مناسبتان في بطريركيّة السّريان الكاثوليك الأنطاكيّة، وهما؟
"هذا اليوم هو جمعة الكهنة، نتذكّر فيه المتوفّين من البطاركة والأساقفة والكهنة الذين سبقونا إلى الحياة السّماويّة مع الرّبّ يسوع والعذراء والقدّيسين. حياة السّماء هي دعوةً لجميعنا كي نتهيّأ لها بأن نلبّي المسؤوليّات التي أعطانا إيّاها الرّبّ الذي يطلب من المؤمنين أن يكونوا واحدًا مع مدبّريهم، وأن يكملوا الرّسالة التي يعطيهم إيّاها الله بالفرح والأمانة.
كما يذكّرنا الرّبّ يسوع في إنجيل الوزنات الذي سمعناه، أنّ علينا أن نثمر بالمواهب التي وهبنا إيّاها الله، طبعًا كلّ واحد بما يرتأيه الله له. لسنا كلّنا متساوين أو لدينا المواهب ذاتها، ولكن نستطيع أن نتقدّس ونلبّي المسؤوليّة التي أعطانا إيّاها الله على أكمل وجه.
لسنا بحاجة أن نكون بطريركًا أو أسقفًا أو كاهنًا أو راهبًا أو راهبةً كي نتقدّس، فكلّنا مدعوّون أن نعيش مفاعيل سرّ المعموديّة الذي اقتبلناه، والذي نؤمن أن نجدّده كلّ يوم في حياتنا، وهكذا نتقدّس. لدينا أمثلة كثيرة عن قدّيسين وقدّيسات، سواء أكانوا في سلك الإكليروس أو من المؤمنين، إذ كانوا مثالاً لإخوتهم وأخواتهم في الإيمان في الكنيسة، وارتفعوا إلى القداسة من دون أن تكون لديهم مسؤوليّات كهنوتيّة أو رهبانيّة.
اليوم أيضاً ذكرى ابتداء خدمتي البطريركيّة منذ عشر سنوات، في الخامس عشر من شهر شباط عام 2009، حيث كنتم بغالبيّتكم موجودين في تلك المناسبة. ونحن نعرف أنّه لا شيء يمنعنا أن نكون دائمًا مستعدّين لتلبية نداء الرّبّ وأن نقوم بمسؤوليّاتنا، هناك إخفاقات ونجاحات، هناك أحزان وأفراح، هناك معاناة وتعزية. في هذه السّنوات العشر، أنتم أنفسكم رافقتموني في هذه الخدمة البطريركيّة التي سعيتُ من خلالها أن أكون الرّاعي الأمين، وأكون الأب والأخ، وأكون متمّمًا للشّعار الذي اتّخذته "كلاً للكلّ".
جميعكم تدركون أنّ كنيستنا مرّت في السّنوات الأخيرة بحقبة مؤلمة جدًّا، بدءًا من الأزمة في العراق، ومن ثمّ الأزمة في سوريا، وأنا أحاول أن أكون مع إخوتنا الذين يعانون في البلدين المذكورين. ولم تكن الأمور سهلةً كما يظنّ البعض، ومع ذلك حاولتُ أن أكون حاضرًا فيما بين إخوتنا وأبنائنا المتألّمين في البلدين سوريا والعراق، ونسأل الرّبّ أن ينهي هذه الأزمة المخيفة التي حلّت بهذين البلدين. ولكون كنيستنا صغيرة ومنتشرة بشكل خاصّ في هذين البلدين، عانت نسبيًّا أكثر من أيّ جماعة كنسية في الشّرق من هذه الآلام والمعاناة.
نعم، جميعنا نعرف ما هي التّحدّيات الجديدة التي جابهت كنيستنا، لاسيّما في كنيسة الانتشار، فكنيستنا اليوم تشتّتت في بلدان كثيرة، إن كان من ناحية عدد المؤمنين المتغرّبين، وإن كان من ناحية عدد الإكليروس من الكهنة الذين أضحوا أضعاف ما كانوا عليه في السّابق، أيّ ما كنّا نشهده قبل 10 و15 سنة، فيما اليوم تجابه كنيستنا تحدّياتٌ كبيرة: كيف نؤمّن الخدمة لأولادنا؟ وكيف نعدّ الكهنة كي يخدموا أولادنا في بلاد الانتشار؟
وهنا أريد أن أذكّر وأحثّ أولادنا الكهنة الشّباب والشّمامسة كي تكون نظرتهم للكنيسة أبعد ممّا هم عليه في بلدهم ومدينتهم ورعيّتهم، فيجب عليهم أن يكونوا رسلًا لإخوتهم في بلاد الانتشار أيضًا، كي تتمكّن كنيستنا من أن تحافظ على هذا الإرث الثّمين جدًّا، وهو إرثنا السّريانيّ العريق، مع تراث آبائنا وأجدادنا الذين تركوا لنا هذا الغنى الرّوحيّ والطّقسيّ واللّغويّ في كنيستنا. وهكذا نحافظ على طقسنا الذي هو من أعرق طقوس الكنيسة الجامعة، مؤكّدين أنّنا نعتزّ بتراثنا وبآبائنا الأقدمين الذين هم من دعامة الإرث والتّقليد وعلم الآباء في الكنيسة عامّةً.
أشكركم جميعًا لحضوركم ومشاركتكم وصلواتكم وأدعيتكم من أجلي، ولا يسعني أن أقول إنّي استطعتُ أن أحقّق كلّ ما كنتُ أتمنّاه، لكن نتذكّر على الدّوام تلك العبارة التي نردّدها دائمًا في صلواتنا: "ܥܰܠ ܐܰܠܳܗܳܐ ܬܽܘܟ̣ܠܳܢܰܢ" (عال ألوهو توخلونان)، أيّ "على الله اتّكالنا". فالذي يتّكل على النّعمة الإلهيّة لن يفشل حتّى ولو كانت لديه نقائص، إذ أنّ المهمّ هو أن نكمل خدمتنا جميعًا بالفرح والأمانة وبالتّقوى المطلوبة منّا، سائلين الرّبّ الإله، راعي الرّعاة، بشفاعة أمّنا مريم العذراء سيّدة النّجاة شفيعة ديرنا الأمّ في الشّرفة، أن يرافقنا دائمًا ويبارك مسيرتنا، مسيرة الخدمة بالفرح والسّلام والمحبّة، آمين".
وأقام يونان خدمة صلاة الأحبار والكهنة الرّاقدين، ثمّ منح البركة الختاميّة.