سوريا
22 نيسان 2020, 07:45

ماذا يقول يوحنّا العاشر وأفرام الثّاني في الذّكرى السّابعة على اختطاف مطراني حلب؟

تيلي لوميار/ نورسات
أصدر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر وبطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسّريان الأرثوذكس والرّئيس الأعلى للكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة في العالم إغناطيوس أفرام الثّاني، رسالة مشتركة لمناسبة مرور 7 سنوات على اختطاف مطراني حلب، وجاء فيها:

"أيّها الإخوة والأبناء الرّوحيّون الأعزّاء،

المسيح قام، حقًّا قام.

بسلام الفصح نتوجّه إليكم مشاركين إيّاكم صلواتكم في زوايا البيوت وحانين وإيّاكم ركبة القلب أمام المسيح المصلوب من أجلنا والقائم من بين الأموات والمقيم إيّانا في نوره الإلهيّ والنّافض عن النّفوس ركام الأزمنة المرّة ورماد القنوط واليأس. وفي غمرة بهاء الفصح غصّة ملفّ أخوينا مطراني حلب يوحنّا إبراهيم وبولس يازجي المخطوفين منذ 22 نيسان 2013. نخاطبكم اليوم من القلب إلى القلب ونخاطب وإيّاكم العالم أجمع لنقول إنّ مسيحيّي هذا الشّرق لا زالوا ومع غيرهم من مكوّناته يدفعون من حياتهم ومصيرهم ضرائب الإرهاب والعنف تهجيرًا وخطفًا وقتلًا ومحنًا شتّى بالرّغم من كلّ ذلك بقوا على عهد محبّةٍ ليسوع المسيح ربًّا افتداهم على الصّليب وزرعهم في هذا الشّرق منذ ألفي عام حمَلةً لفرح إنجيله.

من لحظة الخطف وإلى يومنا هذا لم تسفر آلاف المحاولات والجهود في الكشف عن مصير المطرانين. كلّ ذلك وسط كمٍّ هائل من المعطيات والخيوط والتّحليلات والتّساؤلات الّتي غالبًا ما أسهمت إلى زيادة الملف غموضًا وتعقيدًا.

٢٥٥٧ يومًا مضى ونحن لم نأل جهدًا في سبيل إيصال الملف إلى خواتيم سعيدة أحبها على قلبنا يبقى تحرير المطرانين وعودتهما سالمين آمنين بيننا. لم نترك بابًا محليًا كان أو إقليميًا أو حتّى دوليًا إلّا وطرقناه من حكومات ومنظّمات وحشدنا العديد من الجهات والشّخصيّات الفاعلة والمؤثّرة بهدف إدراج القضيّة على شتّى المنابر العالميّة وغيرها الكثير الكثير من الجهود والمساعي. نشكر من القلب كلّ من ساعد ووعد وقدّم أيّ جهدٍ أو مساهمة إن كان على الصّعيد الإنسانيّ أو الإعلاميّ أو الدّبلوماسيّ أو الأمنيّ أو السّياسيّ بصفة رسميّة كانت أو حتّى شخصيّة لما قد يبعث الدّور الّذي لعبوه من بصيص أمل وسط الظّلمة والظّلام المطبق والمحزن في حين كان تعامي المجتمع الدّوليّ وصمته قد ألقيا بظلالهما على هكذا قضيّة إنسانيّة ومصيريّة ملحقين الضّرر بمسيرة البحث عن حلول.

إذ ترتسم أمامنا اليوم صورة أخوينا المطرانين وهما في صلاةٍ دائمة من أجلنا جميعًا، نطلب من كلّ مؤمنينا حيث هم الصّلاةَ من أجلهما في هذا الأسبوع تحديدًا. نطلب الصّلاة من أجلهما ومن أجل كلّ مظلوم مخطوف ومفقود ومهجّر وكلّ من ضاقت به الدّنيا فوجد رجاءه في صليب المسيح وعزاءه وقوّته في قيامته المجيدة الظّافرة.

الإنسان المشرقيّ ليس أبخس ثمنًا من غيره. ولعلّ الوباء الحاضر، والّذي اكتسح ويكتسح أسفًا هذه البشريّة ونصلّي من أجل أن يرتفع عنّا، هو أوضح برهانٍ أنّنا جميعًا أوّلًا وأخيرًا، من كلّ الأعراق والأديان والانتماءات إخوة في الإنسانيّة وركّاب قارب واحدٍ. ويا ليت الإنسان قد وعى ذلك ويا ليت السّاسة ومن يتعاطون الشّأن العالميّ قد وعوا أنّ طينة الإنسان وكرامته هي هي مهما اختلف البلد واختلفت الأرض والدّيار واللّغة والحضارة والدّين. حلّ الوباء الحاصل على رغم مرارته ليقول إنّنا نتقاسم على هذه البسيطة وجودًا واحدًا وأخوّةً إنسانيّة واحدةً ويا ليت هذا كان جليًّا وواضحًا أمام عين قلب وباصرة الإنسان الّذي يمتهن كرامة أخيه غير مدركٍ أنّ الويل سيرجع وسينقلب عليه وأنّ كرامته هو ستنتقص أوّلًا وأخيرًا. الأولى بنا جميعًا أن ندافع معًا وأوّلًا وأخيرًا عن الكرامة الإنسانيّة الحقّ ونعي أنّ كرامة أخينا الإنسان وحياتَه وكلَّ وجوده هو جزء من قلبنا ووجودِنا وبعضٌ من كياننا.

نحن كمسيحيّين في هذا الشّرق جذرٌ ضاربٌ في التّاريخ لم يقربه يباسٌ ولن يقرَبَه يباس. ومن هذا الجذر يخرج الدّوحُ الكبير حضورًا مسيحيًّا أنطاكيًّا في الشّرق وفي كلّ العالم مزهرًا فوّاحًا بعبير الشّهادة المسيحيّة للمسيح يسوع له المجد والمحبّة للأخ من كلّ الأطياف. دروس التّاريخ علمتنا أنّنا لا نحتاج حمايةً من أحد، ولا نريد الحماية من أحد. نحن مكوّن أصيلٌ من هذا الشّرق بكلّ منعرجاته وبكلّ إشراقاته. أمام دورنا يسقط منطق الأقلّيّة والأكثريّة ليعلو منطق اللّقيا والحوار ومنطق الدّور الرّياديّ الّذي كان للمسيحيّين ولغيرهم. نحن لسنا ورقةً بيد أحد ولن نكون ورقةً لا بل رسالة وجودٍ وأصالةٍ وجسرَ تواصلٍ وتلاقٍ بين الشّرق والغرب وبين المسيحيّة وغيرها من الأديان.

نصلّي اليوم من أجل أخوينا المطرانين ومن أجل كلّ مخطوف آخر ونضع نصب أعيننا أنّنا لن نألو جهدًا في مواصلة جهودنا بتحريك هذا الملفّ والوصول به إلى الخواتم المرجوّة الّتي يترقّبها قلب كلّ مسيحيّ ومشرقيّ وقلب كلّ ذي إرادة حسنة. وإذ نقول هذا، نؤكّد أنّ درب الصّليب انتهى إلى فجر قيامة.

صلاتنا اليوم إلى ربّ القيامة وسيّد الحياة يسوع المسيح أن يزيح بصليبه حجر القبر ويكلّل أبصارنا بنور القيامة. صلاتنا من أجل سلام العالم الّذي يئنّ تحت وطأة الوباء. وصلاتنا من أجل هذا الشّرق بكلّ بلدانه والّذي يتلمّس فجر القيامة من على جلجلة الصّليب. صلاتنا من أجل أبنائنا في حلب. نتوجّه إليهم بشكل خاصّ بسلام الفصح سائلين ربّ القيامة أن يقيم الرّجاء في قلوبهم وقلوبنا.

نحني وإيّاكم أيّها الأخوة ركبة النّفس ونشعل زيت القلب في زوايا البيوت أمام الرّبّ المسيح النّاهض من القبر. نصلّي من أجل سلام العالم ومن أجل عودة المخطوفين ونضيء قلوبنا ونفوسنا بالرّجاء الفصحيّ مرنّمين: "المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للّذين في القبور"."