الفاتيكان
20 كانون الثاني 2021, 12:15

نداء من البابا فرنسيس لعالم خال من الأسلحة النّوويّة

تيلي لوميار/ نورسات
"ستدخل معاهدة حظر الأسلحة النّوويّة حيّز التّنفيذ بعد غد، الجمعة في الثّاني والعشرين من كانون الثّاني يناير الجاري. إنّه أوّل أداة دوليّة ملزمة بشكل قانونيّ تحظّر بوضوح هذه الأسلحة، الّتي يكون لاستخدامها تأثير عشوائيّ: فهي تضرب في وقت قصير عددًا كبيرًا من الأشخاص وتُسبّب ضررًا طويل الأمد للبيئة. وبالتّالي أشجّع بقوّة جميع الدّول والأشخاص على العمل بتصميم من أجل تعزيز الظّروف الضّروريّة لعالم خالٍ من الأسلحة النّوويّة، والمساهمة في تعزيز السّلام والتّعاون المتعدّد الأطراف، الّذي تحتاجه البشريّة اليوم بشدّة". هذا الكلام قاله البابا فرنسيس اليوم في ختام المقابلة العامّة الّتي تمحور تعليمها حول الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين.

وفي هذا السّياق، قال الأب الأقدس نقلاً عن "فاتيكان نيوز": "سأتوقف في هذا التّعليم عند الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين. في الواقع، يُخصَّص الأسبوع الّذي يمتدّ من الثّامن عشر وحتّى الخامس والعشرين من كانون الثّاني يناير بشكل خاصّ لهذا، لكي نطلب من الله عطيّة الوحدة للتّغلّب على عار الانقسامات بين المؤمنين بيسوع. الّذي وبعد العشاء الأخير، صلّى "ليكونوا بِأَجمَعِهم واحِدًا". إنّها صلاته قبل الآلام، ويمكننا أن نقول إنّها وصيّته الرّوحيّة. لكنّنا نلاحظ أنّ الرّبّ لم يأمر التّلاميذ بالوحدة. حتّى أنّه لم يخطب فيهم ليبرّر ضرورتها. لا، بل صلّى إلى الآب من أجلنا لكي نكون واحدًا. هذا يعني أنّنا، بقوّتنا، لسنا كافيين لتحقيق الوحدة. لأنَّ الوحدة أوّلاً هي عطيّة، وهي نعمة علينا أن نطلبها بالصّلاة.

كلّ فرد منّا يحتاج للوحدة. في الواقع، نحن ندرك أنّنا غير قادرين على الحفاظ على الوحدة حتّى في أنفسنا. كذلك الرّسول بولس كان يشعر بصراع مؤلم في داخله: الرّغبة في الخير والميل إلى الشّرّ. وهكذا أدرك أنّ أصل الكثير من الانقسامات المحيطة بنا- بين الأشخاص، وفي العائلات، والمجتمع، بين الشّعوب وحتّى بين المؤمنين- هو في داخلنا. يؤكِّد المجمع الفاتيكانيّ الثّاني أنَّ "التّخلخل الّذي يعملُ في العالم الحديث لمرتبطٌ حقًّا بتخلخلٍ يتأصَّلُ في قلبِ الإنسان، الّذي تتصارعُ فيه عناصرٌ متعدّدة... وبالنّتيجة أنّه يتألَّمُ مِن الانفصام في داخلِهِ، الّذي تولد منه الخصومات الكثيرة والخطيرة داخل المجتمع" (الدّستور الرّعائيّ في الكنيسة في عالم اليوم، "فرح ورجاء"، عدد 10). لذلك فإنّ حلّ الانقسامات ليس معارضة أحد ما، لأنّ الخصام يولِّد المزيد من الخلاف. أمّا العلاج الحقيقيّ فيبدأ بأن نطلب من الله السّلام والمصالحة والوحدة.

هذا الأمر يصلح أوّلاً بالنّسبة للمسيحيّين: لا يمكن أن تأتي الوحدة إلّا كثمرة للصّلاة. إنَّ الجهود الدّبلوماسيّة والحوارات الأكاديميّة ليست كافية. لقد كان يسوع يعرف ذلك ولذلك فتح لنا الطّريق بالصّلاة. وبالتّالي، فإنّ صلاتنا من أجل الوحدة هي مشاركة متواضعة وإنّما واثقة في صلاة الرّبّ، الّذي وعد بأنّ الآب يستجيب لكلّ صلاة نرفعها باسمه. لذلك يمكننا في هذه المرحلة أن نسأل أنفسنا: "هل أصلّي من أجل الوحدة؟". إنّها إرادة يسوع، ولكن إذا راجعنا النّوايا الّتي نصلّي من أجلها، فسندرك على الأرجح أنّنا صلّينا قليلاً، وربّما لم نصلّ أبدًا، من أجل وحدة المسيحيّين. لكن الإيمان في العالم يعتمد عليها. في الواقع، إنَّ الرّبّ قد طلب الوحدة بيننا "لكي يؤمن العالم". والعالم لن يؤمن لأنّنا سنقنعه بحجج جيّدة، لكن إذا شهدنا للحبّ الّذي يوحّدنا ويقرّبنا من الجميع.

في هذا الوقت العصيب، تصبح الصّلاة ضروريّة بشكل أكبر لكي تتغلّب الوحدة على النّزاعات. لذلك من المُلحِّ أن نضع الخصوصيّات جانبًا لكي نعزّز الخير العامّ، ولهذا السّبب فإنّ مثالنا الجيّد هو أساسيّ: من الجوهريّ أن يواصل المسيحيّون السّير على درب الوحدة الكاملة والمرئيّة. خلال العقود الأخيرة، وبفضل الله، تمَّ القيام بخطوات كثيرة إلى الأمام، لكن علينا أن نثابر في المحبّة والصّلاة، بدون شكٍّ ولا تعب. إنّها مسيرة حرّكها الرّوح القدس ولن نتراجع فيها أبدًا.

إنَّ الصّلاة تعني الكفاح من أجل الوحدة. نعم الكفاح، لأنَّ عدوّنا، الشّيطان، كما تقول الكلمة نفسها، هو الّذي يقسم. هو يلمِّح إلى الانقسام في كلّ مكان وبجميع الطّرق، بينما يحملنا الرّوح القدس دائمًا إلى الوحدة. إنّ الشّيطان، بشكل عامّ، لا يغرينا باللّاهوت السّامي، بل في ضعف إخوتنا. إنّه ماكر: يضخّم أخطاء الآخرين وعيوبهم، ويزرع الفتنة، ويثير النّقد، ويخلق الانقسامات. لكنَّ طريق الله مختلفة: هو يأخذنا كما نحن، مختلفون، وخطأة، ويدفعنا إلى الوحدة. يمكننا أن نتحقّق من أنفسنا ونتساءل عمّا إذا كنّا، في الأماكن الّتي نعيش فيها، نغذّي الصّراع أو نكافح لكي ننمّيَ الوحدة بالأدوات الّتي أعطانا الله إيّاها: أيّ بالصّلاة والمحبّة.

إنّ موضوع هذا الأسبوع للصّلاة يتعلّق بالحبّ: "اُثبُتوا في مَحَبَّتي. واحملوا ثمارًا وافرة". إنّ أصل الشّركة هو محبّة المسيح، الّتي تجعلنا نتغلّب على الأحكام المسبقة لكي نرى في الآخر أخًا وأختًا نحبّهما على الدّوام. وعندها نكتشف أنّ مسيحيّي الطّوائف الأخرى، بتقاليدهم وتاريخهم، هم عطايا من الله، وهم عطايا موجودة في أراضي جماعاتنا الأبرشيّة والرّاعويّة. لنبدأ بالصّلاة من أجلهم ومعهم متى يصبح ذلك ممكنًا. فنتعلّم هكذا أن نحبّهم ونقدّرهم. إنّ الصّلاة يذكّرنا المجمع الفاتيكانيّ الثّانيّ هي روح الحركة المسكونيّة بأسرها. لتكن إذًا نقطة البداية لكي نساعد يسوع على تحقيق حلمه: بأن يكون الجميع واحدًا."