لبنان
24 نيسان 2023, 13:20

مجلس كنائس الشّرق الأوسط أحيا ذكرى اختطاف مطراني حلب، والتّفاصيل؟

تيلي لوميار/ نورسات
أقيمت ندوة في مجلس كنائس الشّرق الأوسط، إحياء للذّكرى السنوية العاشرة لخطف مطراني حلب بولس يازجي ومار غريغوريوس يوحنا ابراهيم. وبعد النشيد الوطني، كانت كلمة لكاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الكاثوليكية البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان، تبعه بيان مشترك عن بطريركيتي أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس، ثم كلمة للأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط الدكتور ميشال عبس.

أحيا مجلس كنائس الشّرق الأوسط اليوم الذّكرى السّنويّة العاشرة لاختطاف مطراني حلب بولس يازجي ومار غريغوريوس يوحنا ابراهيم، بحيث كان الافتتاح بكلمة ألقاها كاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك ورئيس مجلس كنائس الشّرق الأوسط عن العائلة الكاثوليكيّة البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان قال فيها:

"اليوم نحن مجتمعون في هذا المكان، لكي نتذكّر سويّة الفاجعة الّتي وقعت منذ عشر سنوات على اختطاف إخوتنا المطارنة من جهة والكهنة الأجلّاء من جهة أخرى، الّذين منذ ذلك اليوم لم يعرف إلى ماذا آلت أحوالهم، غارقين في المجهول، تاركين ذويهم بقلب مكسور بعدم حصولهم على أيّ حقيقة عن غيابهم. وما يؤلم أكثر، هنالك بعض المسؤولين الّذين يعرفون الحقيقة ويخفونها، يخفون الحقائق الإجراميّة ويتفاخرون بالعفّة والعدالة. اليوم نعود ونجتمع مرّة أخرى  لنتذكّر أحبّاءنا المفقودين بحسرة وحزن عميق، مناشدين المراجع المختصّة المحلّيّة والدّوليّة بالبحث والبوح بمصير المطرانين المجهول حتّى يومنا هذا.

صرختي اليوم أوجّهها إلى الضّمائر الدّوليّة النّائمة الّتي تعودت منذ زمن بعيد بأن تكتفي بالمشاهدة لهذه الجرائم الدّوليّة وتبقى مكتوفة الأيدي، ساكتة على الإجرام. صرختي اليوم تذهب إلى أبعد من الماضي القريب. فمنذ مائة عام وأكثر بثمانية أعوام، ذبح أكثر من مليون ونصف المليون من الأرمن من أجل إيمانهم، ومنذ ذلك اليوم  والضّمير الدّوليّ في سكون، لم يتحرّك شعرة ولم يقم بإدانة أحد ولا العمل لإحلال العدالة لهذا الشّعب المظلوم. فها هو الماضي يعيد نفسه، وما جرى من قبل يتكرّر مرارًا حتّى يومنا هذا، وموقف الدّول الآمرة لم يتغيّر، فلا تحرّك ساكنًا ولا تهدّد مصالحها الشّخصيّة بل وتتوارى وتختفي وتعمل إلى ما يخدمها.

أستخلص من كلمتي، بأنّه لا أمل لنا سوى بيسوع المسيح، كما يقول لنا القدّيس بولس في رسالته الثّانية إلى كورنثوس: لأنّنا نعلم أنّه إن نقض بيت خيمتنا الأرضيّ، فلنا في السّماوات بناء من الله، بيت غير مصنوع بيد، أبديّ. فمهما آلت إليه أنفسنا من ضيقات وصعاب حتّى الموت فلا شيء باق، فيسوع مخلّصنا وفادينا بقيامته المجيدة أعطانا الرّجاء. لذا أودّ أن أختم دعائي هذا بأمل ورجاء مستذكرًا ما جاء في الرّسالة إلى العبرانيّين: لنتمسّك دائمًا بالرّجاء الّذي نعترف به، دون أن نشك بأنّه سيتحقّق، لأنّ الّذي وعدنا بتحقيقه هو أمين وصادق."

ثمّ تُلي البيان المشترك الصّادر عن بطريركيّتي أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس والسّريان الأرثوذكس للمناسبة.

وكانت بعدها كلمة لأمين عامّ مجلس كنائس الشّرق الأوسط جاء فيها: "خلف ستار الحقد وجوه أحبّة اختفت، توارت في الزّمان والمكان، في ظروف نجهلها، ولأسباب، في أكثر الأحيان، نجهلها. الإختفاء، الاختطاف، التّغييب، سمِّ الظّاهرة ما شئت، إنّما الفعل واحد، والفاعل واحد، والنّتائج متقاربة، أو واحدة. هكذا، وبكلّ بساطة، يكون الإنسان بين أهله وأحبّائه، وفجأة لا يعود. يصبح ذكرى، ولوعة، وشوقًا، وترقّبًا، وحتّى انتظارًا، يعرفهم من يكابدهم دون جدوى.عندما يكون الإنسان مغموسًا في نشاطات ذات طابع نزاعيّ، لا بدّ له أن لا يستبعد مصيرًا من هذا النّوع، الاختطاف أو التّغييب القسريّ. ولكن لماذا على من لم ينغمس في هذه المعمعة أن يصل إلى هذا المصير؟ هل هي الأضرار الجانبيّة لنزاعات الجماعات المتناحرة، المتناقضة، المتنابذة؟ أضرار جانبيّة، كم هو سهل وموجع هذا التّعبير في آن، معنى هذا الكلام أنّ الضّحايا البريئة هي أضرار رخيصة، حين لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. هي نتائج لا يحسب لها حساب حين يشتدّ صليل السّيوف أو أزيز الرّصاص أو دويّ المدافع. الأسير خلال المعركة يستفيد من القوانين المتّفق عليها عالميًّا، والّتي تحمي أسرى الحروب، أمّا المفقود، خطفًا أو تغييبًا فما يستفيد؟ أيّ حماية له، والّذي اختطفه أو غيّبه لا يعترف بذلك، ويحلّ نفسه تاليًا من أيّ مساءلة قانونيّة؟ خلال المعارك، لا يستطيع من اتّخذ أسرى، نكران وجودهم لديه، على ضوء المعاهدات الدّوليّة، أمّا الّذي أخذ "أسرى" خارج المعركة، عن طريق الخطف أو الاستدراج أو نصب المكائد، فما السّبيل إلى محاسبته؟ مساكين هم المفقودون، خطفًا وتغييبًا قسريًّا وغير ذلك من الأساليب. كلّ مرجعيّة سياسيّة أو اجتماعيّة ترمي وزرهم على الآخرين، وتغسل يديها بطريقة بيلاطسيّة، فلا يصل أهلهم وأحبّاؤهم إلى نتيجة.

إنّها درب جلجلة لا يعرف أحد نهايتها، لا بل يعرف الجميع نهاية من سلكها بحثًا عن عزيز اختفى في ظروف غامضة، موجعة ومهينة في آن، مشاهد الأهل يحملون صور من فقدوا، يواجهون بها من أولوه أمر البحث عنهم دون نتيجة. كيف يمضي هؤلاء النّاس أيّامهم ولياليهم؟ كيف يعيشون، كيف تمرّ السّاعات والأيّام والأشهر والسّنوات عليهم؟ كيف يتحمّلون السّكّين يتحرّك في الجرح كلّما ذكروا عزيزًا مغيّبًا أو كلّما تحرّكت الذّكريات؟ هذا إذا نعموا بلحظات من نسيان، إنّه الوجع الّذي ما بعده وجع، في الفترات الأولى من التّغييب، ينعم المحبّين ببعض الأمل، أمل عودة المحبوب ولو كان يحمل آثارًا نفسيّة وجسديّة للاحتجاز. إنّهم يقبلونه مهما كان وضعه الصّحّيّ، إنّهم مستعدّون للعلاج. المهمّ أنّهم ينتظرون بشكل أو بآخر أخبارًا قد تكون مفرحة أو قد تهدّئ من روعهم. أمّا عندما يطول الزّمان، فتختلط التّوقّعات بين الأخبار المفرحة وتلك الموجعة واللّااخبار. وتلك الأخيرة تضيف إلى الوجع عبء الضّياع، عبء السّير في صحراء من التيه، عبء الانتظار إلى ما لا نهاية. هنا تطرح مجموعة مختلفة من الأسئلة نفسها، ليس من جهة الضّحيّة، بل من جهة الجلّاد. كيف يستمرّ بحياته من مارس الخطف على مخلوق آخر مثله، خصوصًا إذا نكّل به قبل القتل أو مثّل به بعد القتل؟ ألا تسكن مخيّلته صور الأحداث الّتي كان هو "بطلها"؟ ألا تسكن ذاكرته أصوات الصّراخ والأنين وحشرجة الاحتضار؟ هل يتذكّر آخر نظرات ضحيّته قبل الإجهاز عليها؟ قد تكون هذه الأسئلة ساذجة إذا تذكّرنا أنّ من قام بهذا العمل هو مخلوق قد امتهن إذلال النّفس الإنسانيّة وإزهاق الرّوح البشريّة. ولكن لا بدّ من طرحها، لكي نسأل أيّ نوع من المخلوقات هو من يرتكب هكذا أفعال. نعم، يبدو أنّ الكائن البشريّ لا زال قادرًا على أن يتحوّل إلى مخلوق مستعدّ للتّجرّد من كلّ إنسانيّة، وممارسة أفعال لا تليق بمن هو من المفترض أنّه خلق على صورة الله ومثاله. هل ننسى الاستهزاء والجلد الّذين تعرّض لهم سيّد طريق الجلجلة؟ هل ننسى المسامير تنهش جسد السّيّد المتجسّد والحربة تنحره؟ المشهد ما زال يتكرّر منذ آلاف السّنين، ولا يبدو أنّه سوف يتوقّف، إذ يتحفنا الإعلام يوميًّا بمشاهد من كافّة أنحاء العالم تعود إلى قرون خلت.

ويلك أيّها الإنسان من "أخيك" الإنسان، إنّه يتحوّل، بجزء من الثّانية، إلى وحش خرج لتوّه من عصور بدايات البشريّة. الخطف أو الاحتجاز أو التّغييب، هذا القتل البطيء، لا بدّ أن يكون فاعله حاملاً أمراضًا نفسيّة يصعب علاجها، خصوصًا بعد تمادي هذا المخلوق بأفعاله الشّنيعة، إذ كلّما تمادى بهذا العمل كلّما أصبحت هذه الممارسات جزءًا من كيانه المرضيّ. قل لي أيّها المخلوق الصّغير، ما هو نوع الارتياح الّذي شعرت به عندما احتجزت كائنًا بشريًّا، ونكلت به وقضيت عليه؟ نحن، في مجلس كنائس الشّرق الأوسط، وانطلاقًا من إيماننا المسيحيّ، نرفض أيّ ممارسة من هذا النّوع ومهما كانت دوافعها أو أسبابها. إنّها أوّلاً، تجريد لإنسان من إنسانيّته، وثانيًا، امتهان لكرامته الإنسانيّة، وثالثًا، إهانة للجنس البشريّ برمّته. أبعد من القوانين والمواثيق الدّوليّة، مرجعنا هو الإنسان بقيمه وقيمته الاجتماعيّة الّتي لا تعبّر عنها كلمات، ولا تحدّها نصوص، لا قانونيّة ولا علميّة، بل ممارسات المحبّة الّتي عليها بني إيماننا المسيحيّ، والإنسانيّ طبعًا.

هذه النّدوة التّاسعة من ندوات الكرامة الإنسانيّة، حوّلنا فيها، ببركة وتوجيه قيادات المجلس، ذكرى خطف مطراني حلب إلى ذكرى نشمل فيها كلّ من خطف أو غيّب قسرًا، وعقدناها يوم الرّابع والعشرين من نيسان، يوم ذكرى الإبادة الأرمنيّة، الّتي ترافقت أيضًا مع إبادة مجموعات بشريّة كبرى من السريان والروم والأكراد والعلويّين واليزيديّين، في الأناضول وشمال المشرق الأنطاكيّ. كم مليون إنسان خطف وغيّب قسرًا قبل أن يقضي نحبه تحت أسنة القتلة هناك؟ لا أحد يجرؤ أن يعترف، بين تغييب الإمام المحبّب إلى قلوب اللّبنانيّين والمشرقيّين، وخطف حبري حلب المحبوبين من أهلهم في سائر المشرق الأنطاكيّ، خراب أمّة وتمزّقها وضياعها، وتشرّد شعبها في كلّ أصقاع المعمورة. من لبنان إلى الشّامّ إلى العراق، وقبلهم فلسطين، مسار الدّمار واحد لأنّ منبع التّآمر واحد والهدف لا لبس فيه. بين النّاس الموجوعة الّتي تعاني الأمرّين من غياب من فقدت، وقد ترحل من هذه الفانية حاملة حرقة الفقدان، والأحبّة المفقودين المجهولين المصير، ستار من حقد، لا يمكن أن ترفعه إلّا المحبّة، هذه القيمة العليا الّتي لم يتعلّمها الجلّادون من السّيّد الّذي غفر لجلّاديه على الصّليب. نخشى ما نخشاه أن يكون أمام البشريّة طريق طويل قبل أن تستحقّ رضى الرّحمن".