ما هو الطّريق الّذي يدعو إليه يوحنّا المعمدان؟
وفي هذا التّأمّل، قال بيتسابالا نقلاً عن موقع البطريركيّة الرّسميّ: "في اللّحظات الصّعبة، عندما ننتظر ونأمل المساعدة الّتي ستأتي بطريقة ما، هناك دائمًا شخص يرى الطّريق إلى الخلاص أوّلاً.
الشّخص الّذي نقّى نظرة القلب مستمدّها من الكلمات الّتي تأتي من بعيد، ولهذا السّبب وحده، قادر على إنارة طريق جديد.
لديه مهمّة محدّدة وجوهريّة: تحذير الجميع ممّا سيحدث، حتّى يدركه أيضًا أولئك الّذين لم يبصروا بعد، ويفتحون أعينهم، ويستيقظون من سباتهم. آملين أن يستيقظوا من جديد التّوقّعات الّتي يأملونها في داخلهم.
مهّمته حاسمة، مثل مهمّة البوّاب المذكورة في إنجيل الأحد الماضي (مر 13، 34): فهو أوّل من يرى عودة السّيّد، ويحذّر جميع من في المنزل.
تاريخ الخلاص مليء بهؤلاء الأنبياء، الّذين يعلنون عودة الله لتجديد العهد مع شعبه. في كثير من الأحيان لا يتمتّعون بحياة سهلة، لأنّ الانفتاح على أشياء جديدة يتطلّب وعيًا عميقًا بما يعيش هناك، وهو ما قد لا يفهمه الآخرون. ولهذا السّبب تمّ رفض واستبعاد الكثير منهم؛ حتّى أنّ البعض قُتل.
في إنجيل اليوم (مرقس 1، 1-8) هذا "الحارس" هو يوحنّا. نحن في بداية إنجيل مرقس، وهي البداية الّتي تذكّرنا بالبداية الأولى لتاريخ الخلاص. في الواقع، الكلمة الأولى هي بالتّحديد "بدء". (مرقس 1، 1).
فالحقيقية، في الواقع، تبدأ من العودة إلى البداية، إلى الأساس: وهذا ما دُعي الأنبياء إليه.
ما هو هذا الأساس الّذي سيبنى عليه البيت كلّه بعد ذلك؟
الأساس هو الكلمة الّتي تكلّم بها الله على مرّ القرون والّتي تحقّقت الآن.
ليست مجرّد كلمة واحدة، بل مجموعة من المقاطع الكتابيّة الثّلاثة الّتي أوحيت وكتبت للتّعبير عن كلّ عن الأحداث: نجد في سفر الخروج (خروج 23، 20)، حيث يظهر الملاك الّذي يرسله الله لشعبه ليرافقهم ويرشدهم في رحلتهم نحو أرض الموعد؛ الآية من النّبيّ ملاخي (ملا 3: 1)، تذكّرنا بأنّ الشّعب في طريقه ليس فقط نحو أرض الموعد، بل أيضًا نحو يوم الدّينونة العظيم والرّهيب. ثمّ هناك النّبيّ إشعياء (أش 40: 3) الّذي يعلن التّحرّر من العبوديّة وبدء خروج جديد يعيد الشّعب إلى أرض الموعد.
كلّ هذا يحدّد إذن رسالة يوحنّا، الّتي يجب أن تفتح الباب لشيء جديد، لنقطة تحوّل نهائيّة في تاريخ الله مع شعبه: إنّ إعلان الحرّيّة الّذي تردّد عبر القرون على وشك أن يتحقّق، من دون اضاعة الفرصة الّتي تحدّثنا عنها يوم الأحد الماضي.
يجب على يوحنّا أن يستمع "فقط" إلى الكلمة ويجعلها تتعمّق في داخله، وأن يخبر بالإعلان الّذي تلقّاه.
أين يفعل هذا؟
على الرّغم من كونه من السّبط الكهنوتيّ، إلّا أنّ يوحنّا لا يبشّر في الهيكل، بل في البرّيّة (مر 1: 3): ليست الطّقوس، ولا الذّبائح الّتي تعطي الخلاص، بل القلب الّذي يسمع ويتوب، القلب الّذي يثق ويقبل كلّ شيء من الله.
وإذا كانت الكلمة الأساسيّة يوم الأحد الماضي هي "بيت"، فإنّ الكلمة الّتي تتكرّر اليوم هي تلك الّتي تشير إلى الطّريق وقد تكرّرت 3 مرّات (مرقس 1، 2-3).
إنّ دعوة المعمدان هي العودة إلى الطّريق، تمامًا كما يفعل سكّان اليهوديّة وأورشليم (مر 1، 5) الّذين يندفعون نحو الأردنّ. إنّها رحلة جسديّة، ولكنّها أيضًا رحلة داخليّة، رحلة الّذين يغوصون في أعماق قلوبهم ويكتشفون الحاجة إلى التّوبة.
قد تكون هذه التّوبة هي الطّريق إلى "إعداد" طريق الرّبّ (مر 1: 3).
عندما يصل الإمبراطور أو أيّ شخص مهمّ إلى مدينة، يتمّ إعداد الشّوارع، وإذا لزم الأمر، يتمّ إعادتها من جديد: لتكون الشّوارع مستقيمة وليست ملتوية، بحيث يكون وصول الملك أسرع. هذه هي دعوة المعمدان، الّذي يقول لنا اليوم: إنّه ليس بملك، بل هو الرّبّ نفسه آتٍ.
لا يأتي مثل الأقوياء الّذين يأتون ليطلبوا ويأخذوا: بل على العكس، جاء ليمنحنا روحه.
لذلك، أعدّوا له السّبل، عالمين أنّه ليس بالضّرورة فعل أشياء عظيمة، بل أن نعيد اكتشاف المبدأ، الأساس، أو بالأحرى الحوار مع الرّبّ، الّذي يأتي ليكشف لنا طريق رحمته، ويفتح لنا طريق الرّجوع إليه."