الفاتيكان
23 تشرين الثاني 2018, 06:53

ما جديد ملفّات دعاوى القدّيسين اللّبنانيّين المرفوعة إلى الفاتيكان؟

تستمرّ زيارة أساقفة مجمع الكنيسة المارونيّة المقدّس للأعتاب الرّسوليّة في الفاتيكان برئاسة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، وقد زار الآباء قبل ظهر الأربعاء المجلس الحبريّ للحوار بين الأديان حيث استقبلهم أمينه العامّ المطران Miguel Angel Ayuso Guixot وأعضاء المجلس.

 

في مستهلّ اللّقاء ألقى البطريرك الرّاعي كلمة تعريف وشكر تناول فيها خبرة لبنان المميّزة واختبار لقاء الأديان والعيش الواحد المسيحيّ– الإسلاميّ فيه، معتبرًا أنّ نموذجيّة هذا العيش دفعت بالقدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني إلى اعتبار لبنان "رسالة للشّرق كما للغرب". فللغرب يقول لبنان إنّ العيش الواحد بين الأديان بإخاء وتعاون، هو ممكن وحقيقة معاشة، وللشّرق يقول إنّ المشاركة بمساواة في الحكم والإدارة، وإنّ الفصل بين الدّين والدّولة، وإنّ احترام الحرّيّات وحقوق الإنسان على قاعدة المواطنة في نظام ديمقراطيّ ممكن ومعاش أيضًا.

ثمّ انتقل الآباء إلى زيارة مجمع دعاوى القدّيسين حيث كان لقاء مع رئيسه الكاردينال جيوفاني أنجيلو بيتشو استهلّ بتسّلم البطريرك الرّاعي أعمال دعوى تطويب البطريرك مار الياس الحويّك من مقرّر الدّعوى الأب فنشنسو كريسكولو، وقد تناولت حياة البطريرك الحويّك وفضائله وشهرة قداسته، تمهيدًا لإعلانه مكرّمًا. أيّ أنّه عاش ببطولة الفضائل الإلهيّة والإنسانيّة والأخلاقيّة، وبهذا الإعلان ينتهي رأي الكنيسة بانتظار معجزة لإعلان التّطويب.

 

ثمّ جرى استعراض لمجمل دعاوى التّطويب المرفوعة أمام المجمع لمكرّمين لبنانيّين، فتبلّغ الآباء أنّها تسير وفق الأصول وبمتابعة حثيثة ودقيقة؛ فدعوى تطويب البطريرك المكرّم مار إسطفان الدّويهيّ، الّذي أعلنت الكنيسة بطولة فضائله، تنتظر انتهاء التّحقيق بأعجوبة مطروحة. وكذلك دعوى تطويب البطريرك مار الياس الحويّك فقد أحرزت تقدّمًا كبيرًا، وقد أمل البطريرك الرّاعي صدور قرار بإعلان بطولة فضائله قبل شهر حزيران/ يونيو المقبل. وكذلك فإنّ دعوى تطويب الرّاهب المريميّ الأب أنطون طربيه، الّتي لا تزال في بداية التّحقيق، هي قيد الدّرس وتحتاج إلى عناصر جديدة، ودعوى تطويب الأخت إيزابيل خوري مجدّدة الحياة الرّهبانيّة لدى الرّاهبات الأنطونيّات، تسير بحسب الأصول، ودعوى المكرّم الأب بشارة أبو مراد المخلّصيّ تنتظر حصول أعجوبة على يده. إضافة إلى دعاوى أخرى للبنانيّين، اطّلع عليها البطريرك الرّاعي معلّقًا "إنّ لبنان لن يموت طالما أنّ الكثير من أبنائه هم في السّماء".

 

وكان البطريرك الرّاعي قد شارك مع الأساقفة في الاحتفال الّذي أقامته سفيرة لبنان في إيطاليا ميرا ضاهر بمناسبة العيد الـ75 لاستقلال لبنان بحضور النّوّاب اللّبنانيّين الّذين رافقوه في لقائه البابا فرنسيس مع رئيس المؤسّسة المارونيّة للانتشار وأعضائها في الفاتيكان.

 

وألقت ضاهر كلمة بالمناسبة شكرت فيها البطريرك الرّاعي لحضوره ومشاركته في الاحتفال ناقلة تحيّات رئيس الجمهوريّة اللّبنانيّة العماد ميشال عون.

 

وأكّدت ضاهر أنّ الشّعب اللّبنانيّ"يعشق الحرّيّة ويقدّس كرامة الإنسان، وهو لم ينحن يومًا أمام طامع أو محتلّ،" لافتة إلى "نضاله في سبيل نيله الاستقلال فهو يواجه الجهل بالعلم والتّخاذل بالصّمود واستقواؤه بالدّاخل وليس بالخارج."

 

كما شدّدت ضاهر على ميزة لبنان في تطبيق صيغة التّعايش "لا نسعى إلى التّعايش لأنّنا نعيش سويّة منذ فجر التّاريخ"، وشكرت للدّولة الإيطاليّة دعمها المستمرّ للبنان معلنة أنّ "إيطاليا تحتلّ المرتبة الأولى بين الدّول الّتي تربطها علاقات تجاريّة وثقافيّة بلبنان وداعمة أساسيّة لمبادرات السّلام فيه.

 

بعد ذلك لبّى البطريرك الرّاعي والأساقفة والرّؤساء العامّين دعوة المؤسّسة المارونيّة للانتشار إلى لقاء تكريميّ للبطريرك الرّاعي بحضور أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، ورئيس مجمع الكنائس الشّرقيّة الكاردينال ليوناردو ساندري، وعدد من النّوّاب اللّبنانيّين وسفير لبنان لدى الكرسيّ الرّسوليّ فريد الخازن وسفيرة لبنان لدى روما ميرا ضاهر وعدد من أبناء الجالية اللّبنانيّة في روما.

 

في بداية اللّقاء، ألقى رئيس المؤسّسة المهندس شارل الحاج كلمة رحّب فيها بالبطريرك والحضور مشيرًا إلى تاريخ الكنيسة المارونيّة "الزّاخر بالتّضحيات في خدمة الإنسان والإنسانيّة وما قدّمته على مدى التّاريخ من خدمات روحيّة واجتماعيّة وتربويّة وثقافيّة لخير الشّعوب وكلّ ذلك وفق تعاليم الرّبّ يسوع."

كما لفت الحاج إلى حضور عدد من النّوّاب اللّبنانيّين مسلمين ومسيحيّين الّذين شاركوا في لقاء البطريرك مع البابا مشيرًا إلى اهتمام الكرسيّ الرّسوليّ بهذه الصّورة المميّزة من التّعايش بسلام ومن الحوار والاحترام المتبادل فيما بينهم."

 

وختم الحاج: "لا يمكننا التّعبير عن مدى تقديرنا واحترامنا لصاحب الغبطة لحكمته وإرشاده ودعمه لنا، كما نتمنّى ونصلّي بعد البركة والدّعم الّذي نلناه من الكرسيّ الرّسوليّ أن نتمّم مهمّتنا في الحفاظ ودعم ومساندة الحضور المسيحيّ في الشّرق الأوسط."

 

من جهته ألقى البطریرك الرّاعي كلمة حيّا فيها الجهود الّتي تبذلها المؤسّسة في سبيل مدّ جسور التّواصل وتمتين العلاقات بين اللّبنانيّين المقيمين في بلدهم الأصيل وإخوانهم في بلاد الانتشار، وقال: "لقد عشنا الیوم أوقاتًا ممیّزة للغایة أوّلھا لقاؤنا بقداسة البابا فرنسیس الّذي أعرب عن حبّه الكبیر للبنان. ففي الحقیقة لم نكن نعلم مقدار العاطفة والمحبّة التّي یكنّھا للبنان. لقد كنّا نستمع إلى تصریحاته وكلامه عن لبنان ولكنّنا الیوم لمسنا لمس الید عظمة ھذه المحبّة، وتقدیره لوطننا. لقد التقینا بقداسته مع وفد من البرلمانیّین اللّبنانیّین مسلمین ومسیحیّین ومعهم أيضًا السّيّد أحمد الحریري أمین عامّ تیّار المستقبل. إنّھا العائلة اللّبنانیّة الّتي أتت وبعفویّة تامّة لتشارك والمؤسّسة المارونیّة للانتشار بھذا اللّقاء. أودّ شكر الكاردینال ساندري والسّفیر البابويّ في لبنان على جھودھما من أجل تحقیق ھذا اللّقاء لأنّه من غیر المعتاد أن یقوم المؤمنون بزیارة الأعتاب الرّسولیّة مع البطریرك والأساقفة، إنّھا المرّة الأولى من نوعھا. لقد تفھّم البابا ھذه المبادرة العفویّة والشّكر الكبیر في ھذا الإطار للكاردینال بیيترو بارولین على جھوده الخاصّة لإتمام ھذه المبادرة ومشاركتنا فرحة ھذا اللّقاء. لا یمكننا التّعبیر عن مدى تأثّر الوفد بلقاء قداسته الّذي تحدّث إلیھم بكلام نابع من القلب والأھمّ من ھذا أیضًا الوقت الّذي خصّنا به قداسة البابا مع الأساقفة حیث أمضینا نحو ثلاث ساعات معه وقال لنا: "نحن ھنا في لقاء أخويّ وأنا ھنا للاستماع إلیكم، إطرحوا ما تشاؤون من الأسئلة وسوف أجیبكم علیھا،" لقد لمسنا حبّه الكبیر لبلدنا وتشجیعه لنا لكي نحبّ لبنان أكثر وأكثر ونحافظ على وجودنا فیه وعلى صیغة التّعایش الإسلاميّ- المسیحيّ الّتي تميّزه. أمّا الفرحة الثّانیة فھي ذكرى استقلال لبنان. لقد اختار البابا ھذا التّاریخ كموعد للقائه بنا ولم یكن الأمر من قبیل الصّدفة. لقد جدّدنا الیوم إیماننا ببلدنا الغالي لبنان. أمّا العید الثّالث فھو عید المولد النّبويّ الشّریف وھو عید وطنيّ في لبنان نجدّد أمنیاتنا وتھانینا بالعید. كلّ ھذه الأمور تمّت من قبیل الصّدفة ولكن الله ھو من یقود التّاریخ. وتحیّة خاصّة إلى شخصیّة حاضرة دائمًا معنا وھو الوزیر السّابق میشال إدّة مؤسّس المؤسّسة المارونیّة للانتشار ورئیسھا الفخريّ لمدى الحیاة".

وكان الرّاعي قد رأى أنّ "ھذا اللّقاء جاء بتدبیر ربانيّ إذ أنّ الموعد لم یكن مؤكّدًا. والنّتیجة حدوث اللّقاء الجمیل والحارّ مع قداسته الّذي وجّه كلمة للبنان وللشّرق. ومن ثمّ كان لقاؤنا مع قداسته في إطار زیارة الأعتاب الرّسولیّة وھنا فاجأنا قداسته بقوله "أنا ھنا لأستمع إلیكم نحن في لقاء أخويّ فقولوا ما تریدونه وأنا أجیبكم". ثم عبّر قداسته عن اھتمامه بالكنیسة المارونیّة والكنائس الشّرقیّة كما عبّر عن وجعه وألمه عمّا یجري في المنطقة متأمّلاً استمرار المسیحیّة في لبنان والشّرق الأوسط مع المسلمین لیتابعوا الطّریق سویًّا ولكي یبقوا نموذجًا للعیش بین الدّیانات. لقد امتلأنا فرحًا جمیعنا، خرجنا من ھذا اللّقاء الّذي كان بمثابة عنصرة بالنّسبة لنا. تمنّیت لو شارك الجمیع معنا في ھذا اللّقاء لكي یدركوا كم أنّ البابا والفاتیكان یحبّان لبنان وكم یعقدان آمالاً علیه وعلى دوره الكبیر. وبعد سماعنا لھذا الكلام أدركنا حجم المسؤولیّة الّتي نحملھا تجاه لبنان فلا یمكننا التّلاعب بمصیره أو واقعه وحاله. كما ذكر قداسته النّازحین واللّاجئین في لبنان وتعجّب من محبّة اللّبنانیّین في استقبالھم ولكنّه شدّد على ضرورة عودتھم إلى أراضیھم. الیوم عشنا فرح الله.

وردَّا على سؤال عن علاقة الكرسيّ الرّسوليّ بالبطریركیّة المارونیّة، أكّد الرّاعي على متانتھا مشیرًا إلى أنّه "لو لم تكن علاقة ممتازة لما حدث اللّقاء الیوم مع قداسته. وھذا ظھر بشكل جلّي لأنّه في العادة من یأتي لزیارة الأعتاب الرّسولیّة ھم الأساقفة من حول العالم والاستثناء الیوم كان وجود وفد برلمانيّ معنا رحّب به قداسته وعندما علم بأنّ الوفد يرافق البطریرك والمطارنة قرّر كسر العادة واستقبلھم جمیعًا وھذا یظھر كم أنّ العلاقة جدّ ممتازة ولا نعرف لماذا یروّج اللّبنانیّون لمسألة وجود خلاف بیننا وبین الكرسيّ الرّسوليّ، لا یھمّ نحن نعرف جیّدًا مدى قوّة العلاقة بین كنیستنا والكرسيّ الرّسوليّ".