الفاتيكان
19 تشرين الأول 2023, 11:15

ما هو سرّ شارل دو فوكو؟

تيلي لوميار/ نورسات
عند سرّ حياة هذا القدّيس الّذي جعل من يسوع والإخوة الأشدّ فقرًا شغف حياته، توقّف البابا فرنسيس خلال المقابلة العامّة صباح الأربعاء، مواصلاً تعليمه الأسبوعيّ حول الغيرة الرّسوليّة في إعلان الإنجيل.

وعن هذه الشّخصيّة الّتي وصفها بـ"نبوءة العصر"، قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "نواصل في لقائنا مع بعض المسيحيّين الشّهود الممتلئين بالغيرة في إعلان الإنجيل. وأريد اليوم أن أحدّثكم عن رجل جعل من يسوع والإخوة الأشدّ فقرًا شغف حياته. أتحدّث عن القدّيس شارل دي فوكو الّذي، انطلاقًا من خبرته العميقة لله، قام بمسيرة تحوّل جعلته يشعر بأنّه أخ الجميع.

ما هو "سرّ" شارل دي فوكو وسرُّ حياته؟ بعدما عاش شبابه بعيدًا عن الله ولم يؤمن بشيء سوى بالبحث الفوضويّ عن المتعة، يخبر صديقًا له غير مؤمن، كشف له بعد أن تاب وقبل نعمة مغفرة الله في الاعتراف، عن سبب وجوده. ويكتب: "لقد فقدت قلبي من أجل يسوع النّاصريّ". يذكّرنا الأخ شارل بأنّ الخطوة الأولى للبشارة هي أن يكون يسوع داخل قلبك، وأن تكون قد "فقدت عقلك" من أجله. وإذا لم يحدث ذلك، من الصّعب أن نتمكّن من أن نظهر ذلك بحياتنا. ولكنّنا سنخاطر بأن نتحدّث عن أنفسنا، أو عن مجموعتنا، أو عن أخلاق، لا بل أسوأ من ذلك عن مجموعة من القوانين، ولكن ليس عن يسوع، أو محبّته، أو رحمته.

أمّا شارل فبلى، لدرجة أنّه انتقل من الانجذاب ليسوع إلى التّشبّه بيسوع. وإذ نصحه معرِّفه، ذهب إلى الأرض المقدّسة لكي يزور الأماكن الّتي عاش فيها الرّبّ ولكي يسير على خطا المعلِّم. وفي النّاصرة، بشكل خاصّ، فهم أنّه عليه أن يتنشّأ في مدرسة المسيح. فعاش علاقة قويّة مع الرّبّ، وقضى ساعات طويلة في قراءة الأناجيل وكان يشعر بأنّه أخوه الصّغير. وإذ تعرّف على يسوع، ولدت فيه الرّغبة في أن يجعل الآخرين يتعرّفون عليه. وهذا الأمر يحصل على الدّوام؛ عندما يتعرّف أحدنا أكثر على يسوع تولد فيه الرّغبة في أن يجعل الآخرين يتعرّفون عليه وفي أن يتشارك هذا الكنز معهم. وفي تعليقه على رواية زيارة العذراء مريم للقدّيسة أليصابات، يجعله يقول: "لقد أعطيت نفسي للعالم… إحملوني للعالم". نعم، ولكن كيف يمكننا أن نفعل ذلك؟ مثل مريم في سرِّ الزّيارة: "بصمت، بالمثال، وبالحياة". بالحياة، لأنّه وكما يكتب الأخ شارل "يجب على حياتنا بأسرها أن تعلن الإنجيل بأعلى صوتها".

ثمّ قرّر أن يستقرّ في مناطق بعيدة لكي يعلن الإنجيل في الصّمت، يعيش في روح النّاصرة، في الفقر والخفاء. فذهب إلى الصّحراء بين غير المسيحيّين، ووصل إلى هناك كصديق وأخ، حاملاً وداعة يسوع الإفخارستيّا. لقد سمح شارل ليسوع بأن يعمل بصمت، مقتنعًا بأنّ "الحياة الإفخارستيّا" تبشّر. لقد كان يؤمن في الواقع أنّ المسيح هو المبشّر الأوّل. ولذلك كان يصلّي عند قدمي يسوع، أمام بيت القربان، لنحو عشر ساعات في اليوم، مع اليقين بأنّ القوّة المُبشِّرة تكمن هناك والشّعور بأنّ يسوع هو الّذي يقرّبه من العديد من الإخوة البعيدين. ونحن، أتسائل، هل نؤمن بقوة الإفخارستيّا؟ هل يجد ذهابنا للقاء الآخرين وخدمتنا لهم بدايتهما وتمامهما في السّجود والعبادة؟

"كلّ مسيحيّ هو رسول" كتب شارل دي فوكو إلى صديق، مذكّرًا إيّاه بأنّه "هناك حاجة بالقرب من الكهنة، إلى علمانيّين يرون ما لا يراه الكاهن، ويبشّرون بقرب المحبّة وصلاح للجميع، وبمودّة مستعدّة دائمًا لكي تبذل نفسها". بهذه الطّريقة، يستبق شارل زمن المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، ويدرك أهمّيّة العلمانيّين، ويدرك أنّ إعلان الإنجيل هو من واجب شعب الله بأكمله، ولكن كيف يمكننا أن نُنمِّيَ هذه المشاركة؟ مثلما فعل شارل دي فوكو: من خلال الرّكوع على ركبتينا وقبول عمل الرّوح القدس الّذي يلهم دائمًا طرقًا جديدة للمشاركة واللّقاء والإصغاء والحوار، دائمًا في التّعاون والثّقة، ودائمًا في شركة مع الكنيسة ومع الرّعاة.

إنَّ القدّيس شارل دو فوكو، شخصيّة هي نبوءة لعصرنا، قد شهد لجمال نقل الإنجيل من خلال العمل الرّسوليّ للوداعة: لقد كان يشعر بأنّه "أخ عالميّ" وكان يستقبل الجميع، وهو يُظهر لنا قوّة الوداعة والحنان التّبشيريّة. ولا ننسينَّ أنّ أسلوب الله هو ثلاث كلمات: القرب والرّحمة والحنان. الله هو على الدّوام قريب ورحيم وحنون. ويجب على الشّهادة المسيحيّة أن تسير على هذا الدّرب: درب القرب والرّحمة والحنان. وهكذا كان شارل دو فوكو لطيفًا وحنونًا؛ وكان يرغب في أن يرى كلّ من يلتقي به، من خلال صلاحه، صلاح يسوع، وكان يقول إنّه في الواقع "خادم لشخص أفضل مني بكثير". لقد قاده عيش صلاح يسوع لكي يوثِّق روابط أخويّة وصداقات مع الفقراء، ومع الطّوارق، ومع البعيدين عن عقليته. وشيئًا فشيئًا، ولَّدت هذه الرّوابط الأخوَّة والإدماج وتثمين ثقافة الآخر.

إنَّ الصّلاح بسيط ويتطلّب منّا أن نكون أشخاصًا بسطاء لا يخافون من أن يعطوا ابتسامة. وبابتسامة، وببساطته، كان الأخ شارل يشهد للإنجيل. ولم يكن يقوم بذلك بواسطة الاقتناص وإنّما بواسطة الشّهادة والجذب، بالوداعة المسيحيّة والحنان المسيحيّ والرّحمة المسيحيّة والقرب المسيحيّ."