ماذا قال البابا فرنسيس لأعضاء اللّجنة الحبريّة لأميركا اللّاتينيّة؟
"لقد أسّس يسوع كنيسته كصداقة، كفعل حبّ وكعلامة شفقة لطبيعتنا الضّعيفة والمحدودة. بتجسّده عانق يسوع بشريّتنا وعانق الـ"أنا" البشريّة الّتي غالبًا ما تكون أنانيّةً وخائفة ليعطينا قوّته ويُظهر لنا أنّنا لسنا وحدنا في مسيرة الحياة، بل لدينا صديق يعضدنا من علوّ ويدعونا لنقدّم هذه الصّداقة عينها بأسلوب رسوليّ للآخرين لنوسِّع هكذا الخبرة الّتي نسمّيها "كنيسة".
لهذه الحقيقة تبعات عديدة في مجالات مختلفة ولكنّها مهمّة بشكل خاصّ للّذين يكتشفون أنّهم مدعوّون ليكونوا مسؤولين عن تعزيز الخير العامّ. إنَّ يسوع يدعونا لكي نكون أصدقاءه. إن انفتحنا على هذه الفرصة لن يخفَّ ضعفنا ولن تتغيّر الأوضاع الّتي نعيشها على الفور، ولكنّنا سنتمكّن من النّظر إلى الواقع بأسلوب جديد وسنتمكّن من أن نعيش بشغف متجدّد التّحدّيات في بناء الخير العامّ. لدينا قدّيس في أميركا اللّاتينيّة كان يعرف جيّدًا هذه الأمور. لقد كان يرى العديد من العلمانيّين الّذين يرغبون في تغيير الأمور ولكنّهم ولمرّات عديدة كانوا يضيعون في أجوبة إيديولوجيّة خاطئة. لذلك وإذ وضع عقله وقلبه في يسوع وسمح للعقيدة الاجتماعيّة للكنيسة بأن تقوده. كان القدّيس أوسكار أرنولفو روميرو يقول: "لا يمكن للكنيسة أن تتشبّه بأيّة منظّمة، ولا حتّى بتلك الّتي تصف نفسها وتشعر بأنّها مسيحيّة. الكنيسة ليست منظّمة ولا يمكننا أن نطلب من الكنيسة أو من رموزها الكنسية أن تتحوّل إلى أساليب عمل نشاطات سياسيّة. لكي يكون الإنسان سياسيًّا صالحًا لا يجب أن يكون مسيحيًّا، ولكن على المسيحيّ الّذي يلتزم في النّشاط السّياسيّ أن يعلن إيمانه، وإن ظهر في هذا النّشاط تناقضًا بين الأمانة لإيمانه والأمانة للمنظّمة يجب على المسيحيّ الحقيقيّ أن يُفضِّل إيمانه ويُظهر أن كفاحه في سبيل العدالة هو من أجل عدالة ملكوت الله".
لقد توجّه روميرو بهذه الكلمات للمؤمنين العلمانيّين لكي يكونوا أحرارًا لا عبيدًا ولكي يجدوا مجدّدًا الدّوافع الّتي ومن أجلها يستحقّ العناء في أن يعمل المرء في المجال السّياسيّ، وإنّما انطلاقًا من الإنجيل ومتخطًّيًا جميع الإيديولوجيّات. ففي أميركا اللّاتينيّة وفي العالم بأسره أيضًا نجد أنّنا نعيش فعلاً "تغيير حقبة" يتطلّب منّا أن نجدّد لغتنا وعلاماتنا وأساليبنا، لأنّنا إن استمرّينا في فعل ما كنّا نفعله لعشرة سنوات خلت، فسنعود لنسقط مجدّدًا في المشاكل الّتي نحتاج لتخطّيها في الإطار الاجتماعيّ والسّياسيّ. يجب عليكم كشباب كاثوليك يلتزمون في نشاطات سياسيّة مختلفة أن تكونوا الأوائل في أسلوب قبول اللّغات والعلامات، القلق والرّجاء للقطاعات الأكثر نموذجيّة لهذه التّغيّرات في أميركا اللّاتينيّة. إبحثوا بإبداع وحرّيّة عن جميع الأشكال المختلفة لكي تكونوا ملائمين لدى تقديمكم لشهادة الإيمان في الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة في أميركا اللّاتينيّة. وما هي القطاعات المهمّة في تغيير الحقبة هذا في أميركا اللّاتينيّة؟ برأي هي ثلاثة ومن خلالها يمكننا أن نعيد تنشيط الطّاقات الاجتماعيّة في منطقتنا لكي تكون أمينة لهويّتها ولكي تبني في الوقت عينه مشروعًا للمستقبل وهذه القطاعات هي: النّساء والشّباب والأشدّ فقرًا.
إنَّ النّساء والشّباب والفقراء هم ولأسباب عديدة أماكن لقاء مميّز مع الوعي الثّقافيّ النّاشئ الجديد ومع ربّنا يسوع المسيح. إنّهم روّاد تغيير الحقبة وموضوع رجاء حقيقيّ. حضورهم وفرحهم وألمهم بشكل خاصّ جميع هذه الأمور هي دعوة قويّة للاهتمام للمسؤولين عن الحياة العامّة. وبالتّالي فإن كنّا لا نريد أن نضيع في بحر من الكلمات الفارغة علينا أن ننظر على الدّوام إلى وجوه النّساء والشّباب والفقراء، ولكن كروّاد تغيير وليس كمجرّد أشخاص يحتاجون للمساعدة.
إنّ هناك حاجة لحضور جديد للكاثوليك في السّياسة في أميركا اللّاتينيّة؛ وهذا الحضور الجديد لا يعني فقط وجوهًا جديدة في الحملات الانتخابيّة وإنّما أساليب جديدة تسمح بصوغ خيارات بديلة تكون في الوقت عينه ناقدة وبنّاءة. خيارات بديلة تبحث دائمًا عن الخير الممكن، خيارات بديلة مرنة وإنّما ذات هويّة اجتماعيّة مسيحيّة. نحن الكاثوليك نعرف جيّدًا أنّه في الحالات الملموسة ومع الأخذ بعين الاعتبار لحالات التّضامن الّتي تعاش، من الضّروريّ أن نعترف بتنوّع شرعيّ لخيارات ممكنة، لأنَّ الإيمان المسيحيّ عينه يمكنه أن يقود إلى التزامات مختلفة. لذلك أدعوكم لكي تعيشوا إيمانكم بحرّيّة كبيرة بدون أن تعتقدوا أبدًا أنَّ هناك شكل واحد لعيش الالتزام السّياسيّ الكاثوليكيّ.
بعد بضع سنوات، في عام 2031 سنحتفل بالمئويّة الخامسة لظهورات العذراء سيّدة غوادالوبي، وفي عام 2033 بالألفيّة الثّانية للفداء. ليتمكّن الجميع من الآن فصاعدًا من العمل على نشر العقيدة الاجتماعيّة للكنيسة لنصل إلى هذه الاحتفالات حاملين ثمارًا علمانيّة لتلاميذ مرسلين. لقد كان القدّيس خوان دييغو الأداة الصّغيرة والمتواضعة الّتي اختارتها مريم العذراء القدّيسة سيّدة غوادالوبي من أجل رسالة كبيرة سيولد منها الوجه المتعدّد الأشكال لأمّة أميركا اللّاتينيّة الكبرى. لنكل أنفسنا إلى شفاعته لكي وإذا ضعفت قوانا في الكفاح في سبيل شعبنا نتذكر أنّه في حالات الضّعف بالذّات يمكن لقوّة الله أن تقوم بأفضل عمل لها".