دينيّة
23 كانون الثاني 2018, 08:00

مار شربل للأب داود كوكباني: الطّريق إلى الله واحد وهو يسوع

ريتا كرم
أذهل العالم بنسكه وإيمانه، أدهشهم في حياته على الأرض كما في السّماء. هو خلق في قلب كلّ مؤمن توقًا إلى سماع صوته، لا بل أكثر شوقًا إلى محادثته وجهًا لوجه. ولعلّها تلك رغبة كلّ إعلاميّ بشكل خاصّ، رغبة تتجلّى في محاورة أكثر الشّخصيّات قدسيّة في وطن الأرز، ونقصد القدّيس شربل.

 

هذه الرّغبة شعر بها كذلك الأب داود كوكباني قبل رحيله. فهو المعروف بعمقه الرّوحيّ كرجل دين وببراعته كرجل إعلام، رمى الشّبكة في بحر شربل وجمع غلّة وفيرة أجابت عن تساؤلات جماعة المؤمنين في حوار تخيّله بينه وبين ابن بقاعكفرا شربل.

نحن لطالما تساءلنا كيف تعلن الكنيسة طوباويّة راهب انعزل عن كلّ النّاس في زمن تدعو فيه الإكليروس إلى الالتزام بقضايا النّاس والمجتمع، تساؤل وضعه الأب داود برسم مار شربل الّذي أجاب "افتراضيًّا" مصوّبًا اعتقادات النّاس: "أين الغرابة في ذلك؟ صحيح أنّ الكنيسة تريد أن تلتزم قضايا الإنسان ولكن هل لها أن تنسى أنّ رسالتها الأولى هي إعلان مجيء ملكوت الله؟ رائع الانفتاح على العالم، لكن ألا يجب أن يكون في زمن الانفتاح من يذكّر بأنّ الانفتاح على العالم لا يعني الانقطاع عن الله؟ لهذا أعلنتني الكنيسة طوباويًّا، لتذكّر أنّ الانفتاح على العالم يهدف إلى انفتاح العالم على ملكوت الله."

هو ليس هروبًا ولا جبنًا كما يفعل الـ"أشقياء" أو "من انقطع عن العالم حقدًا أو كرهًا، فهؤلاء لا يمكنهم أن يتواصلوا مع الله ولا أن يكونوا مسيحيّين، لأنّ المحبّة- محبّة الله ومحبّة القريب- أساس في حياة المسيحيّ"، وشربل لم ينقطع عن العالم وناسه بل "انقطع إلى الله"، ومن انقطع إليه "هو حكمًا في تواصل مع النّاس لأنّ الله في تواصل معهم."

أبونا داود، وفي قراءة لأفكارنا، طرح السّؤال الأصعب: "ألم يجعلك الانقطاع إلى الله قاسيًا، ألم ترفض أن تلتقي أمّك الّتي تكبّدت مشقّات السّفر لتلتقيك؟"، أمّا شربل ففعل ذلك لأنّه سيلتقيها في السّماء. هو لم ينفِ أنّ فعله جعلها حزينة، لكنّه اليوم يلتقي بها ومن دون انقطاع في حضرة يسوع، "أنتَ لا تتصوّر الفرح الّذي يغمرنا في عالم لا يمكن أن تراه عين أو تسمع به أذن أو يخطر على قلب بشر.. اليوم نحن نلتقي خارج المسافات وخارج المدى الزّمنيّ. المسافة هنا هو قرب الأحبّاء، والمدى هو لحظة الحبّ الّتي لا تنتهي. هنا تحرّرنا من ظروف محدوديّتنا لنعيش، مدى الأبد، لحظة الحبّ."

شربل فهم رسالته في هذه الحياة فلبّى دعوة الله له: الاستحباس. كذلك على كلّ إنسان أن يعي دوره ويصغي إلى صوت الله ويعيش بإيعاز منه، فـ"يسوع المسيح غنيّ بحبّ يطال كلّ حالات الإنسان. إنّه يدعو إلى الشّهادة في العالم: في العائلة، في الرّسالات البعيدة، في مساعدة النّاس على الشّفاء نفسًا وجسدًا. كما يدعو آخر إلى العمل من أجل حقوق الإنسان..." باختصار، "إنّ الطّريق إلى الله واحد وهو يسوع، لكنّه يتّسع لكلّ إنسان ولكلّ الإنسان".

إذا قرأنا بين سطور هذا الحوار، نجد أنّه بين دعوة الكنيسة إلى الانفتاح على النّاس ودعوة شربل في الانقطاع إلى الله، محبّة كبيرة لا تصرفنا عن "المطلوب الواحد: الله".