الفاتيكان
05 تموز 2021, 06:30

ما الفرق بين معرفة الله والتّعرّف إليه؟

تيلي لوميار/ نورسات
أعلن البابا فرنسيس الأحد عن زيارته الرّسوليّة إلى سلوفاكيا، من 12 وحتّى 15 أيلول/ سبتمبر المقبل، عقب ترؤّسه القدّاس الإلهيّ في ختام المؤتمر الإفخارستيّ الدّوليّ في بودابست- المجر.

وكان البابا فد ترأّس صلاة التّبشير الملائكيّ، وتوجّه إلى المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس بكلمة روحيّة تمحورت حول الفرق بين معرفة الله والتّعرّف إليه، فانطلق من إنجيل مرقس 6/ 1- 6، مذكّرًا بيسوع في النّاصرة وتعليمه في المجمع واندهاش أبناء وطنه، أبناء النّاصرة حين تساءلوا من أَين له هذه الحكمة؟  أَليس هذا النّجّار ابن مريم؟ جيراننا الّذين نعرفهم جيّدًا؟ وقد قال لهم يسوع حينها: "لا يُزدرى نبيّ إلّا في وطنه وأَقاربه وبيته" (مرقس 6، 4).

وتعليقًا على تصرّف أبناء وطن يسوع، قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "بالإمكان القول إنّهم كانوا يعرفون يسوع لكنّهم لم يتعرّفوا عليه، حيث هناك فرق بين المعرفة والتّعرّف على. يمكننا أن نعرف أشياء مختلفة عن شخص ما وتكوين فكرة عنه والانطلاق ممّا يقول عنه الآخرون وربّما اللقاء به في بعض الأحيان، إلّا أنّ هذا كلّه لا يكفي، فهذه معرفة اعتياديّة، سطحيّة، لا تتعرّف على تفرّد هذا الشّخص. إنّ هذا خطر نحن جميعًا معرّضون له، أن نعتقد أنّنا نعرف الكثير عن أحد الأشخاص، والأسوأ من هذا أن نصنّفه ونحبسه في أحكامنا المسبقة... إنّ أبناء النّاصرة يعرفون يسوع منذ ثلاثين سنة ويعتقدون أنّهم يعلمون عنه كلّ شيء، وإنّ تساؤلاتهم تأتي من عدم الثّقة وإنّهم لم يتنبّهوا في الواقع إلى مَن هو بالفعل، حيث توقّفوا عند الأمور الخارجيّة ورفضوا جديد يسوع".

شدد البابا فرنسيس بالتّالي على أنّنا "وحين نمنح الغلبة لراحة العادات ودكتاتوريّة الأحكام المسبقة فمن الصّعب الانفتاح على الجديد والدّهشة. غالبًا ما يحدث أن نبحث في الحياة و الخبرات بل وحتّى في الأشخاص عن تأكيد لأفكارنا وأنماطنا كي لا نُجبَر على تعب التّغيير. ويمكن أن يحدث هذا مع الله أيضًا وذلك لنا نحن المؤمنين، نحن من نعتقد أنّنا نعرف يسوع ونعرف الكثير عنه وأنّه يكفينا تكرار الأشياء ذاتها، إلّا أنّ هذا لا يكفي مع الله. بدون انفتاح على الجديد وفي المقام الأوّل على مفاجآت الله، بدون دهشة، يتحوّل الإيمان إلى ابتهال متعَب ينطفئ ببطء، إلى عادة، عادة اجتماعيّة.  

من هنا، أشار البابا إلى أهمّيّة الدّهشة عند لقاء الله والّتي حدّثنا عنها الإنجيل كثيرًا، قائلاً: "علينا السّير على هذه الدّرب لأنّ هذه الدّهشة هي دليل كونه لقاءً حقيقيًّا مع الله."

وتساءل البابا فرنسيس: لماذا لم يتعرّف أبناء وطن يسوع عليه ولم يؤمنوا به؟ وقال: "إنّهم لم يقبلوا حجر عثرة التّجسّد، لم يعرفوا التّعرّف على هذا السّرّ، فلا يمكن لعظمة الله أن تظهر في صغر جسدنا، ولا يمكن أن يكون ابن الله هو ابن النّجّار، أن تختبئ الألوهيّة في البشريّة، أن يسكن الله وجه وكلمات وأفعال شخص بسيط. هذا هو حجر العثرة: تجسُّد الله، كونه ملموسًا، يوميًّا، فقد صار الله ملموسًا في بشر، في يسوع النّاصريّ، صار رفيق درب، واحدًا منّا، ولهذا يفهمنا ويرافقنا ويغفر لنا ويحبّنا كثيرًا. من المريح بشكل أكبر إلهًا مجرّدا وبعيدًا لا يختلط بالواقع ويقبل إيمانًا بعيدًا عن الحياة والمشاكل والمجتمع. قد يعجبنا الإيمان بإله يتمتّع بـ"مؤثّرات خاصّة" يفعل فقط أشياء استثنائيّة ويمنح دائمًا مشاعر قويّة. إلّا أنّ الله قد تجسَّد، متواضعًا وحنونًا ومختبئًا، صار قريبًا منّا ساكنًا طبيعيّة حياتنا اليوميّة... قد يحدث لنا، ومثلما حدث لأبناء وطن يسوع، ألّا نتعرّف عليه حين يمرّ، بل وأن يكون لنا حجر عثرة."

وفي الختام، دعا البابا إلى "أن نطلب في الصّلاة من العذراء الّتي استقبلت سرّ الله في حياة النّاصرة اليوميّة أن تكون لنا أعين وقلوب متحرّرة من الأحكام المسبّقة ومنفتحة على الدّهشة وعلى مفاجآت الله، على حضوره المتواضع والمختبئ في حياة كلّ يوم".