أوروبا
26 أيلول 2023, 06:30

ما كان أبرز ما صرّح به البابا فرنسيس في طريق العودة من مرسيليا؟

تيلي لوميار/ نورسات
في طريق عودته من مرسيليا إلى روما مساء السّبت، عقد البابا فرنسيس مؤتمرًا صحفيًّا على متن الطّائرة، حاور خلاله الصّحفيّين الّذين رافقوه في زيارته الرّسوليّة إلى المدينة الفرنسيّة، متطرّقًا إلى مواضيع عديدة.

وجاء في تفاصيل المؤتمر كما نشره موقع "فاتيكان نيوز" ما يلي:

"ماتيو بروني

مساء الخير يا صاحب القداسة، مساء الخير للجميع. شكرًا على هذا الوقت الّذي تخصّنا به خلال رحلة العودة. كانت زيارة ممّيزة تمكّنت خلالها، كما قال نيافته، من الشّعور بعاطفة الفرنسيّين الّذين جاءوا للصّلاة معك. لكن أعتقد أنّ هناك بعض الأسئلة الّتي يودّ الصّحفيّون أن يطرحوها عليك. ربّما لديك ما تقوله لنا.

 

البابا فرنسيس

مساء الخير وشكرًا جزيلاً على عملكم. قبل أن أنسى أودّ أن أقول أمرين. أعتقدُ أنّ هذه هي آخر رحلة يقوم بها روبرتو بيلّينو الّذي سيتقاعد (تصفيق). شكرًا، شكرًا، شكرًا. أمّا الأمر الثّاني، اليوم هو عيد ميلاد رينو، رينو الّذي يفوق كلّ وصف (تصفيق). إنّهم المشجّعون! الآن تفضّلوا بطرح الأسئلة.

 

رافايل شابيرا   France Televisions

صاحب القداسة، مساء الخير. لقد بدأت حبريّتك من لامبيدوزا، مندّدًا باللّامبالاة. وبعد عشر سنوات تطلب من أوروبا أن تكون متضامنة. عشر سنوات وأنت تكرّر الرّسالةَ نفسها. أهذا يعني أنّك فشلت؟

 

البابا فرنسيس

أنا أقول لا. أقول إنّ النّموّ سار ببطء. ثمّة اليوم وعي حيال مشكلة الهجرة. ثمّة إدراك. وثمّة وعي بشأن الطّريقة الّتي وصلنا بها إلى هنا. وكأنّها مشكلة كبيرة لا أحد يعرف كيف يتعامل معها. لقد قالت أنجيلا ميركيل مرّة إنّ المشكلة تُحلّ من خلال التّوجّه إلى أفريقيا، ومن خلال الحلول في أفريقيا، والارتقاء بالشّعوب الأفريقيّة. لكن حصلت أمور بشعة. أمور بشعة جدًّا، حيث أعيد المهاجرون إلى حيث أتوا، كما يحصل في كرة الطّاولة. ومن المعروف أنّهم غالبًا ما ينتهون في مخيّمات اعتقال، وتكون أوضاعهم أسوأ من قبل. لقد تابعتُ حياة شابّ يُدعى محمود، حاول الخروج منها، وفي آخر المطاف انتحر شنقًا. لم يعد يحتمل التّعذيب. لقد طلبتُ منكم أن تقرأوا كتاب Hermanito أو الأخ الصّغير. فالأشخاص الوافدون يُباعون قبل مجيئهم. ثمّ يُؤخذ منهم المال ليدفعوا ما يتوجّب عليهم. ثمّ يُطلب منهم أن يتّصلوا هاتفيًّا بالعائلة كي تُرسل المزيد من المال. إنّهم أشخاص بائسون، يعيشون حياة رهيبة. لقد سمعتُ شاهدًا، تحدّث عمّا حصل في اللّيل، لحظة الإبحار، فقد رأى أحدُهم مركبًا بسيطًا جدًّا، يفتقر إلى السّلامة، ولم يشأ الصّعود على متنه. ثمّ... بوم بوم. إنتهت القصّة. إنّها مملكة الرّعب. يتألّمون، ليس فقط لأنّهم يحتاجون إلى الرّحيل، بل بسبب مملكة الرّعب الموجودة هناك. إنّهم عيبد. ونحن لا نستطيع أن نعيدهم إلى حيث أتوا وكأنّهم كرة الطّاولة. لا. لهذا أقول مجدّدًا إنّ المهاجرين يحتاجون إلى الاستقبال والمرافقة والرّعاية والاندماج. إن لم تتمكّن من دمجه في بلادك، رافقه وساعده على الاندماج في بلاده، لكن لا تتركه بأيدي الأشخاص المتوحّشين الّذين يتاجرون بالبشر. هذا هو موضوع المهاجرين: إنّنا نرسلهم إلى حيث جاؤوا ويقعون في أيدي هؤلاء الأشخاص التّعساء الّذين يلحقون بهم الأذى الشّديد. يبيعونهم، يستغلّونهم. يحاول النّاس الخروج من تلك الدّوّامة. هناك مجموعات من الأشخاص أخذت على عاتقها إنقاذ النّاس بواسطة السّفن. وقد دَعوتُ أحد هؤلاء الأشخاص إلى المشاركة في السّينودس، إنّه المسؤول عن سفينة  Mediterranea Saving Humans إنّهم يخبروننا قصصًا رهيبة. إنّ زيارتي الأولى، كما قلتَ، كانت إلى لامبيدوزا. لقد تحسّنت الأوضاع، فعلاً. ثمة وعي أكبر. لم يكن الأمر معروفًا آنذاك. ولم يقولوا لنا الحقيقة. أتذكّر أنّ امرأة أثيوبيّة كانت موظّفة الاستقبال في بيت القدّيسة مارتا، والداها أثيوبيّان. كانت تجيد اللّغة. وكانت تتابع زيارتي عبر التّلفاز. وكان هناك رجل أثيوبيّ يحدّثني عن التّعذيب وما تعرّض له. وقالت لي لاحقًا إنّ المترجم قال أشياء لم يقلها هذا الرّجل، حاول أن يخفّف من وطأة الوضع. من الصّعب أن يثق الإنسان بالآخرين. مآس كثيرة. في ذلك اليوم، عندما كنت هناك، قال لي طبيب: انظر إلى هذه المرأة. كانت تجول وسط الجثث وتنظر إلى الوجوه لأنّها تبحث عن ابنتها، ولم تجدها. من المفيد بالنّسبة لنا أن نلمس هذه المآسي لمس اليد. هذا الأمر يجعلنا أكثر إنسانيّة وأكثر ألوهيّة أيضًا. إنّها دعوة. أودّ أن تأتي كصرخة. لنتنبه، ولنفعل شيئًا. لقد تبدّل الوعي فعلاً. ثمّة المزيد من الوعي الآن. ليس لأنّني تحدّثت عن هذا الموضوع، بل لأنّ النّاس تنبّهوا لتلك المشكلة. كثيرون يتكلّمون عنها. كانت تلك أوّل زيارة لي. أودّ أن أقول شيئًا يعنيني مباشرة. لم أكن أعرف أين توجد جزيرة لامبيدوزا. لكنّني سمعتُ الرّوايات. قرأتُ شيئًا ما، وفي الصّلاة سمعت من يقول لي: عليكَ أن تذهب. وكأنّ الرّبّ أرسلني إلى هناك، وكانت تلك زيارتي الأولى.

 

كليمان ملكي  AFP

مساء الخير أيّها الأب الأقدس، لقد التقيتَ صباح اليوم بإيمانويل ماكرون، بعد أن عبّرت عن معارضتك للموت الرّحيم. الحكومة الفرنسيّة تستعدّ للموافقة على قانون مثير للجدل يتعلّق بإنهاء حياة الأشخاص. أيمكنك أن تُطلعنا على ما قلتَه للرّئيس الفرنسيّ بهذا الشّأن، وهل تعتقد أنّ بإمكانك حمله على تغيير رأيه؟

 

البابا فرنسيس

اليوم لم نتحدّث عن هذا الموضوع، لكن تطرّقنا إليه خلال الزّيارة السّابقة، عندما التقينا، تحدّثتُ عن هذا الأمر بوضوح، عندما جاء إلى إيطاليا. أبديتُ له رأيي بوضوح: لا يمكن التّلاعب بالحياة، لا في بدايتها ولا في نهايتها. لا يمكن التّلاعب بها. هذا هو رأيي: حماية الحياة. أتعلم؟ لأنّه في نهاية المطاف تصل إلى سياسة انعدام الألم، وإلى الموت الرّحيم الأنسيّ. في هذا السّياق أودّ الإشارة مجدّدًا إلى كتابٍ، اقرأوه، يعود إلى العام ١٩٠٧، إنّه رواية اسمها "سيّد العالم" أو "سيّد الأرض" لديها عنوانان، كتبها روبرت بنسون المؤلّف، إنّه كاتب يتحدّث عن المستقبل، ويُظهر كيف ستكون الأوضاع في نهاية العالم. تُزال كلّ الاختلافات، ويُزال الألم أيضًا. وهناك أيضًا الموت الرّحيم، أو الموت العذب (كما يسمّى) والاختيار قبل الولادة. يمكن أن نرى كيف تمكّن هذا الرّجل من رؤية صراعات آنيّة. لنحذر اليوم من عمليّات الاستعمار الأيديولوجيّ الّتي تفسد الحياة البشريّة وتتعارض مع الحياة البشريّة. اليوم تُلغى حياة الأجداد، على سبيل المثال، عندما يُجرّد الحوار بين الأجداد والأحفاد من الغنى البشريّ، تُلغى حياتهم، يصبحون عجزة لا فائدة منهم. لا يمكن التّلاعب بالحياة. هذه المرّة لم أتحدّث مع الرّئيس (عن هذا الموضوع) لكنّني فعلت ذلك في المرّة السّابقة، عندما جاء قلتُ له رأيي: لا يمكن التّلاعب بالحياة، فيما يتعلّق بالقانون الّذي يمنع الطّفل من النّموّ في رحم أمّه، والقانون الخاصّ بالموت الرّحيم في حالات المرض أو الشّيخوخة. ولا أقول إنّ هذه المسألة إيمانيّة، إنّها إنسانيّة، إنسانيّة. هناك نوع قبيح من الرّأفة. فالعلم تمكّن اليوم من التّخفيف من الآلام النّاجمة عن بعض الأمراض، ومن مرافقة المريض من خلال العديد من العقاقير. لا يمكن التّلاعب بالحياة.

 

خافير مارتينيز بروكال (الصّحيفة الإسبانيّة ABC)

أيّها الأب الأقدس، شكرًا على إجابتك على الأسئلة وعلى هذا الوقت الّذي تخصّصه لنا، وعلى هذه الزّيارة المفعمة بالمضامين. لقد تحدّثتَ دومًا عن أوكرانيا، والكاردينال زوبي زار بكين للتّوّ. هل من تقدّم حقّقته تلك المهمّة؟ أقلّه فيما يتعلّق بمسألة إنسانيّة، ألا وهي عودة الأطفال؟ ولديّ سؤال آخر، قد يكون قاسيًا بعض الشّيء، ما هو شعورك الشّخصيّ إزاء مهمّة لم تتمكّن من تحقيق أيّ نتيجة لغاية اليوم؟ لقد تحدّثتَ في إحدى مقابلاتك عن الإحباط. هل تشعر بالإحباط اليوم أيضًا؟ شكرًا.

 

البابا فرنسيس

هذا صحيح. ثمّة شعور بالإحباط، لأنّ أمانة سرّ الدّولة تفعل كلّ ما في وسعها للمساعدة، أيضًا من خلال مهمّة الكاردينال زوبي. هناك تقدّم في الملفّ المتعلّق بالأطفال، لكن يبدو لي أنّ هذه الحرب لا تتعلّق فقط بالأزمة الرّوسيّة الأوكرانيّة، بل ترمي إلى بيع السّلاح، الاتجار بالأسلحة. قال أحد الخبراء الاقتصاديّين منذ بضعة أشهر إنّ الاستثمارات الّتي توفّر ربحًا أكبر اليوم هي في مصانع السّلاح، الّتي هي مصانع الموت! الشّعب الأوكرانيّ هو شعب شهيد، لديه تاريخ مطبوع بالألم، وهي ليست المرّة الأولى: ففي زمن ستالين تعذّب كثيرًا، كثيرًا، كثيرًا، إنّه شعب شهيد. ويجب ألّا نتلاعب مع استشهاد هذا الشّعب، لا بدّ من مساعدته على حلّ المشاكل بالطّرق الواقعيّة قدر الإمكان. ما هو واقعيّ ممكن في الحروب، بعيدًا عن التّوهّم بأن يذهب الزّعيمان المتحاربان لتناول الطّعام معًا، لكن لا بدّ أن يتوصّلا إلى صنع ما هو ممكن. الآن رأيت أنّ بعض البلدان خطت خطوة إلى الوراء، ولم تعد ترسل السّلاح، وقد بدأت عمليّةٌ حيث سيكون الشّعب الأوكرانيّ شعبًا شهيدًا بالطّبع. وهذا أمر قبيح! لقد غيّرتَ الموضوع ولذا أودّ أن أعود إلى الموضوع الأوّل، الزّيارة. مارسيليا هي حضارة تتألّف من ثقافات عدّة، ثقافات عدّة، إنّها ميناء للمهاجرين. في الماضي كانوا مهاجرين نحو كايين، حيث كان المحكومون يمضون فترة سجنهم... لقد أهداني رئيس أساقفة مارسيليا "مانون ليسكو" ليذكّرني بذلك التّاريخ. لكن مارسيليا هي ثقافة اللّقاء! خلال لقائي بالأمس مع ممثّلي مختلف الطّوائف– حيث يتعايش المسلمون واليهود والمسيحيّون– (لمست) التّعايش، إنّها ثقافة المساعدة، مارسيليا هي فسيفساء خلّاقة، إنّها ثقافة الإبداع. إنّها ميناء يشكّل رسالة في أوروبا: مارسيليا تستقبل. إنّها تستضيف دون أن تنكر هويّة الشّعوب. علينا أن نعيد النّظر في هذه المسألة: القدرة على الاستقبال. بالعودة إلى المهاجرين، خمسة هي البلدان الّتي تعاني أكثر من غيرها بسبب الأعداد الكبيرة من المهاجرين. وفي بعض هذه البلدان توجد بلدات خالية من السّكّان، أفكّر في واقعة أعرفها، ثمّة بلدة يعيش فيها عشرون مسنًّا فقط لا غير. من فضلكم، لتقم تلك البلدات بالجهود اللّازمة لدمج (المهاجرين). نحن بحاجة إلى اليد العاملة، أوروبا تحتاج إليها. إنّ الهجرة وإذا تمّت إدارتها بشكل جيّد تشكّل غنى، إنّها مصدر غنى. لنفكّر بسياسة الهجرة هذه كي تكون (الهجرة) خصبة أكثر وكي تساعدنا كثيرًا.

 

الآن سيُقدّم طعام العشاء، وسنحتفي برينو، وسنودّع روبيرتو. لنتوقّف هنا، شكرًا جزيلاً على عملكم وعلى أسئلتكم".