الأراضي المقدّسة
17 كانون الأول 2021, 12:15

متأمّلاً بلقاء مريم وأليصابات، هذا ما يقوله البطريرك بيتسابالا!

تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة الأحد الرّابع من زمن المجيء، يتوقّف بطريرك القدس للّاتين عند الحدث الّذي يلي البشارة، حدث "الزّيارة"، أيّ اللّقاء بين مريم العذراء ونسيبتها إليصابات والّذي يُدخلنا في أسبوع الميلاد.

وفي هذا السّياق، كتب بيتسابالا متأمّلًا، نقلاً عن إعلام البطريركيّة:

"يروي لنا المقطع الإنجيليّ لهذا الأحد (لوقا ١: ٣٩– ٤٥) قصّة اللّقاء بين مريم العذراء وأليصابات. ندخل مع هذا المقطع في أسبوع الميلاد، لذا نُصغي إليه بانتباه خاص تاركين للكلمة أن ترافقنا كي نستقبل في حياتنا الرّبّ الآتي.

نحن أمام الحدث الّذي يلي البشارة. وهو حدث مهمّ وبوسعنا القول إنّ البشارة هي تمهيد للزّيارة. البشارة هي الأساس والوعد. إنّ اللّقاء مع الرّبّ أساس إمكانيّة لقاء الإنسان مع أخيه الإنسان والعيش معه لقاءات وعلاقات حقيقيّة. إنّ الإنسان الّذي يستقبل الرّبّ يتفتّح وينضج، ويبدأ مسيرة دون خوف. يعيش واثقًا من أنّ الرّبّ سيكون معه. وهذا ما يغيّر الحياة ويبدّلها تبديلاً.

يمكن مقارنة قصّة البشارة الّتي حصلت مع مريم مع ما جرى لزكريّا. هذا الأخير لا يؤمن، ويطلب علامات تجعله يصدّق. وكان نتيجة هذا التّصرّف أنّ زكريّا أصبح أصمًّا منعقد اللّسان ومنغلقًا على نفسه. أمّا مع مريم، فحصل العكس تمامًا. تبدأ طريقة جديدة للعيش نستدلّ عليها من كلمة "مُسرعة" في الآية ٣٩.

"مُسرعة" هي كلمة فصحيّة تدلّ على الضّرورة الملحّة وفيض الحياة الّتي تملأ الّذين نالوا الخلاص. إنّ ارتكاض يوحنّا في بطن أمّه (لوقا١: ٤١) يشبه إسراع مريم الّتي شعرت بخلاص الله وذهبت للقاء الآخر.

تلتقي مريم، الّتي بلَغَتها وغيَّرتها نعمة الله، بأليصابات الّتي عاشت نفس الخبرة.

أيّة خبرة؟ إنّها خبرة جعل الله فيها أحشاء مريم وأليصابات مثمرة بطريقة لا يقدر عليها إلّا الله. هذا هو الخلاص.

وعندما يتمّ خلاصنا بهذه الطّريقة، سنَفهم بعضنا بعضًا دون الحاجة إلى كلمات أو تفسيرات كثيرة. لا تقول مريم شيئًا غير إلقاء التّحيّة (لوقا ١: ٤٠)، إلّا أنّ أليصابات تملك في داخلها مقاييس أخرى لقراءة حياة مريم.

يؤكّد النّصّ الإنجيليّ أنّها كانت ممتلئة بالرّوح القدس وبذلك كانت كلماتها نبويّة قادرة على تفسير علامات حضور الله في مريم. لا تدعوها مطلقًا بإسمها ولكن تشير إليها بثلاثة أوصاف تدلّ على علاقتها بالله وما صنعه فيها. هذه هي النّظرة الجديدة للمؤمنين والطّريقة الجديدة الّتي يجتمع المؤمنون من خلالها.

قبل كلّ شيء، تقول أليصابات إنّ مريم مباركة (لوقا ١: ٤٢). تقترن البركة في الإنجيل دائمًا بهبة الحياة لأنّ الله وحده هو من يكثّرها ويحفظها. كما ويقوم بذلك من خلال كلمته الخلّاقة. ترى أليصابات مريم في عمل الله هذا، وفي زخم النّعمة الّتي بدأت مع خلق العالم والّتي لم تفشل أبدًا.

بعد ذلك تدعو أليصابات مريم بـ"أم ربّي" (لوقا ١: ٤٣). لم تعد مريم مجرّد امرأة لها اسم. لقد أصبح اسمها وهويّتها الآن يرتبطان بكونها أمّ. لهذا السّبب تعرّفت عليها أليصابات وتحدّثت عنها في نبوءتها. ولكنّها ليست كأيّ أمّ أُخرى، بل أمّ "ربّي". إذًا، كانت أليصابات الشّخص الأوّل الّذي ينادي في الإنجيل بكلمة "kurios"، أيّ ربّ. كما هو اسم المسيح القائم من بين الأموات والّذي انتصر على الموت.

كما أنّ مريم ليست أمّ الرّبّ فقط، بل أمّ "ربّي". إنّها أمّ الرّبّ الّذي خلّصني ونزع عنّي الخزي وأنعم عليّ برحمته.

وفي النّهاية تتكلّم أليصابات عن مريم "التي آمنت" (لوقا ١: ٤٥). إنّ عمل الله هو أن يبارك ويخلّص بينما عمل الإنسان هو الإيمان بالله الّذي يبارك ويُخلّص. فور حدوث ذلك، يكون الإنسان مباركًا ويعيش إنسانيّته بشكل كامل. ومريم مثال على ذلك. هي امرأة جديدة وضعت ثقتها وآمنت أنّ عمل الله فيها هو بركة وحياة.

يتوقّف نصّ اليوم هنا، لكن الإنجيل يستمرّ بنشيد "تُعظّم نَفسي الرّبّ". إنّ مريم، الّتي وصفتها قريبتها أليصابات أنّها أمّ الرّبّ، بدأت بالنّشيد. إنّه نشيد يُعظّم عمل الرّبّ في التّاريخ. هو عمل فصحيّ ومحيّر، لا يراه إلّا الّذين يتمتّعون بالإيمان. من يتمتّع بالإيمان يرى مسبقًا هذا العالم الجديد تمامًا كما ترى أليصابات الرّبّ يسوع مختبئًا وحاضرًا في أحشاء مريم.

لقد اقترب ميلاد يسوع. بين أيدينا فرصة لنستقبله تمامًا كما استقبلت أليصابات مريم بنظرة الإيمان الّتي مكّنتها من رؤية بركة الله مجدّدًا في عمل التّاريخ، بفضل مجيئه.

وعلى غرار اليصابات، حبّذا لو نلنا من خلال مجيء الرّبّ هبة الاندهاش والفرح."