سوريا
23 نيسان 2018, 08:29

ماذا يقول البطريركان يوحنّا العاشر وأفرام الثّاني في السّنة الخامسة على اختطاف مطراني حلب؟

أصدر بطريركا أنطاكيا وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر، وللسّريان الأرثوذكس إغناطيوس أفرام الثّاني، بيانًا في الذّكرى الخامسة على اختطاف مطراني حلب، وقد جاء فيه:

 

"أيّها الإخوة والأبناء الرّوحيّون الأعزّاء،
المسيح قام، حقًّا قام.

ونحن في موسم القيامة المجيدة، يطيب لنا أن نتوجّه إلى كلّ أبنائنا بسلام الفصح المجيد وأن نسأل ربّ القيامة أن يسبغ على العالم أجمع نور فصحه المقدّس، لتستضيء به النّفوس والخليقة. ومن بهاء الفصح نطلّ على العالم إطلالة المحبّة، ومن فرح القيامة، نصلّي من أجلكم أيّها الأحبّة ونسأل لكم ولأخصّائكم كلّ خير وبركة ونصافحكم من القلب إلى القلب ونسأل وإيّاكم الرّبّ القدير أن يمنح السّلام لعالمه.

ومن وهج القيامة، يطيب لنا أن نؤكّد ونقول إنّ الظّلمة ليس لها أن تغلب النّور، وإنّ النّور ينجلي من بعد شدّة. في كلّ كنائسنا يعلو صليبٌ إنْ داخلاً أو خارجًا. ولعلّ هذا ليذكّرنا دومًا أنّ أبناء القيامة هم أوّلاً وأخيرًا أبناء الصّليب. نحن لا نقدّس الألم في المسيحيّة لكننا نجلّ المحبّة الّتي لا توفّر حتّى درب الألم في سبيل من تحبّ. نحن لا نطوّب الضّيق لكنّنا نستهينه في سبيل بلوغ الأسمى.

فلنتذكر دومًا يا إخوة أنّ هذه الأرض هي أرض المسيحيّة الأولى ولنضع نُصب أعيننا أنّنا لم نوفر جهدًا ولن نوفّر جهدًا في البقاء فيها. نحن نعلم أنّ الظّرف عصيب على الجميع ولكنّنا نطوي كلّ هذا باتّكالنا على ربّ القيامة الّذي زرعنا في هذه الأرض يوم شتل في مسامعنا ومسامع أجدادنا كلمة إنجيله قبل ألفي عام. فنحن منبت هذه الأرض وهي فينا منبت هويّة ووجدان.

نحن اليوم أمام الذّكرى الخامسة لاختطاف أخوينا مطراني حلب يوحنّا إبراهيم وبولس يازجي. واختطافهما صورةٌ تعكس ولا تختزل ما تعرض ويتعرّض له إنسان هذا المشرق. منذ حوالي سبع سنوات اندلعت الأزمة في سوريا وفي غير مكان وسمّاها البعض ربيعًا وهي أبعد ما تكون عن الرّبيع.

وإلى الآن ندفع ويدفع كثيرون ثمنًا باهظًا لعبثيّة حروب ودمًا طاهرًا دفاعًا عن أرضٍ ودرءًا لإرهابٍ وتكفيرٍ لم نعرفه في ماضينا القريب والبعيد.

ترتسم أمامنا اليوم حادثة الخطف الآثم لهاتين القامتين. إنّ ما يندى له جبين البشريّة أمام هذا الحدث هو عدم الاكتراث الّذي نرى تجاه هذه القضيّة. لم تنجح كلّ الجهود في الحصول حتّى ولو على طرف خيط في هذه القضيّة. وكلّ هذا يضعنا أمام أسئلة مصيريّة وأجوبة مصيريّة.

إذا كان المقصود من خطف مطرانَيْنا الإيحاء بأنّ المسيحيّين هم على درجة أدنى من المواطنة فمن هنا، كلمةُ حقّنا قاطعةً بأنّ المسيحيّين في سوريا وفي غيرها هم مواطنون أصلاء وهم مكوّنٌ أساس من مكوّنات هذه الأوطان.
إذا كان المقصود من خطف مطرانينا ترهيب ما يسمّى بالأقلّيّات، فجوابنا واضح: نحن نرفض منطق الأقلّيّة والأكثريّة وآباؤنا وأبناؤنا كانوا مع غيرهم عماد الوطن والجيش وشركاء الدّمّ والشّهادة مع كلّ المكوّنات الأخرى في وجه من حاول ويحاول التّطاول على أوطاننا.

إذا كان المقصود من الخطف ترهيب المسيحيّين بشكل خاصّ ودفعهم إلى الهجرة، فجوابنا: إنّ وجودًا مسيحيًّا عريقًا لألفي عام ليس له أن تلويه شدّة مهما عظمت. ونحن من صلب هذي الأرض ونحن خميرها ومغروسون فيها منذ ألفي عام.

إذا كان المقصود من الخطف تقوية النّعرة الطّائفيّة وبثّ روح التّكفير تجاه الآخر، فنحن نرى أنّ هذه الإيديولوجيّات المتطرّفة غريبة عن ماضي وحاضر حضارتنا المشرقيّة، ونحن كمسيحيّين نرى في الآخر محكّ محبّتنا وتقوانا لله ونرى فيه، ونأمل ونثق أن يرى فينا، مبَرّةَ مسعاه إلى رحمانيّته تعالى.

إذا كان المقصود من الخطف والتّغييب الإيحاء بأنّ هنالك صراعًا بين المسلمين والمسيحيّين في الشّرق، والادّعاء أنّ الشّرق مسلم والغرب مسيحيّ، فنحن هنا لنشهد أنّ المسيحيّة وُلدت في الشّرق والأحداث الآثمة الأخيرة لم توفّر لا كنيسةً ولا مسجدًا وأنّ نار الإرهاب لم تفرّق شيخًا أو كاهنًا والمستهدف من وراء كلّ هذا هو الإنسان المشرقيّ.

وإذا كان التّعتيم التّامّ على الملفّ يهدف لزرع الوجل والرّهبة في نفوسنا، فنحن كمسيحيّين لنا في صليب ربّنا عبرةٌ ومنه نتعلّم ألّا نهابَ قدرًا أو محنة. ونحن مغروسون في هذه الأرض كما انغرس فيها يومًا ما صليب المسيح فأنبض فجرَ القيامة.

لقد طالتنا الشّدّة في هذا الظّرف الصّعب فوحدتنا المحنة الحاصلة. ونحن كمسيحيّين مشرقيّين أحوج ما نكون إلى التّضامن والتّكافل في هذه الأيّام. لم يسأل خاطفو المطرانين عن طائفتهما ولا عن انتمائهما. لقد رأوا فيهما وجه المسيح وسلام الرّسل القدّيسين الأطهار. ونحن اليوم مدعوّون أكثر من كلّ لحظة إلى أن ننظر إلى ما يجمعنا كمسيحيّين وإلى ما يعزّز تعاوننا وتلاقينا وسط كلّ هذه الظّروف القاسية علينا وعلى غيرنا.

إنّ أكبر تجربة قد نتعرّض لها في هذا الملفّ هي أن يتسرّب إلى أذهان البعض منطق النّسيان بفعل الزّمن. ولا ضير أن نذكر أنّنا وخلال الفترة المنصرمة، لم نترك بابًا إلّا وطرقناه. لقد تواصلنا وعلى أرفع المستويات مع كلّ المراجع والحكومات وكلّ ذوي القرار. طرقنا باب سفارات وحكومات وأجهزة أمن وجهات ومنظّمات دوليّة وإقليميّة. وأمام هذه الذّكرى الأليمة نجدّد عزمنا وجهدنا لنصل إلى خواتم مرجوّة لهذا الملفّ شاكرين كلّ من شاطرنا ويشاطرنا همّنا في هذه القضيّة الإنسانيّة.

نحن اليوم في زمن القيامة المجيدة الّتي نرجوها قيامةً لكلّ مَن اكتنفته شدائد المحبّة. نوجّه تحيّةً قياميّةً لأخوَيْنا العزيزَيْن بولس ويوحنّا أنّى وُجِدَا ونحن على يقين بأنّ نور القيامة يخترق كلّ حدود وقيود. كما نعيّد بشكل خاصّ أبناءنا الرّوحيّين في حلب من كهنة وعلمانيّين، هؤلاء الّذين بوفائهم أثبتوا أنّهم للمطرانَيْن أبناء حقيقيّون، يحفظون ما تعلّموه منهما بكلّ أمانة وينتظرون عودتهما باشتياق كبير كما ينتظر الابن أباه.

نصلّي أن يزيح المسيح حجر الضّيق عن قلب كلّ إنسان وأن يبلسم الله القلوب برحيق العزاء الإلهيّ وأن يفرج عن كلّ مخطوف ويهبنا سلامه الإلهيّ.

المسيح قام، حقًّا قام!".