منها نتعلّم الاتّضاع والخدمة
تميّزت حياة العذراء مريم وشخصيّتها بجوانب عدّة تدعونا إلى السير قُدمًا نحوها وإلى أن نكتسب منها ما يشبع حياتنا الروحيّة من فضائل وعن ذلك قال القدّيس أغسطينس: "لاكتساب فضائل القدّيسين ومساعدتهم عليك أوّلًا الاقتداء بهم لتكتشف كيف عاشوا ومارسوا الفضيلة في حياتهم على الأرض وهم في السماء يتوسّلون إلى الله من أجلنا". الدعوة مفتوحة إذا كنت من الراغبين في بناء علاقة صحيحة مع الربّ بالصلاة وخدمة المحبّة.
ومن أراد أن يتمثّل بشخص ما، يسعى، على الأقلّ، إلى أن يتشبّه به، فنحن إن كنّا نحبّ العذراء مريم، علينا أوّلًا أن نتشبّه بها في عيش الفضائل حيث تلألات هي في الفضائل كلّها بدرجاتٍ سامية.
مريم أمّ يسوع، الكلمة المتجسّد، مريم أمّ الله، بالتالي، هي أمّ النعم والفضائل كلّها وهْي لَطريقةٌ ناجعةٌ وناجحةٌ لنا أن نتوجّه إليها للحصول على ما ينقصنا ونطلب منها ما يلزم لحياتنا لبناء ركيزة إيمانيّة عميقة لسيرنا نحو يسوع المسيح الطريق والحقّ والحياة.-------------
نتعلّم أن نعيش حياة الوداعة والاتّضاع التي دعانا إليها السيّد المسيح بقوله تعلّموا منّي أنا الوديع والمتواضع القلب ولننظر إلى العذراء، أختنا في البشريّة وأمّنا هي أيضًا في تواضعها ووداعتها فهي مثال ونموذج لهذه الحياة مع الخدمة والعطاء.
1- حياة الوادعة والتواضع: "ها أنا أمة الربّ فليكن لي بحسب قولك". هكذا عاشت العذراء مريم وجسّدت، طيلة حياتها، هذه الفضيلة وصارت أمًّا لله متواضعة وتعطينا نحن أن نسلك بهذه الروح التي ننالها بفعل الروح القدس والمواهب التي يسكبها هذا الروح في نفوسنا وضمائرنا وبفعل الأسرار. لعلّ هذه هي الفضيلة الأساسيّة التي جعلت الربّ ينظر إلى مريم التي قالت "...لإنّه نظر الى اتّضاع أمته"(لو 48:1). فعندما سمعت أنّ نسيبتها إليصابات حُبلى هي أيضًا، قامت مسرعة لتخدمها مع أنّها أمّ المسيح، فكرامتها لم تمنعها من أن تذهب في رحلة مضنية شاقّة عبر الجبال وتمكث عندها ثلاثة شهور تخدمها حتّى ولدت ابنها يوحنا (لو 1: 39-56). كلّما اتّضع الإنسان أمام الله، كلّما انتصر على التجارب، فالاتّضاع أمام الله، هو طريق الانتصار، ومن يتواضع يرفعه الله "أنزل الأعزّاء عن الكراسي ورفع المتواضعين".
2- حياة الخدمة والعطاء: خدمت العذراء البشريّة واجتذبتها إلى الخلاص بهدوئها وصمتها. لتكن خدمتنا خدمة فاعلة متجذّرة في المحبّة والهدوء والصدق، كما خدمت مريم العذراء التي مجرّد ذكر اسمها يحثّ النفس على الخشوع والصلاة ويملأ القلب بهجة ووقارًا ويشيع في الجسد قداسة ونقاء.. إنّها كأمّ تجمعنا حولها.. وتقدّمنا لابنها.. فلنهتف إذًا مع إليصابات "مباركة أنت في النساء" (لو 42:1).
كان الآباء القدّيسيون على ثقة كبيرة أنّ العذراء مريم تعلم ما يحل بنا كلّه، بقوّة الله. ففي حياتها على الأرض، كانت حاضرة لحاجات الناس، والآن، هي معنا، تساعدنا وتتشفّع بنا.
مريم هي الأمّ اليقظة، والحاضرة دومًا لتمدّنا بالقوّة. معها، لن نسقط في الخطيئة إذا عرفنا كيف ننظر إليها، ونلتمس منها نعمة التواضع، والخدمة، والفرح، والإيمان بتحقيق مشيئة الربّ التي تعدّ لنا الخلاص، والقيامة….