ما العبرة الّتي يستقيها البطريرك بيتسابالا من إنجيل هذا الأحد؟
"نتابع اليوم سماع هذا الأسلوب الرّوائيّ.
لكن مثل اليوم غريب إلى حدّ ما. يسرد يسوع قصّة وكيل يغشّ في عمله، وبعدما أدرك سيّده هذا الأمر، نراه يستعمل الخداع لإنقاذ نفسه من الوضع المؤسف. وفي النّهاية يُشيد السّيّد بعمل الوكيل الماكر.
بالمقارنة مع أمثال الأحد الماضي، يتّضح اليوم أنّ يسوع قد غيّر الموضوع بالكامل. إلّا أن الأمر قد لا يكون كذلك.
دعونا إذًا نصغي إلى عدد من العناصر المشتركة.
العنصر الأوّل موضوعه الشّعور بالضّيق. رأينا في الأحد الماضي الابن الّذي اختبر الضّيق لأنّه ترك البيت الوالديّ، واليوم نجد وكيلاً متضايقًا لأنّه كُشفت أحابيل غشّه.
يقع كلا الشّخصين في هذا الضّيق لأنّهما بطريقة ما جلبا هذا الأمر لأنفسهما.
في كلتا الحالتين لا يمكن التّخلّص من هذا الضّيق عبر قوانا البشريّة، وهو ما نسمعه بوضوح في كلمات الوكيل: "ماذا أعمل؟ فإنّ سيّدي يستردّ الوكالة منّي، وأنا لا أقوى على الفلاحة، وأخجل بالاستعطاء" (لوقا ١٦: ٣).
فور وصولهما إلى الحضيض يلجأ كلّ منهما إلى ذاته كي يقرّر ما يفعله.
في النّهاية لا يرغبان سوى العودة إلى مسكن يشعران فيه بالتّرحيب بعد اختبار محدوديّتهما وخطأ سلوكهما وعدم قدرتهما على الاكتفاء بالذّات.
وعليه وانطلاقًا من مثَلْ اليوم، وعلى غرار الأحد الماضي فإنّنا نقرأ ذات الرّسالة.
الأمر الأوّل هو كوننا بشر غير كاملين. إنّ للإنسان دَيْنًا يولد معه بمجرّد تلقّيه هبة الحياة، وهذا الدّين ينمو بازدياد على امتداد طريق الحياة.
لا نستطيع ولا بأيّ طريقة أن ننجح في سداد هذه الدَّيْن. يستحيل هذا الأمر.
بالإضافة إلى ذلك، نرى من المثَلْ أنّ ما حصل ليست مشكلة كبيرة، فالسّيّد لا يهاجم الوكيل ولا يطلب منه تسوية الدّين في الحال، بل يمهله الوقت حتّى يؤدّي حسابه.
ما هو مهمّ في الحقيقة هو عثوره على طريقة كي لا يكون سجينًا لديْنه وخوفه. نستطيع القول بأنّ الطّريقة الوحيدة فقط لتحقيق ذلك تتمثّل في تمييز الثّروة والخير الحقيقيّين.
يُدرك الوكيل أنّ الثّروة الحقيقيّة تتمثّل بالصّداقة والإخوة ويقوم بالمستحيل للحصول عليها.
يتوقّف الوكيل عن استغلال الآخرين لزيادة غناه ويستخدم بالمقابل الثّروة كي يعثر على الصّداقة. يمكن القول بأنّه يتوقّف عن إيجاد مكان له في الثّروة ويبدأ بالبحث عن مكان له وسط إخوته، تمامًا مثل الابن الضّالّ في مثَلْ الأحد الماضي. إنّه يكفّ عن البحث عن مكان له في ذاته ونزواته ويعثر عليه في بيت أبيه.
عندما انتهى يسوع من سرد المثَل حضّ بقوّة في موضوع الثّروة والمال (لوقا ١٦: ٩– ١٣)، لأنّه يعلم أنّ السّعي وراء اقتناء الممتلكات يمكنه إعماء بصيرة الإنسان وإيهامه بأنّها تكفي حياته وفرحه.
وهذا هو الحال منذ بداية التّاريخ. إنّ غريزة الخطيئة الّتي يراها الله جاثمة في قلب قايين (تكوين ٤: ٧) ليست سوى جشعًا لا يمكن إشباعه، وعلى الإنسان أن يضبطه.
في الواقع، يؤكّد يسوع على تفاهة المال، حتّى وإن كان كثيرًا ويصفه بالحرام (لوقا ١٦: ١١– ١٢). إنّه تافه لأنّه غير كاف لمنح الحياة وهو حرام لأنّه يَعِدُ بالحياة والسّعادة حتّى وإن لم يستطع الإيفاء بهذا الوعد.
ومع ذلك، كلّ من كان أمينًا على هذا الشّيء التّافه والحرام، من غير المبالغة في السّعي وراءه وتكديسه، بل بالعيش كبشر محتاجين يشاركون ما لديهم مع الآخرين، سيجد في النّهاية الثّروة الحقيقيّة في المشاركة ذاتها، وهي ثروة قادرة على تهدئة الرّغبة والعثور على مسكن يستطيع أخيرًا العيش فيه."