ يسوع: (أحبّوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم، وبهذا يعرف العالم أنّكم تلاميذي)، وهي فرصة لنقول لذواتنا أيّ إهدن نريد؟ أنريدها مشتلاً وحاضنة القدّيسين والقدّيسات أم حاضنة لأناس همّهم الرّبح بكلّ الوسائل ولو كان على حساب أطفالنا وشبيبتنا؟ أيّ إهدن نريد؟ مدينة انفتاح وتلاقي، أم مدينة انفلات وفوضى؟ مدينة للعلم وقد أعطت ولا تزال الأطبّاء والمهندسين والقضاة والأدباء والحقوقيّين؟ أم مدينة للجهل ومسرحًا لكلّ العادات الغريبة الّتي تضرب بشرها وسخافتها عقول الكبار والصّغار؟".

وتابع: "على أهل الخير في إهدن أن يتعاونوا ويتحاوروا ويتّحدوا من أجل حماية هويّة إهدن، ومن خلال الحفاظ على الهويّة نحافظ على حاضرنا ومستقبلنا. إنّنا كنيابة إهدن- زغرتا، بكهنتها ومؤسّساتها الرّعويّة تحملنا مسؤوليّة دعم دعوى تطويب المكرّم إسطفان الدّويهيّ أمام السّلطة الكنسيّة في لبنان، وأمام مجمع القدّيسين كما فعلنا الآن بخصوص دراسة إمكانيّة فتح دعوى إهدنيّ آخر هو ساكن هذه الكاتدرائيّة يوسف بك كرم وقد قال فيه العلّامة الرّاحل الأب يواكيم مبارك ما يلي: (احسبه في تراثنا المدنيّ بمنزلة الدّويهيّ في تراثنا الكنسيّ، والإثنان في مرتبة واحدة نسبة إلى العفاف والقداسة في جهاد مستطيل.

إنّ ما قمنا ونقوم وسنقوم به بخصوص هذين البطلين وغيرهم من أبطال الإيمان والقداسة هو واجب وفعل إيمان، ولا مكان للمزايدة علينا ونقول للمزايدين: لم نشأ يومًا الرّدّ على أحد منكم إكرامًا لمن ضحّوا بحياتهم من أجيالنا وعلى كلّ إنسان مؤمن وعاقل، بل ندعوكم بالارتقاء إلى قداستهم وإنسانيّتهم إكرامًا لمن ضحّوا بحياتهم من أجلنا، وفضلهم علينا وعلى وسموهم لا أن ننزلهم إلى صراعاتنا التّافهة وعصبيّاتنا الجوفاء، ونحن مدعوّون إلى التّمثّل بهم وبفضائلهم".

وقال: "من يحبّ المكرّم البطريرك إسطفان ويريد تكريمه، عليه أن يحبّ کنیسته بیطریركها وأساقفتها وكهنتها ورهبانها وراهباتها رغم نقصهم، وألّا ينصّب نفسه ديّانًا لهم. من يحبّ المكرّم الدّويهيّ ويريد تكريمه يكرّم ويحبّ أهله وإخوته، ويصغي إلى كلمة الله وحضور القدّاس. ويقول المكرّم إسطفان (وليس المراد في حضور القدّاس حضور الجثّة، ولا سمع الأذنين، ولا نظر العينين، ولا فهم المعاني، ومن ثمّ، يجب على المؤمن أن يحضر بالجثّة والرّوح، ويصغي إلى خدمة الرّبّ على قدر مقدرته".

إختتم نفّاع عظته قائلاً: "أشكر باسمي وباسم نيابة إهدن- زغرتا صاحب الغبطة على عنايته الأبويّة المدينة العريقة بإيمانها والصّلبة في الدّفاع عن الحقّ ودعمه  قضيّة تطويب المكرّم البطريرك إسطفان الدّويهيّ الإهدنيّ، وأشكر أعضاء المؤسّسة أصبح في دنيا الحقّ الّتي حملت اسمه ولكلّ الأساقفة الّذين تعاقبوا، ولنائب رئيسها النّقيب جوزيف الرّعيدي الّذي لم يتردّد يومًا في تقديم أيّ دعم لهذه القضيّة. أشكر طالب الدّعوى الأب بولس القزّي وأعضاء المحكمة وكلّ الّذين عملوا هذه القضيّة من كتاب وقضاة وأطبّاء ومتبرّعين وغيرهم. أشكر اليوم المغتربين الإهدنيّين الّذين يقفون اليوم إلى جانب أهلهم الصّامدين في ربوع هذا البلد الجريح وبخاصّة ابراهيم الدّويهيّ وزوجته ماريا القسّ حنّا على تبرّعهم بتكاليف المذبح الّذي صمّمه المهندس قبلان دحدح مشكورًا على عطاءاته الكثيرة لرعيّته إهدن- زغرتا، وعلى تبرّعهم أيضًا بالتّمثال الّذي نحته بكلّ جدارة وذوق رفيع الفنّان نايف علوان وقد زيّن العمل بزجاجيّة رائعة للفنّان طوني العلم، كما أشكر المهندسة تيريزيا بطرس يمّين على محبّتها وسهرها على تنفيذ المشروع بكلّ دقّة وتفاني، كما أشكر بيارو الدّويهيّ وإخوته وطوني البدويّ فرنجية وبولس أبو زيد وطوني السّيسي على عملهم الرّائع"، لافتًا إلى أنّ "إبراهيم الدّويهي وعقيلته أرادوا بهذا العمل شكر الله وتذكيرنا بتضحيات الآباء والأجداد ومنهم المكرّم الدّويهيّ، هم الّذين وفي انتشارهم نقلوا إيمانهم وقيمهم وزرعوه في عائلتهم ومحيطهم، وهم كانوا ولا يزالون إلى جانب رعيّتهم إهدن- زغرتا في كلّ عمل خير. بارككم الله بشفاعة طوباوينا العتيد المكرّم البطريرك إسطفان وقدّم لكم الصّحّة والنّعمة وكافأكم على كلّ عمل خیر تقومون به".

كما كانت في ختام القدّاس كلمة للسّيّدة القسّ حنّا تمنّت فيها أن تتحوّل "إهدن الى مدينة حاضنة للقدّيسين، وخصوصًا أنّها تحضن أيضًا وفي هذه الكنيسة بالذّات جثمان بطل لبنان يوسف بك كرم الّذي بدأت الكنيسة بدرس إمكانيّة فتح دعوى تطويبه والّتي نسأل الله أن نصل يومًا ونرى الكنيسة تعلنه طوباويًّا". كما حثّت بناتها وأحفادها على محبّة لبنان وإهدن.

ومن ثمّ أزيحت السّتارة عن تمثال ومذبح المكرّم، كان من بعدها كوكتيل في الباحة الخارجيّة.