الفاتيكان
12 تشرين الأول 2018, 13:48

ماذا قال البطريرك إسحق في سينودس الأساقفة؟

ألقى بطريرك الإسكندريّة للأقباط الكاثوليك إبراهيم إسحق كلمة في سينودس الأساقفة حول "الشّباب، الإيمان وتمييز الدّعوات"، فقال نقلاً عن "المتحدّث الرّسميّ للكنيسة الكاثوليكيّة في مصر":

 

"أحمل لكم تَحِيّاتِ الشّباب المصريّ وشُكرًا للأب الأقدس على زيارته لمصر؛

تناوَلَت مُداخَلتي موضوعَ الحياة البشريّة في الأفق الخاصّ بالدّعوة، ومضمونِها بالفقرات 88-91 من ورقة العَمَل.
وقد تساءلتُ خلال قدومي إلى روما، لِماذا تُكَرِّس الكنيسة سينودُسًا للشّباب؟ ولماذا تتساءل الكنيسة: أين هُم الشّباب؟ ولماذا لا يُسمَع ضجيجهم وحماسُهُم؟ ولماذا يَنظُرُ بعضُهُم للكنيسة بتجاهُل، أو بِبُغضٍ أو مرارة، وآخرون بأوهامٍ، بينما قد تَرَكها البعضُ الآخر بالفعل؛ ويجتهدُ آخرون في أن يكونوا جُزءًا منها وأن يستَمِرّوا في رؤية جمالِها المُختَبِئ وراء ضُعفِ وخطايا أبنائِها، من دون التّغاضي بالرّغمِ مِن ذلك عَن شباب كثيرين مازالوا قريبين منها وأوفِياءَ لها. 
المسؤوليّة مزدوجة؛
يتعَوَّد الشّباب على الحصول على كُلِّ شيءٍ، ويرفضونَ فَورًا أيَّ شكلٍ للسُّلطة. والكنيسة هي أيضًا سُلطةٌ؛ وإنَّ كثيرون لم يعودوا يشعرون بضرورة اتِّباعِ مُثُلٍ عُليا أو نماذِجٍ للقداسة؛ ففي الواقع أنَّ العالم يعاني اليومَ مِن تَنَوُّعٍ عريض مِنَ الأجوِبة والإمكانِيّات، الّتي تتركهم في حيرة، أو شَكٍّ أو قَلَقٍ.
وليس نادِرًا ما يختبِئ جمال الكنيسة وثَراءِ الرّسالة الّتي تحمِلُها خلفَ هشاشة البشر، وخلف الرّسمِيّات، وصرامة اللّيتورجيا، والبرامج الرَّعَوِيّة المُمَيكَنة، والسِّجِلّات الرّسمِيّة، والأحكام المُسبَقة الجاهزة، وعدم اتِّساق الرّسالة المُعلَنة مع الحياة الملموسة الّتي يتبَعُها بعض خُدّامِها.
لذا فالكنيسة والشّباب كلاهُما عليهما أن يقولا: «خطيئتي عظيمة». وعلى كليهُما القيام بتمييزٍ حَقّ وإصغاءٍ مُتَبادَل؛ وعليهما أن يتواصَلا مَعًا للعثورِ على طُرُقٍ جديدة وعلى مؤمِنينَ ينقِلون الرّسالة الخلاصِيّة بأسلوبٍ مفهوم وجذّابٍ للأجيال الجديدة بدونَ تَمييع مُحتَواها وبدون خيانتها أو تحويلِها إلى رسالةٍ مُشَفَّرةٍ (يفهمها القليلون فقط).

والشّباب في مصر - 21% من السّكّان- وفي أعقابِ ثورَتين خلال ثلاث سنوات- يعيشون زمنًا انتقاليًّا، زمنَ عبورٍ وعدم تأكُّدٍ من المستقبل. يتحوَّل مجتمعٌ تقليدِيّ سريعًا وبِعُنفٍ إلى مجتمعٍ «مقلوبٍ رأسًا على عَقِب» يخضعُ الجميعُ وَكُلُّ شيءٍ فيهِ للنِّقاش؛ وحيثُ اختفت صورة رأس العائلة (الكبير، سواءً في العائلة أو المدرسة أو الكنيسة) وأيضًا تُنتَقَد ويُستَخَفُّ بِها؛ وحيثُ انقَلَبَت درجات القِيَم؛ وطَغَى ثِقَلِ الحالة الاقتصاديّة غيرَ المُستَقِرّة على جميع المسائل الأخرَى (بما فيها الإيمان)؛ وحيثُ لأوَّلِ مَرَّةٍ تُجاهِر مجموعات شبابيّة بالإلحاد، رافِضينَ الدّيانة والإيمان بالله.
وتجدُرُ الإشارةُ تَحديدًا إلى أنّه إلى جانِبِ أشكالِ الرّفضِ والإنكار لِما هو مُقَدَّسٌ، توجَدُ أيضًا أشكالٌ مِن التَّطَرُّف الدّينِيّ أو التَّعَلُّق بالشَّعوَذة والخُرافات.
فماذا إذًا يُمكِن عَمَلُهُ لمساعدة أنفُسِنا وشبابِنا على «الاختلاط بالمُستَقبَل»، وللعثورِ مُجَدَّدًا في الكنيسة على رفيقةٍ للنَّفسِ، وقارِب الخلاص، الأرض الرّاسخة أو «البيت»؟
أوّلاً: إعادة بناء مُتَبادَلة للثِّقة والاحترام، عَبرَ الإصغاء المتيقظ والدّقيق.
ثانيًا: إعطاء الأولويّة للتّرحاب (كما في قَوْلٍ مصرِيّ: «أن تُرَحِّب بي أفضلٌ مِن أن أجِدَ لديكَ خُبزًا»)؛ وإعطاء الأولويّة للتّمييز، فلا يُعَدُّ كُلُّ «نَمَطٍ جديدٍ» مِن عَمَلِ الشّيطان، بل التَمَكُّن من قراءة علامات الأزمِنة بأعيُنِ الله.
ثالثًا: تشجيع الشّباب كَي يصبحوا مُرسَلين مِن أجلِ الإنجيل. فإنَّ خبرة الخروج مِنَ «الأراضي الشّخصيّة» لاكتشاف الآخرين يُساعِد كثيرًا في النُّمُوِّ على المستويين الإنسانِيّ والرّوحِيّ.
رابعًا: الالتزام بِجِدِّيّة بِنَبْذِ الحياة المزدوجة؛ مثل أن يتحدَّث أحدهم عَن الفَقرِ بينما يعيشُ كَمَلِكٍ، أو التّبشير بالمحبّة فقط بالأقوال، أو الادِّعاء بامتِلاكِ كُلِّ الإجابات.
خامسًا: التَّيَقُّن مِن أنَّ قوّة الكنيسة وثراءها يتمثّلانِ في الرّسالة الّتي تحمِلُها وفي أمانَتِها للرّبِّ، وليس في التَّقَنِّيّات المُعَقَّدة. قوّة الكنيسة في أن تكونُ مكانًا يتمَكَّن فيهِ الشّباب مِن اللِّقاءِ بالمسيحِ القائِم، وليختبروا فيهِ عَمَلِ الرّوح القُدُسِ ويشعروا أنّهم محبوبون ومَسموعون ومُقَدَّرون".