العالم
27 آب 2020, 13:30

مجلس الكنائس العالميّ والمجلس البابويّ للحوار بين الأديان "في خدمة عالم جريح"

تيلي لوميار/ نورسات
صدرت ظهرًا رسالة مشتركة لمجلس الكنائس العالميّ والمجلس البابويّ للحوار بين الأديان تحت عنوان "في خدمة عالم جريح في تضامن ما بين الأديان"، جاء فيها نقلاً عن "فاتيكان نيوز":

"كان لوباء فيروس الكورونا تأثير على المجتمع العالميّ بسرعة كبير وبقليل من الاستعداد من جانبنا. لقد غيّر بشكل مأساويّ الحياة اليوميّة لكلِّ فرد منّا، وكشف بقوّة الضّعف الّذي يتقاسمه جميع البشر. إنّ هذا الإدراك لضعفنا المشترك هو دعوة لأشكال جديدة من التّضامن تمتدّ عبر جميع الحدود. وبالتّالي في ساعة الأزمة هذه، نعترف بامتنان بالخدمة البطوليّة الّتي قدمها العاملون في مجال الرّعاية الصّحّيّة وجميع الّذين يقدّمون الخدمات، مخاطرين بصحّتهم، بغض النّظر عن هويّتهم. كما رأينا أيضًا بوادر ازدهار لتضامن النّاس مع المحتاجين، تتجلّى من خلال العمل التّطوّعيّ أعمال المحبّة.

يسعدنا أنّ المسيحيّين، وكذلك الأشخاص من جميع الأديان وذوي الإرادة الصّالحة، يتعاونون من أجل بناء ثقافة الرّحمة، والوصول إلى المحتاجين والضّعفاء من خلال المساعدة المادّيّة والنّفسيّة والرّوحيّة، على المستويين الفرديّ والمؤسّساتيّ. وبما أنّنا عائلة بشريّة واحدة، فنحن جميعًا مرتبطون كإخوة وأخوات، ونحن سكّان الأرض، بيتنا المشترك. كذلك يذكّرنا اعتمادنا على بعضنا البعض بأنّه لا يمكن لأحد أن يخلص بمفرده. وبالتّالي فهذا هو الوقت المناسب لكي نكتشف أشكالاّ جديدة من التّضامن ونعيد التّفكير في عالم ما بعد فيروس الكورونا. لأنّه بإمكان العلاقات بين الأديان أن تكون وسيلة قويّة للتّعبير عن التّضامن وبنائه، ولفتح أنفسنا أمام الموارد الّتي تأتي إلينا من خارج حدودنا، فإنّنا ندعو إلى التّفكير حول كيف يمكننا كمسيحيّين أن نصبح شركاء في تضامن مع جميع المؤمنين والأشخاص ذوي الإرادة الصّالحة في هذه الرّحلة نحو التّضامن، يلهمنا ويعضدنا الرّجاء الّذي نجده في تقاليدنا الخاصّة.

جميع النّاس لديهم آمال وأحلام، والرّجاء يوفّر القوّة لدعم إرادة الإنسان للعيش حتّى في الأوقات الصّعبة. وكمسيحيّين، نحن نرجو في ملكوت الله الموعود، حيث تتصالح الخليقة كلّها وترتبط مع بعضها البعض في عدالة وسلام. هذا الرّجاء يغيّر حياتنا، ويوجّهنا إلى ما وراء العالم الحاضر، وفي الوقت عينه يقودنا إلى اتّباع المسيح في خدمة هذا العالم وازدهاره. نتيجة لذلك، يُدعى جميع المسيحيّين للعمل معًا والتّعاون مع أتباع التّقاليد الدّينيّة الأخرى من أجل تحقيق رجائنا في عالم موحّد يسوده العدل والسّلام. إنَّ الرّجاء هو ميزة أساسيّة لجميع الأديان. وعلى مدار تاريخ البشريّة، نعلم أنّ الرّجاء الدّينيّ قد ألهَم غالبًا المؤمنين لكي يعتنوا، بالحبّ والرّحمة، بالّذين يعانون بسبب مآسي الحالة البشريّة. واليوم، نحن نحتاج إلى قيم أخلاقيّة وروحيّة عالميّة ومشتركة لنبعث رجاء جديدًا في العالم الّذي دمَّره الوباء. وبالتّالي يمكن للأديان في هذا الصّدد، أن تقدّم مساهمة ثمينة لإيقاظ البشريّة مجدّدًا وتوجيهها في بناء نظام اجتماعيّ جديد على المستويات المحلّيّة والإقليميّة والوطنيّة والدّوليّة. وينبغي على هذه الرّؤية الجديدة أن تقوم على أساس وحدة العائلة البشريّة وكذلك على تراث القيم الأخلاقيّة المشتركة بين جميع البشر.

وتتابع الرّسالة كمسيحيّين، نحن نرى أساس التّضامن بين الأديان في إيماننا بالله الّذي هو واحد في ثلاثة أقانيم، الآب والابن والرّوح القدس: جميع البشر قد خُلقوا من الله الواحد، الآب، الّذي لديه المخطّط الصّالح بالنّسبة لهم. ونحن أخوات وأخوة، مرتبطون بالحبّ وبكرامة متساوية لا يجب علينا اكتسابها. كذلك فإنّ ثقتنا ورجاءنا هما في يسوع المسيح الّذي يشفينا بواسطة جراحه. وبالتّالي في يسوع المسيح، نحن نواجه الألم وجهًا لوجه بدون أن نفقد رجاءنا الرّاسخ. إنّ شفقة السّامريّ الصّالح هي الّتي تسمح لنا برؤيته على أنّه صورة للمسيح، الّذي يضمّد جراح العالم. كذلك نرى أيضًا المسيح في الإنسان الجريح الملقى على جانب الطّريق، لأنّنا في معاناة أخواتنا وإخوتنا، نرى وجه المسيح المتألّم. هذا الفهم لتألُّم المسيح مع البشريّة جمعاء يتحدّانا نحن المسيحيّين لكي ندرك أنّ كلّ المعاناة تحمل الكرامة عينها والمطالبة عينها بالشّفاء، وبالتّالي حتّى "واحد من هؤلاء الصّغار" لا يمكننا تركه وراءنا.

عندما نتضامن مع الآخرين، نكون مرتبطين بعمل الرّوح القدس، الرّوح الّذي "يهب حيثما يشاء". وعندما نتوجّه إلى الآخرين، ولاسيّما إلى شخص محتاج، على مثال السّامريّ الصّالح، قد نندهش ونتواضع لأنّنا سوف نرى الله يعمل. وكقوّة روحيّة توجّهنا نحو الله في الصّلاة ونحو الآخرين في الخدمة والتّضامن، يربطنا الرّوح بطريقة خاصّة مع جميع المؤمنين من مختلف الدّيانات، ويمدّنا بالنّعم الّتي يجب علينا استخدامها لكي نبني الآخرين. وينعكس إيماننا بأهمّيّة السّير في هذا المسار معًا في حقيقة أنّ مجلس الكنائس العالميّ والمجلس البابويّ للحوار بين الأديان قد كتبا هذه الوثيقة معًا. ونعتقد أنّ كلّاً من عمليّة تصوّرها ومحتواها يعكسان انفتاحنا ومسؤوليّتنا كمسيحيّين للانخراط في حوار مع المؤمنين من التّقاليد الدّينيّة الأخرى. ولذلك نحن نعترف بالمبادئ التّالية لكي ترشدنا في عمل خدمة بعضنا البعض في عالم جريح، مع جميع المؤمنين والأشخاص ذوي الإرادة الصّالحة: التّواضع والهشاشة؛ الاحترام؛ الجماعة؛ الشّفقة والخير العامّ؛ الحوار والتّعلّم المتبادل من بعضنا البعض، التّوبة والتّجديد؛ الامتنان والكرم؛ والحبّ.

ندعو جميع المسيحيّين إلى خدمة الآخرين والعمل معهم، مع مراعاة التّوصيات التّالية: البحث عن طرق للشّهادة للمعاناة والألم، تعزيز ثقافة إدماج تعترف بالاختلافات كعطيّة من الله، لمواجهة جميع علامات التّفرّد الّتي نراها اليوم في مجتمعاتنا على مختلف المستويات. تعزيز التّضامن من خلال الرّوحانيّة، مع الأخذ بعين الاعتبار كيف يمكن للممارسات الرّوحيّة التّقليديّة مثل الصّلاة والصّوم وإنكار الذّات والصّدقة أن تتداخل بشكل أعمق مع الوعي باحتياجات العالم الأوسع ودعوتنا للتّضامن مع المتألّمين. توسيع التّنشئة لجميع الأشخاص على جميع المستويات من أجل تعزيز التّعاطف وتزويدهم بأفضل المعارف والأدوات للعمل من أجل بشريّة جريحة بالتّعاون مع الآخرين؛ إشراك الشّباب ودعمهم، وخلق مساحة للحوار وإعادة هيكلةِ مشاريع وعمليّات من أجل التّضامن بين الأديان.

يمكّن التّضامن المسكونيّ وبين الأديان التزامنا الدّينيّ من أن يصبح عاملاً يوحّد النّاس بدلاً من أن يفرّقهم. فعندما نعمل جنبًا إلى جنب مع مؤمنين من ديانات أخرى وأشخاص ذوي إرادة صالحة، فإنّنا نمثل السّلام والعدالة والتّرابط، هذه الأمور الّتي تقوم في جوهر قناعاتنا الإيمانيّة، فيما نعيد في الوقت عينه خلق هذه القيم وتعزيزها. بالنّسبة للمسيحيّين، يشكّل التّضامن بين الأديان طريقة لكي يعيشوا وصيّة يسوع المسيح لمحبّة الآخرين، وأيضًا للعمل مع الآخرين في السّعي إلى السّلام الّذي هو رغبة ومشيئة الله للعالم. إنَّ النّموّ في الحبّ إزاء الّذين نساعدهم، والّذين نتساعد معهم، والّذين يساعدونا، يخلق لنا العديد من الطّرق لكي نعيش بشكل كامل ما خلقنا الله لنكونه: حاملين للصّورة الإلهيّة، ومشاركين لهذه الصّورة مع الآخرين. وبالتّالي في الوقت الّذي نفتح فيه أنفسنا على خدمة عالم جرحه فيروس الكورونا من خلال تضامن مسكونيّ وما بين الأديان، يمكننا أن نستمدّ قوّتنا من المثال الّذي نتبعه، يسوع المسيح، الّذي لم يأت ليُخدَم بل ليَخدُم. وإذ نتشبّه بمحبّة السّامريّ الصّالح وسخائه، دعونا نسعى لكي ندعم الضّعفاء، ونعزّي الحزانى، ونخفّف ألم الأشخاص ومعاناتهم، ونضمن الكرامة للجميع. لكي نتمكّن من خلال فتح قلوبنا بالحوار وفتح أيدينا بالتّضامن، من أن نبني معًا عالمًا مطبوعًا بالشّفاء والرّجاء."