من مِذوَد بيت لحم الى صليب الجلجلة ج2
يدعونا زمن البشارة الذي به تبدأ سنتنا الطقسيّة، إلى أن نحتفل بعيد ميلاد الربّ يسوع احتفالًا روحيًّا مسيحيًّا وليس احتفالًا دنيويًّا سطحيًّا. الاحتفال الروحيّ والمسيحيّ بعيد الميلاد المبارك هو، ذلك الذي يجعلنا ننظر إلى طفل مذود بيت لحم باندهاش وانبهار لا مثيل لهما، يعكسان فرحنا العميق بميلاد المخلّص الذي هو المسيح الربّ.
"وكانَ في تِلكَ النَّاحِيَةِ رُعاةٌ يَبيتونَ في البَرِّيَّة، يَتناوَبونَ السَّهَرَ في اللَّيلِ على رَعِيَّتِهم. فحَضَرَهم مَلاكُ الرَّبِّ وأَشرَقَ مَجدُ الرَّبِّ حَولَهم، فخافوا خَوفاً شَديداً. فقالَ لَهمُ الـمَلاك: لا تَخافوا، ها إِنِّي أُبَشِّرُكُم بِفَرحٍ عَظيمٍ يَكونُ فَرحَ الشَّعبِ كُلِّه: وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخَلِّصٌ في مَدينَةِ داود، وهو الـمَسيحُ الرَّبّ" (لوقا 2/ 9 – 11). هكذا نظرة على طفلِ المغارة، هي نعمة يجب أن نطلبها بالصلاة من الروح القدس، الذي من دونه لا أحد يستطيع أن يعترف ويقول إنّ يسوعَ هو المسيح الربّ (1 قورنتس 12/ 3).
ذلك أنّ الاحتفال الروحيّ والمسيحيّ بعيد الميلاد يدعونا إلى أن ننظر إلى اُمّنا العذراء مريم القدّيسة، التي لعبت دورًا متميّزًا واستثنائيًّا في ميلاد المسيح المُخلّص، أي "الكلمة الذي صار جسدًا وحلَّ فينا" (يوحنّا 1/ 14). إنّها حوّاء الجديدة، كما يدعوها بعض آباء كنيسة المشرق، التي أطاعت كلام الله، الذي نقله إليها الملاك جبرائيل، ووهبَت لنا الحياة، بعكس حوّاء القديمة التي عصَت كلام الله ووهبَت لنا الموت. إنّها العذراء المؤمنة التي كانت تسمع كلام الله وتحفظه في قلبها وتتغذّى به.
إنّها تلك الأمّ الحنونة التي أحاطَت طفلها العجيب والمدهش بمحبَّتها وحنانِها منذ ولادته في مِذوَد بيت لحم. إنّها أيضًا تلك التلميذة التي تبعت المعلّم حتّى النهاية كي تشاركه آلامه وموته على صليب الجلجلة لتكون الشاهدة الموثوق بها على قيامته الممجّدة. كذلك هي تلك المرأة التي أعطانا يسوع إيّاها أمًّا. "فرأَى يسوعُ أُمَّه وإِلى جانِبِها التِّلميذُ الحَبيبُ إِلَيه. فقالَ لأُمِّه: أيَّتُها المَرأَة، هذا ابنُكِ. ثمَّ قالَ لِلتِّلميذ: هذه أُمُّكَ. ومُنذُ تِلكَ السَّاعةِ استَقبَلَها التِّلميذُ في بَيتِه" (يوحنّا 19/ 26 – 27).
لنتعلَّم من هذه الأُمّ المتواضعة والنقيّة أن نستعدّ نحن أيضًا للاحتفال بعيد مخلِّصنا يسوع المسيح بالتوبة وبقلبٍ متواضعٍ ونقيّ كي نختبر فرح حضوره الحقيقيّ فينا. إنّه عمانوئيل، الله معنا.
أرجو من الذين يقرأون هذه الأسطر أن يُصلّوا من أجلي كي أعيش ما تبقّى لي من الحياة الزمنيّة بالإيمان والرجاء والمحبّة وشهادة الحياة. مع الشكر.