لبنان
18 أيار 2019, 13:24

ندوة في مطرانيّة صيدا عن الاعتدال والتّسامح في المسيحيّة والإسلام

نظّمت لجنة الأعياد تجمعُنا، في مطرانيّة صيدا للرّوم الكاثوليك، ندوةً بعنوان "الاعتدال والتّسامح في المسيحيّة والإسلام - قراءة واقعيّة لوثيقة الأخوّة الإنسانيّة بين بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر الشّريف"، والتي وقعت في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام".

وحاضر في النّدوة كلّ من ممثّل سفير دولة الإمارات حمد سعيد الشّامسي الملحق الدّبلوماسيّ في السّفارة حمدان الهاشميّ، مفتي صيدا وأقضيتها الشّيخ سليم سوسان، راعي أبرشيّة صيدا ودير القمر للرّوم الكاثوليك المطران إيلي حداد، راعي أبرشيّة صيدا ودير القمر للموارنة المطران مارون العمّار؛ وتناول المحاضرون أبرز الأفكار التي تناولتها الوثيقة.

بعد النّشيدين الوطنيّ والإماراتيّ وكلمة ترحيبيّة من رئيس لجنة الأعياد تجمعُنا الأب جهاد فرنسيس، رحّب فيها بالسّفير الإماراتيّ ممثّلًا بالهاشميّ وبجميع الحاضرين، متوقّفًا عند أهميّة وثيقة الأخوّة التي تمّ توقيعها في دولة الإمارات العربيّة، والدّور الهامّ الذي تضطّلع به دولة الإمارات العربيّة في ترسيخ مفهوم السّلام والعيش المشترك بين الشّعوب.
ثمّ تحدّث المطران حدّاد، الذي توجّه بالشّكر للحاضرين على تلبية الدّعوة، ولاسيّما ممثّل السّفير الإماراتيّ؛ متوقّفًا عند وثيقة الأخوّة وما تضمّنته من أفكار هامّة تتمحور عن السّلام والعيش المشترك. وقال: "بحسب الوثيقة، إنّ الأديان كانت سببًا للنّزاعات والقتل، وهذه جهالة أُخرى عندما تختلط أمور الدّين بالسّياسات والاقتصاد لم يترك تشنُّج في العالم إلّا وأُلصق بالدّين، وكأنّ الإله قطعة لؤلؤة متنازع عليه بينما تعليم كلّ الأديان أنّ الله للجميع.
ومن جهة أُخرى تكتشف الدّيانات يومًا بعد يوم نظامًا جديدًا للمجموعة البشريّة ألا وهو اللّامبالاة الدّينيّة، وكأنّ مسألة الموت والحياة بعد الموت لم تعد هاجسًا لدى الشّباب لمعرفة المصير البشريّ، وهذه ظاهرة خطيرة لا بل أخطر من ظاهرة الإلحاد في اللّامبالاة لا يعود المرء يحتاج إلى إله يحبّه لا بل يرفض أن يمنّ عليه أحد بالحياة والحبّ والغفران والرّحمة. إنسان اليوم لا يحتاج لأحد؛ إنّه ذو نزعة استقلاليّة وهذه الذّهنيّة الأكثر إنتشارًا في الغرب وتمتدُّ جذورها إلى الشّرق، بينما في الشّرق تنتشر الأصوليّات الدّينيّة الخائفة على ذاتها وتفسّر كتبها الدّينيّة وكأنّها في موقع الهجوم للدّفاع عن النفس، خارجةً عن أصول التّفسير الحقيقيّة؛ وهذه الظّاهرة بدأت تنتقل إلى الغرب أيضًا، فيما يسمّى بالإسلامو فوبيا أو الكريستيانو فوبيا، وكلاهما تشويه للمسيحيّة والإسلام، خاصّة بعد حادثة نيوزيلاندا".

ثمّ تحدّث المطران العمّار وتناول أربع أفكار مهمّة من بين الأفكار العديدة التي تتألّف منها الوثيقة؛ لافتًا إلى أنّ "الوثيقة نشرت لكي لا تبقى في الأدراج المغلقة ولا في المكتبات المنسيّة، وإنّه يجب أن توضع على قمم لكي يراها الجميع، ومنها وسائل التّواصل الاجتماعي وغيرها".
وإعتبر العمّار أنّ "الوثيقة هي عمل مشترك بين مرجعين أساسيّين في عالمنا المعاصر شيخ الأزهر الشّريف أحمد الطّيب وقداسة البابا فرنسيس، وإنّنا نستلهم هذين المرجعين الكبيرين لنعمل نحن معًا ونشترك في مشاريع ومنظّمات ومؤسّسات محليّة وعالميّة تعمل على نشر روح هذه الوثيقة في عالمنا المعاصر".
ثمّ كانت كلمة المفتي سوسان الذي اعتبر أنّه "في خضمّ التّناحر والصّراع السّياسيّ والعسكريّ الذي يحاول البعض، أو بالأحرى الدّول الكبرى، أن تُكرّسه صراعًا بين الشّرق والغرب وتقاتلا تحت عناوين دينيّة، مع ارتفاع وتيرة التّرهيب من الإسلام والمسلمين في دول الغرب، فيما أُطلق عليه الإسلاموفوبيا، وما جرى في نيوزيلاندا وسيريلانكا من أحداث دمويّة، يؤكّد عمق الأزمة وخطورة المرحلة، وأهميّة المسؤوليّة المُلقاة على عاتق كبار القادة، الذين يملكون حسّ القيادة والرّغبة في تجنيب العالم ويلات الصّراع الدّينيّ لحماية مشاريع سياسيّة وطموحات إقتصاديّة. في هذه الأجواء برز بصيص أمل لتغيير الواقع والانطلاق نحو أُفق أرحب يجمع بين المؤمنين ولا يفرّق بينهم، هذه الإشارة إنطلقت من دولة الإمارات مع انعقاد مؤتمر الأخوّة الإنسانيّة الذي جمع شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطّيب وبابا الفاتيكان فرنسيس في مشهد يُؤكّد على إمكانيّة التّفاهم والتّعاون والعمل لخدمة الإنسان ورفاهيّته وحمايته من الاستغلال المادّي والدّينيّ، وتُوّج هذا المؤتمر بإطلاق وثيقة الأخوّة الإنسانيّة من أجل السّلام العالميّ والعيش المشترك".
وختم سوسان معتبرًا أنّ "وثيقة الأخوّة الإنسانيّة هي مدخل أساسيّ ومعبر حضاريّ يجب على الجميع العبور من خلاله لتخفيف الاحتقان ومعالجة الأزمات ووقف الصّراعات وتسوية النّزاعات، حتّى لا يبقى العالم بشرقه وغربه يعيش حالة الانقسام والخوف والقلق".
ثمّ كانت كلمة ممثّل السّفير الشّامسيّ الذي قال: "كم جميل أن نلتقي في هذا الصّرح بما له من رمزيّة، وفي أحد أيّام رمضان بما له من معنى، هذه التّرجمة العميقة لمعاني العيش المشترك ليست شكليّة، بل هي من صميم نسيج هذا المجتمع اللّبنانيّ المتميّز والمتفرّد بنوعيّته؛ وهذا هو النّموذج الذي تعمل دولة الإمارات العربيّة المُتّحدة على نشره في العالم من خلال ثقافة التّسامح. وعندما قرّرت القيادة الرّشيدة في دولة الإمارات ترتيب اللّقاء التّاريخيّ بين بابا الفاتيكان البابا فرنسيس، وبين شيخ الأزهر الشّيخ أحمد الطّيب، لم يكن ذلك فعاليّة تُضاف الى سجلّ الفعاليّات الكبرى التي نظّمتها بلادي. بل كان هذا اللّقاء وما نتج عنه من وثيقة الأخوّة الإنسانيّة، ترجمةً عمليّةً لما تؤمن به الدّولة من ضرورة الانفتاح والحوار بين بني البشر، لأنّ السّلام لا يمكن أن يكون إلّا عبر حوارات وتمازج ثقافات وتقارب أفكار. من المسجدين في نيوزيلندا إلى الكنائس في سريلانكا، العدو واحد وهو التّطرّف والإرهاب، وهما ليسا من الإسلام ولا من المسيحيّة. لذلك لا بُدّ لنا جميعًا من إذكاء الاعتدال الكفيل بردع الإرهابيّين. والوسطيّة والاعتدال يكون بالاستقامة على طاعة الله عزّ وجلّ، والاستقامة تكون بطاعة الله، والبُعد عن معاصيه، بدون الميل إلى التّفريط ولا تقصير ولا غلوّ. هذه المفاهيم لا يختلف عليها إثنان، وهي ليست محصورة بدين أو بطائفة أو بمذهب، بل هي خطوط عريضة للممارسة اليوميّة في حياتنا، أيًّا كان اعتقادنا الإيمانيّ. وهل هناك أفضل وأرقى من التّيسير على النّاس والرُّفق في التّعامل معهم؟ وهذا اليسر في التّعاطي بين البشر من صميم مفهوم التّسامح، وهو يُكرّس التّواضع كأحد أبعاد حياتنا الإنسانيّة.
والإمارات تحمل للعالم رسالة سلام ونعمل على نشرها لأنّنا نؤمن بها كسبيل لقطع الطّريق على الإرهاب، ونرى أنّ لبنان صورة مثاليّة لهذا النّموذج الإنسانيّ. لذلك نحن هنا اليوم معكم مؤمنين بمفاهيمكم ونعمل معكم لما فيه خير البلدين الشّقيقين".

مّ كانت مداخلة للبطريرك لحّام، أكّد فيها "أهميّة الأفكار التي تحملها وثيقة الأخوّة الإنسانيّة والدّور الإماراتيّ من أجل ترسيخ مفهوم السّلام والعيش المشترك والمحبّة ما بين الشّعوب، على إختلاف أديانهم ومذاهبهم وتوجّهاتهم".
كذلك كانت مداخلات لعدد من الحاضرين، وفي الختام تمّ إلتقاط الصّور التّذكاريّة.