دينيّة
06 أيار 2018, 07:00

ما حدث منذ ألفيّ سنة يحدث كلّ يومّ!

غلوريا بو خليل
"لم يكن الإيمان بقيامة يسوع من بين الأموات لدى التّلاميذ بالأمر السّهل.. لم يصدّقوا. فالقيامة ليست تفصيلاً في حياتهم اليوميّة. لقد رأوه بعيونهم، منذ وقت قليل جدًّا، مصلوبًا ومائتًا على الصّليب ومدفونًا. اعتقدوا أنّ كلّ شيء انتهى هناك، عند انغلاق الحجر على القبر. مرّ ثلاثة أيّام على دفنه، هي الأيّام الكافية عند الشّعب اليهوديّ حينها للتّأكد من وفاة الشّخص ونهايته. كيف يمكن له أن يقوم؟ فحدث الجلد المبرح والألم والصّلب والمسامير والموت والخوف قد بعثرهم وأهبط عزيمتهم. إنّ أحداث يوم الجمعة العظيمة في أورشليم أدخلت الكآبة إلى قلوب التّلاميذ وأنستهم ما كان يقول لهم يسوع ويتنبأ به عن تسليمه لرؤساء الكهنة وآلامه وصلبه." بهذا الوصف الدّقيق والعميق استهلّ رئيس أنطش سيّدة التّلّة - دير القمر وخادمه، الأب جوزف أبي عون الرّاهب المارونيّ المريميّ تأمّله لموقع نورنيوز حول ظهور يسوع للرّسل في العلّيّة.

 

وأكمل الأب أبي عون إنّ "موت يسوع كان الصّدمة القاتلة لهم. كأنّهم كانوا في حلم وعادوا الآن إلى الواقع الحقيقيّ. ونتيجة هذا الاختبار البائس حتّى الصّميم، كانت هناك صعوبة كبيرة لدى التّلاميذ بتصديق ما يسمعون عن قيامة الرّبّ أو ما ترى عيونهم الآن. لقد أتى شخصيًّا إلى حيث هم مختبؤن في العلّيّة، كما نرى في الإنجيل، متوارون عن أنظار اليهود، جاهدًا بإقناعهم بأنّه هو. هو يسوع نفسه الذي عرفوه قبل الصّلب، وهو قائم الآن وليس مجرّد روح. هو نفسه الذي كان معهم مدّة ثلاث سنوات، والذي رأوه يتألّم ويُصلب ويموت ويُدفن، هو الآن حقيقة أمامهم القائم من بين الأموات. بشيء من الضّعف البشريّ المتفاجأ، كان أسهل على التّلاميذ تصديق رؤية الأرواح على الإيمان بالقيامة. يسوع يُلحّ عليهم ويجهد بإقناعهم: "أنظروا إلى يديّ ورجليّ. أنا هو بنفسي. إلمسوني وانظروا..." (لو 24 : 39). آثار المسامير في يديه ورجليه دليل ساطع على أنّه هو الذي تألّم وصلب وليس غيره، وأنّ الواقف أمامهم هو ليس مجرّد روح. "جسّوني وانظروا، فإنّ الرّوح لا لحم له ولا عظام كما ترون لي"…(لو 24 : 40).

"لم يُخبرهم عن القيامة أو دعاهم لفهم القيامة بل دعاهم لأن يروه هو القائم. أن يلمسوه كما كانوا يفعلون قبل موته. أن يأكل معهم ليتأكّدوا بأنّه هو يسوع الممجّد الآن." أردف كاهن رعيّة دير القمر مسترسلًا: "لم يُلق يسوع عليهم درسًا عن مفهوم القيامة وكيفيّة حدوثها، بل دعى تلاميذه إلى عيش اختبار القيامة بالمشاركة معه. كما أنّه لم يرسلهم إلى العالم لإلقاء المحاضرات على النّاس عن القيامة، إنَّما ليكونوا شهودًا عمّا عاشوه واختبروه معه خلال هذه الأوقات الغنيّة بحضوره بعد القيامة." وتابع: "هنا نتذكّر ما يورد يوحنا الإنجيليّ في الفصل الأوّل من رسالته الأولى حيث يعبّر أفضل تعبير عن هذا الاختبار بالذّات الذي عاشوه مع يسوع القائم من بين الأموات والذي يُظهر بالعمق مفهوم القيامة لدى التّلاميذ وعنه كانوا شهودًا في العالم "الذي كانَ مِنَ البَدءِ، الذي سَمِعناهُ ورَأيناهُ بِعُيونِنا، الذي تأَمَّلناهُ ولَمَسَتْهُ أيدينا مِنْ كلِمَةِ الحياةِ…الذي رَأيناهُ وسَمِعناهُ نُبَشِّرُكُم بِه لتَكونوا أنتُم أيضًا شُركاءَنا،…به نشهد لكم…".  هذه الآيات تُخبر بوضوح ما عاشه التّلاميذ مع القائم من بين الأموات. تنقل بطريقة معيوشة اختبار القيامة. الذي حدث، خصوصًا هنا بين التّلاميذ ويسوع، كتبه الإنجيليّ يوحنا شهادة للعالم بأنّ الذي قام هو حقيقة وليس خيال. فقد رأوه وسمعوه ولمسته أيديهم وتأملّوا به وتشاركوا معه الطّعام…".

"اعترى التّلاميذ التّعجّب والفرح لما يروه الآن وكانوا غير مصدّقين. "هل عندكم شيء للطّعام؟ ". هو السّؤال نفسه يكرّره يسوع في أكثر محطّات ظهوره للتّلاميذ بعد القيامة"، يقول الأب أبي عون، "ليؤكّد لهم أوّلاً بأنّه القائم، وثانيًا بأنّ معرفتنا له بعد اليوم هي من خلال جسده السّرِّي في القربان المقدّس بالذّبيحة الإفخارستيّا اليوميّة. إيماننا بالقيامة يتجدّد كلّ مرة نتناوله في أجسادنا وننال عربون الحياة الأبديّة."

وأردف الأب أبي عون قائلًا: "ثم ذكّرهم بكلامه لهم وهو كان بَعدُ معهم وبأنّ ما جرى معه هو تتميم ما كُتب عنه في توراة موسى والمزامير والأنبياء، بأنّ المسيح يجب أن يتألّم ويقوم من بين الأموات في اليوم الثّالث ويُكرز به في كلّ العالم مغفرة للخطايا… هي الكرازة الأقدم في تاريخ الكنيسة. هذا ما حمله الرّسل أولاًّ في تبشيرهم وكرازتهم من أورشليم إلى كلّ العالم. هذا ما ترسَّخ في ذهنهم.. هو اختبارهم الأقوى والأعمق والأصدق مع القائم. هو جوهر تبشيرهم وشهادتهم وكرازتهم الرّسوليّة الأولى: بأنّ المسيح تألّم ومات وقام من بين الأموات ونحن شهود على ذلك…".

"على إيمان الرّسل وشهادتهم واختبارهم قامت الكنيسة وانطلقت ونمت عبر الأجيال حتّى يومنا هذا" أكّد كاهن رعيّة سيّدة التّلّة في دير القمر، ليختم  قائلًا: "واليوم يدعونا يسوع، نحن تلاميذه في عصرنا هذا، لنراه ونلمسه ونأكله بالقربان الإفخارستيّ ونكون له شهودًا، وبأنّ الذي حدث منذ ألفيّ سنة، يحدث كلّ يوم في الإفخارستيّا ويتجدّد في يوميّاتنا ويزورنا في علّيّاتنا ويترافق معنا على دروب حياتنا."