الأراضي المقدّسة
02 شباط 2022, 14:50

ماذا يقول البطريرك بيتسابالا في يوم الحياة المكرّسة؟

تيلي لوميار/ نورسات
في يوم الحياة المكرّسة، توجّه بطريرك القدس للّاتين إلى إخوته وأخواته "الأعزّاء في المسيح"، قائلاً بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"ليمنحكم الرّبّ سلامه!

أريد أن تساعدنا كلمة الرّبّ الّتي سمعناها قبل قليل في الوصول إلى المعنى العميق لما نعيشه، نحن الأشخاص المكرّسين. الأمر مهمّ، ليس فقط بالنّسبة لحياتنا الشّخصيّة والجماعيّة، بل أيضًا لحياة الكنيسة بأجمعها.

نمط حياتنا يثير التّساؤل ويطرح أسئلة مزعجة لأنّه يسير عكس عقليّتنا. فهو خارج القيم والمُثل الشّائعة والعاديّة السّائدة ليس فقط في مجتمعنا، بل أيضًا يخرج عن نمط معيّن للفكر المسيحيّ والحياة بحسب الإيمان.

ينبغي أن يكون التزامنا الرّهبانيّ نبوءةً توحي بما نحن عليه وما نحن مدعوّون إلى أن نكون وما سنكونه يومًا ما. تعطينا كلمة الله اليوم صورتين عن هذا الأمر:

من هما سمعان وحنّة؟ يسرّني أن أفكّر أنّهما شخصان حصلا على تعزية من الله. نقرأ في الآية 25 أنّه كان في أورشليم رجل صدّيق وتقيّ كان ينتظر عزاء إسرائيل.

يمكن اختصار ما قاله الأنبياء بهذه الكلمة: "عزاء". يُدعي القسم الثّاني من سفر أشعيا النّبيّ، والّذي يبدأ بإعلان بشرى الخلاص ("عزّوا، عزّوا شعبي يقول ربّكم..." (أشعيا 40، 1) (يدعى) "كتاب تعزية إسرائيل". يكرّر الأنبياء للشّعب أنّ الله يريد أن يعزّي وأن يكون حاضرًا وقريبًا منّا وأنّه لا يتركنا.

هذا ما ينتظره سمعان الشّيخ، ينتظر عزاء إسرائيل. فهو رجل صدّيق وتقيّ، لكنّه يعلم أنّه لا يكفي أن يكون المرء صدّيقًا وتقيًّا، وأنّ الحياة الحقيقيّة ليست فقط في الصّدق، أيّ في منطق حياة بشريّة محضة، بل تسير وتأخذنا إلى أبعد من ذلك، وأنّه يجب انتظارها. ينتظر سمعان طيلة حياته معتمدًا على وحي من الرّوح. ينتظر طيلة حياته، إلى أن أتى يوم، كباقي الأيّام، وفي الهيكل، حصل فيه على العزاء.

ما هو هذا العزاء؟

يقول سمعان نفسه في الآية 30 عندما يراجع ما حدث معه اليوم عندما أخذ الطّفل بين ذراعيه، يقول مندهشًا أنّه "رأى الخلاص"، ورآه بأمّ عينيه.

تقوم التّعزية إذن على رؤية الخلاص، وبرؤيته بأمّ العين، أيّ باختباره فعليًّا. هذا يعني القدرة على رؤية الله حاضرًا في حياتنا بطريقة جديدة وغير متوقّعة. وأنّ الرّبّ يأتي في الوقت الّذي لا ننتظره فيه.

التّعزية هي خبرة ما يرغب الإنسان فيها أكثر من غيرها، لكنّه لا يستطيع الحصول عليه بقواه الشّخصيّة. وهذا ما يصبح واقعًا بفضل النّعمة. هي خبر السّماء الّتي تُشَقّ بحيث يحصل الإنسان على أغلى ما يريد. وهكذا نحصل على خبرة الشّفاء في داخلنا. وحده الله يمكنه أن يعزّي.

لا يمكننا أن نعزّي لوحدنا لأنّنا لا نملك كلام الحياة الأبديّة. كلماتنا بشريّة وفقيرة ومحدودة وتعجز عن إعطاء الحياة أو الشّفاء.

لكنّنا عندما نختبر عزاء الله، يمكننا أن نصبح نحن أيضًا علامة تعزية بعضنا لبعض.

هذا ما يقوله مار بولس في رسالته الثّانية إلى أهل كورنتوس: "تبارك الله أبو ربّنا يسوع المسيح أبو المراحم وإله كلّ تعزية، الّذي يعزّينا في جميع مضايقنا لكي نستطيع أن نعزّي الّذين هم في كلّ ضيقة بالتّعزية الّتي بها تعزّينا به من قبل الله" (2 كور. 1، 3-4).

سمعان وحنّه شخصان حصلا على التّعزية لأنّهما كانا شخصين مكرّسَين، بكل ما في الكلمة من معنى، أيّ رجل وامرأة ربطا معنى حياتهما بانتظار ما، رجل وامرأة أعطيا معنى لرغبتهما وعاشا مع هذه الرّغبة دون تعب وخوف وتشاؤم.

الأشخاص المكرّسون هم الّذين يعلمون أنّ الله وحده يمكن أن يعزّي، وأنّه وحده يمكنه أن يعطي الحياة، ويختارون البقاء في حالة الانتظار والرّجاء، في روح فقرٍ ينتظر اكتمال حياتهم من الله. يشكّل هذا الانتظار، والحياة الّتي تتوق إلى ما هو أبعد من المنظور، حقيقة حياتهم.

أعتقد أنّ هذا هو أحد أكبر تحدّيات اليوم. القدرة على رؤية رغباتنا العميقة، وتمحور حياتنا حول ذلك، مع القبول بنوع من الفراغ والعيش في صحراء قاحلة لا حياة فيها سوى نظرة موجّهة إلى التّعزية الآتية من الله.

تحوي ساعة السّجود الّتي نقوم بها جميعًا مرّة في الأسبوع على هذه الصّفة، أيّ تفريغ قلوبنا والعيش فقط من نظرة إلى ما هو أعلى يتجسّد في واقع حياتنا.

ولأنّ سمعان وحنّة عرفا كيف ينتظران، عرفا كيف يتعرّفان على تعزية الله. لكنّهما أيضًا عرفا خبرة الاندهاش (راجع يوحنّا المعمدان الّذي اندهش عندما تعرّف على المسيح بين من كانوا يأتون ليقبلوا المعموديّة...)

يفاجئنا الله لأنّه أصبح صغيرًا، طفلاً، لأنّه كباقي الأطفال، ولأنّ مجيئه لم يكن خارق العادة.

هذه هي رسالتنا، نحن المكرّسين: أن نحافظ على التّعرّف على الله، وأن نتمرّن على التّعرّف عليه في كلّ فقير وكلّ فقر، ابتداءً من فقر حياتنا. يجب أن نتعرّف عليه في كلّ ما هو عاديّ.

وما هو غير اعتياديّ يحصل في داخلنا عندما نتعرّف على الله، لأنّ ذلك يبدّل حياتنا. ولأنّ التّعرّف على الله تأتي بالسّلام: "الآن أطلق يا ربّ عبدك بسلام" (لوقا 2، 29).

لا يمكن لثمر كلّ ذلك أن يكون إلّا السّلام العميق، الّذي كان ظاهرًا في وجه هذين الشّخصين المتواضعين، اللّذين لم يعودا يحتاجان إلى أيّ شيء، لأنّهما رأيا الخلاص.

نحن هنا ليوم لنتعرّف على كلّ هذا، ولنطلب من الله أن يتعمّق موقف الانتظار والتّعزية والمعرفة والوداعة والسّلام دومًا في حياتنا وفي جماعاتكم الرّهبانيّة وبالتّالي في حياة كلّ واحد منّا.

آمين".