الأراضي المقدّسة
14 شباط 2025, 09:45

ما هي التّطويبة الّتي تلخّص جميع التّطويبات؟

تيلي لوميار/ نورسات
"يروي مقطع الإنجيل لهذا الأحد السّادس من الزّمن العاديّ (لوقا ٦: ١٧؛ ٢٠-٢٦) تعليم يسوع حول التّطويبات. لقد وضع الإنجيليّ هذا التّعليم في مكان مستوٍ، بل بالأحرى، في موضع ينزل إليه يسوع (لوقا ٦: ١٧). لقد كان على الجبل، حيث صلّى، وحيث اختار ودعا تلاميذه (لوقا ٦: ١٢). والآن ينزل، ويتوقّف في السّهل، حيث يجد جموعًا غفيرة من النّاس في انتظاره."

هكذا بدأ بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا تأمّله بإنجيل الأحد السّادس من الزّمن العاديّ، إنجيل لوقا ٦: ١٧؛ ٢٠-٢٦، مستخلضًا على ضوئه التّطويبة الّتي تلخّض جميع التّطويبات، ألا وهي معرفة الرّبّ.

وفي هذا السّياق شرح قائلًا بحسب موقع بطريركيّة القدس للّاتين: "إنّهم في الغالب أناس فقراء: مرضى، جياع، ممسوسون بأرواح شرّيرة. أناس مجروحون بالحياة (لوقا ٦: ١٨-١٩).

لا يبدأ يسوع بشفائهم أو مساعدتهم، بل ينزل إليهم ويقيم بينهم. لم يأتِ أوّلًا ليغيّر حياة النّاس بحلّ مشاكلهم وشفائهم دائمًا، بل نزل ليكون معهم ويصير واحدًا منهم.

ينزل يسوع، يتوقّف، ثمّ يبدأ في شفائهم. لا يبدأ إذن بعمله العجائبيّ، الّذي يحرّرهم من أمراضهم المختلفة، بل بكلمة تمنحهم نظرة جديدة إلى حياتهم.

هذه النّظرة الجديدة تتجلّى في أربع تطويبات وأربعة "ويلات" مقابلة: طوبى لكم أيّها الفقراء، طوبى لكم أيّها الجياع، طوبى لكم أيّها الباكون، طوبى لكم إذا اضطهدوكم (لوقا ٦: ٢٠-٢٢). وبالمقابل، ويل لكم أيّها الأغنياء، ويل لكم أيّها الشّباعى، ويل لكم أيّها الضّاحكون، الويل لكم إذا مدحكم النّاس (لوقا ٦: ٢٤-٢٦).

في الكتاب المقدّس، هناك تطويبة واحدة عظمى تلخِّص جميع التّطويبات الموجودة في العهدين القديم والجديد، وهو معرفة الرّبّ.

هذه هي دعوتنا، وسعادتنا الكبرى: أن نعرفه. هذه هي الطّوبى الحقيقيّة.

يرى يسوع في هؤلاء النّاس الواقفين أمامه أوّل من يستحقّون هذا الوعد بالسّعادة، يرى أناسًا وُضِعوا في موقف يمكّنهم من معرفة الله. لن يعرفوه لأنّ مصيرهم سيتغيّر نحو الأفضل، بل ببساطة لأنّه نزل بينهم، ولأنّه، بنزوله إلى أعماق الإنسانيّة، وجدهم بانتظاره، برغبتهم في سماعه وترك أنفسهم ليخلّصهم. وهناك توقّف.

إذًا، لا يقول يسوع طوبى للفقراء لأنّهم سيصبحون أغنياء، فهذه ليست العدالة الّتي جاء ليبشِّر بها. فلو كان الأمر كذلك، لكانت عدالة بشريّة محضة، تقلب الأوضاع فتصنع أغنياء وفقراء جدد، ولن يكون هناك شيء جديد حقًّا.

طوبى للفقراء لأنّ لهم ملكوت السّموات، أيّ لأنّهم قادرون على معرفة الله. إذًا، الطّوبى لأولئك الّذين وضعتهم الحياة في موضع يمكنهم فيه من معرفة الله. إنّها خبرة أنّ الله هو واهب الحياة، وأنّه الوحيد القادر على ذلك.

طوبى لمن جعلتهم الحياة يدركون أنّ كلّ مكان نبحث فيه عن الحياة يكشف في النّهاية عن خداعه: الثّروة، الشّبع، الفرح، الشّرف، الشّهرة... هذه الأمور ليست سلبيّة أو خاطئة في حدّ ذاتها، لكنّها عاجزة عن منح الحياة الأبديّة، لأنّها تحبس الإنسان في حالة يظنّ فيها أنّ كلّ شيء قد تحقّق، فلا يبقى شيء للانتظار أو الرّجاء.

طوبى لمن يدرك أنّ الحياة تحمل معنى آخر أيضًا، وينتظر هذا المعنى من الله، بثقة. وغالبًا ما تأتي هذه القناعة بعد تجرّد ومعاناة. ومن يتألّم، لا تكون "الطّوبى" بسبب الألم، بل لأنّ هذا الألم هو مدرسة ثمينة للحقيقة: الحقيقة الّتي تقول ألا نكتفي بأنفسنا، ولا نستطيع بمفردنا، وأنّ شباكنا ستبقى فارغة حتى بعد ليلة من التّعب، كما رأينا في الأحد الماضي (لوقا ٥: ٥). وهناك ينزل الرّبّ ويتوقّف."