ما المفاتيح الّتي يكشفها إنجيل يوحنّا لفهم حياتنا كتلاميذ للرّبّ يسوع؟
ويقول بيتسابالا في هذا السّياق، نقلاً عن موقع البطريركيّة: "يكشف يوحنّا المعمدان سبب مهمّته في الآيات الّتي تسبق هذا المقطع (يوحنّا 1: 31): السّبب الوحيد لمهمّته هو الإعلان عن المسيح المنتظر، والكشف عن هويّة يسوع، حتّى أن يعرفه الجميع ويؤمنوا به.
واليوم، نرى بالضّبط كيف يحدث هذا، وكيف يغيّر حياة أولئك الّذين يستقبلون هذا الوحي ويرحّبون بالرّبّ.
يبدأ الإنجيل بالقول إنّ يوحنّا كان لا يزال هناك مع اثنين من تلاميذه (يوحنّا 1: 35).
أين هذا المكان الّذي يظهر فيه يسوع نفسه؟ أين يمكننا البحث عنه؟
المكان هو الّذي عمّد فيه يوحنّا، وحيث قال إنّه رأى الرّوح ينزل على يسوع ويستقرّ عليه (يوحنّا 1: 33). إذًا، هذا هو مكان معموديّة يسوع، المكان الّذي قرأنا عنه يوم الأحد الماضي في إنجيل مرقس، باعتباره المكان الّذي كشف الآب بنفسه عن هويّة يسوع باعتباره الابن الحبيب الّذي به الآب سرّ. ولكنّه أيضًا المكان الّذي اختار فيه يسوع أن يكون متضامنًا مع الإنسان ومصيره، حتّى النّهاية، إنّه المكان الّذي اختار فيه يسوع أن يكون أخًا لنا حتّى النّهاية.
وهناك، في ذلك المكان، مرّ يسوع (يوحنّا 1: 36).
ومن هنا كانت الإشارة الأولى لمسيرتنا كتلاميذ.
نلتقي بيسوع من خلال إقامة علاقة معه للّقاء به ومشاركته حياتنا.
إنّ هويّة يسوع، الّتي جاء المعمدان ليكشفها، هي هويّة "مفتوحة"، تمامًا كما كانت السّماوات مفتوحة أثناء المعموديّة. تكتمل هويّة يسوع بدخوله في علاقة مع البشر، وبقائه في علاقة معنا، كما هو على علاقة مع الآب.
وهنا، على ضفاف نهر الأردنّ، تبدأ هذه العلاقة.
تبدأ بالوساطة: يوحنّا هو الّذي أشار لتلاميذه إلى حضور المسيح، حمل الله (يوحنّا 1، 36). إنّ اللّقاء مع الرّبّ يتمّ دائمًا من خلال شخص يسبقنا، لأنّ الإيمان عطيّة، ولا يمكن لأحد أن يؤمن لوحده. الإيمان هو الخطوة الأولى للدّخول إلى عالم يسكونه الآخرون، حيث نتعلّم الثّقة ومعرفة الرّبّ معًا، ومشاركة مساحة الألفة الجديدة.
وهنا، إذن، يحدث العبور. في الواقع، إنّ مقطع اليوم مليء بالمقاطع: هناك مرور يسوع، كما رأينا (يوحنّا 1، 36)؛ والآن مرور هؤلاء التّلاميذ الّذين تركوا يوحنّا ليتبعوا يسوع.
لذا فإنّ هويّة التّلاميذ هي أيضًا هويّة مفتوحة، قيد التّشكيل، على غرار هويّة ربّهم.
تبدأ العلاقة تحديدًا بسؤال يسوع لهم عمّا يبحثون عنه (يوحنّا1 ، 38). أن نكون تلاميذ يجب أن نسمح لأنفسنا بأن نعود إلى السّؤال الأساسيّ في حياتنا، وأن نعود إليه مرارًا وتكرارًا، ودائمًا بطريقة جديدة.
الإنفتاح يعني القدرة على طرح الأسئلة: بدورهم، يسأل التّلاميذ ويستمعون للوصول إلى السّؤال الأساسيّ للحياة: أين تسكن؟ (يو 1: 38). وهذا لا يعني مجرّد السّؤال عن المكان الّذي يعيش فيه، بل التّعبير عن الرّغبة في معرفته بعمق، والدّخول في سرّ حياته والثّقة به.
كما ويعني"الانفتاح" القدرة على السّكن معه (يوحنّا 1، 39): بمعنى آخر، جعل الرّبّ بيت لنا تدريجيًّا، المكان الّذي نقصده ونقيم فيه.
أخيرًا، الانفتاح يعني القدرة على السّماح لأنفسنا بالتّحوّل في العمق: لأنّ هناك مقطعًا نهائيًّا في مقطع الإنجيل هذا، وهو مقطع سمعان. اسمه سمعان بن يونا، لكن الرّبّ أعطاه اسمًا جديدًا (يو 1: 42) ، أيّ أنّه فتح له إمكانيّة أن يكون شخصًا آخر، وأن يكون له وجود أوسع وفائدة أكبر.
بالنّسبة لأولئك الّذين يلتقون بالرّبّ، يحدث هذا التّوسّع في حياتهم، والدّخول في مراحل ديناميكيّة جديدة من النّموّ دائمًا، والّتي تتميّز كلّ منها بساعة محدّدة، مثل ساعة الرّابعة بعد الظّهر (يوحنّا 1: 39) عندما مكث تلميذا يسوع الأوّلين معه للمرّة الأولى. "