مرّ عامان وما يزال الغموض يكتنف "كوفيد-19"
في الحادي عشر من مارس عام 2020، أعلنت "منظمة الصحة العالمية" في بيان رسمي أن "كوفيد-19" جائحة عالمية. منذ ذلك الحين أصاب هذا الوباء حوالى 500 مليون شخص من 200 دولة حول العالم، وتسبب في وفاة أكثر من 6 ملايين شخص. كلما تنفسنا الصعداء ظنًا أننا وصلنا إلى نهاية الطريق، حتى يفاجئنا متحور جديد يعود بنا إلى نقطة الصفر. فهل نشهد له نهاية؟
رغم تطور التكنولوجيا والتوصل إلى أدق تفاصيل المتحورات في غضون ساعات من تحليلها، إلا أن فيروس "سارس-كوف-2" المسؤول عن الإصابة بمرض "كوفيد-19" قد نجح في جعل العلماء يقفون عاجزين عن التنبؤ بتحركاته المتسارعة طوال عامين. ومن أبرز جوانبه الغامضة إلى اليوم هو كيفية انتقاله بين أنواع مختلفة من الكائنات، وسرعة تطوره، وما قد يلحقه بالجسم البشري من أضرار قد تنتهي بالوفاة لدى بعض الحالات.
رحلة البحث عن اللقاح
وباء مُحدِق
تواصل المدن والأحياء السكنية التوسع في اتجاه الغابات والمساحات البرية ما يزيد من مخاطر انتقال الأوبئة الحيوانية إلى البشر. لم يقلق العلماء كثيرًا بشأن انتشار فيروسات كورونا حتى ظهور متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد "سارس" في الفترة ما بين عامي 2002 إلى 2004، وأتبعها انتشار متلازمة الشرق الأوسط التنفسية "ميرس" عام 2012. لكن فيروسات كورونا لم تلق اهتمامًا علميًا وإعلاميًا كبيرًا مقارنة بأمراض الإنفلونزا ونقص المناعة المكتسبة؛ حتى ظهور فيروس "سارس-كوف-2" الذي اكتسح العالم في وقت وجيز. لم تنجح إجراءات العزل والإغلاق التام في احتوائه، وذلك نتيجة تمتع هذا الفيروس بقدرات عالية تتيح له الانتقال بين الخلايا؛ وهي ميزة لم تتوافر لدى الأشكال السابقة من فيروس كورونا، إلى جانب عدد كبير من الإصابات عديمة الأعراض التي أسهمت في انتشاره بصورة أكبر.
فيض من المتحورات
لدى فيروس "سارس-كوف-2" القدرة على التحور بسرعة أكبر بكثير من الفيروسات الرئوية الأخرى، مثل فيروس نقص المناعة البشرية وفيروس الإنفلونزا، في حين عُرفت فيروسات كورونا سابقًا بكونها بطيئة التحور. شهد هذا الوباء منذ بدايته أربع متحورات رئيسة. أولها متحور "ألفا" الذي كان معديًا أكثر من الفيروس الأصلي بنحو 50 بالمئة. أتبعه متحور "بيتا" الذي تميز بقدرته على إصابة أشخاص تعرضوا للعدوى سابقًا. ثم ظهر "دلتا" الذي بث الرعب في النفوس لانتشاره السريع وأعراضه الحادة، إذ أظهر قدرة على البقاء في الجسم لفترة أطول وتدمير الخلايا بسرعة أكبر بكثير. وأخيرًا أطل "أوميكرون" الذي انتشر بسرعة تفوق "دلتا" حتى خمسة أضعاف، واستطاع تفادي الأجسام المناعية بكفاءة أعلى من سواه، لكنه أحدث أعراضًا أخف مقارنة بالمتحورات السابقة. هذه التطورات الهائلة في فترة وجيزة صعبت على العلماء التنبؤ بما هو آت.
كوفيد الطويل أو مرض فيروس كورونا طويل الأمد
أحد التفسيرات الواردة لتطور الفيروس الهائل في فترة وجيزة هو قدرته على البقاء في أجسام المرضى ذوي المناعة الضعيفة. لاحظ العلماء حالات إصابة بـ"كوفيد الطويل" لأشخاص مصابين بالسرطان ومرضى نقص المناعة البشرية، إذ استقر كوفيد في أجسامهم لفترات وصلت إلى شهور وحتى سنة كاملة لدى البعض. إذ تُمكن فترات الإصابة الطويلة هذه الفيروس من التناسخ والتحور بنسبة أكبر، مقارنة بحالات إصابة الأشخاص الأصحاء. ويمكن لفيروسات أخرى أيضًا اللجوء لأجسام المرضى ذوي المناعة الضعيفة والتحور فيها، لكنه أمر نادر الحدوث.
ما بعد الرئتين
أصبح معلومًا لدى العلماء والأطباء أن "كوفيد-19" لا يكتفي بإضرار الرئتين فحسب. فقد رصدت حالات إصابة تعرض أصحابها لأعراض أشد سوءًا مثل، تخثر الدم، واعتلال القلب، ومضاعفات في الجهاز العصبي. وأخيرًا أثبتت التحاليل أن هذا الفيروس قد يُحدث التهابًا مزمنًا يدمر الأعضاء والأنسجة، وقد تستمر هذه المضاعفات الخطيرة حتى 230 يومًا بعد التعافي من الالتهاب الرئوي.
لا يقتصر على البشر
في شهر أبريل من عام 2020، كشفت الفحوصات عن إصابة الأسود والنمور لدى "حديقة حيوانات برونكس" في نيويورك بـ"كوفيد-19". اكتشاف أثار مخاوف العلماء فيما يخص انتقال الفيروس بين الحيوانات والبشر. وقد رُصِدت حالة إصابة شخص بالعدوى من غزال أبيض الذيل. كما ثبتت إمكانية انتقال العدوى إلى القطط والكلاب والرئيسات أيضًا. وما يزال الغموض يكتنف كيفية انتقال الفيروس بين الحيوانات والبشر، والخوف من اتخاذ الفيروس لأجسام الحيوانات حاضنة للتحور والتطور.
المصدر: National Geographic