الفاتيكان
24 شباط 2019, 14:42

ماذا قال البابا فرنسيس في ختام اللّقاء حول حماية القاصرين في الكنيسة؟

بعد الذّبيحة الإلهيّة التي اختتم بها اللّقاء حول حماية القاصرين، وجّه البابا فرنسيس كلمةً لجميع المشاركين، فخاطبهم قائلًا بحسب "فاتيكان نيوز":

"أيُّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، في رفع الشّكر إلى الرّبّ الذي رافقنا خلال هذه الأيّام، أُريدُ أن أشكركم جميعًا على الرّوح الكنسيّ والالتزام الملموس الذي أظهرتموه بسخاء كبير. إنّ عملنا قد حملنا على الاعتراف، مرّة أخرى، بأنّ خطورة آفة الاعتداءات الجنسيّة على القاصرين هي ظاهرة منتشرة تاريخيًّا في جميع الحضارات والمجتمعات.

مع ذلك لا تزال اليوم أيضًا الإحصاءات المتوفّرة حول الاعتداءات الجنسيّة على القاصرين لا تمثّل الحجم الحقيقيّ للظّاهرة التي غالبًا ما يتمّ الاستخفاف بها لأنّ هناك حالات عديدة من الاعتداءات الجنسيّة على القاصرين لا يتمّ الإبلاغ عنها، لاسيّما تلك الكثيرة التي تُرتكب في الإطار العائليّ.

إنّ مسرح العنف ليست البيئة البيتيّة وحسب، وإنّما الحيّ والمدرسة والرياضة أيضًا، وللأسف البيئة الكنسيّة أيضًا. ومن الدّراسات التي أُنجزت، خلال السّنوات الأخيرة، حول ظاهرة الاعتداءات الجنسيّة على القاصرين، يظهر أيضًا أنّ تطوّر الإنترنت ووسائل التّواصل قد ساهم في نموّ حالات الاعتداءات والعنف المرتكبة عبر الإنترنت بشكل كبير. آفة أخرى هي السّياحة الجنسيّة.

نحن إذًا أمام مشكلة عالميّة ومتقاطعة نجدها تقريبًا في كلّ مكان. علينا أن نكون واضحين: إنّ شموليّة هذه الآفة، فيما يتمّ التأكيد على خطورتها في مجتمعاتنا، لا تخفّف من فظاعتها داخل الكنيسة. إنّ وحشيّة هذه الظّاهرة على الصّعيد العالميّ تصبح أكثر خطورة وجسامة في الكنيسة، لأنّها تتناقض مع سلطتها الأخلاقيّة ومصداقيّتها الخلقيّة لأنّ المكرّس المختار من اللّه لقيادة النّفوس إلى الخلاص، يصبح هكذا أداة للشّيطان. ففي الاعتداءات نحن نرى يد الشّر التي لا ترحم حتّى براءة الأطفال. لذلك نمى في الكنيسة حاليًّا الإدراك بواجب عدم السّعي لوقف الاعتداءات الخطيرة بواسطة إجراءات تأديبيّة ودعاوى كنسيّة ومدنيّة وحسب، وإنّما لمواجهة هذه الظّاهرة بحزم أيضًا داخل الكنيسة وخارجها؛ فهي تشعر أنّها مدعوّة لمحاربة هذا الشّرّ الذي يلمس جوهر رسالتها: إعلان الإنجيل للصّغار وحمايتهم من الذّئاب المفترسة.

من الصعب إذًا أن نفهم ظاهرة الاعتداءات الجنسيّة على القاصرين بدون أن نأخذ السّلطة بعين الاعتبار، بقدر ما تشكّل هذه الاعتداءات على الدّوام تبعات لسوء استعمال السّلطة ولاستغلال خضوع الشّخص الذي يتعرّض للاستغلال؛ ممّا يسمح بالتّلاعب بضميره وهشاشته النّفسيّة والجسديّة. إزاء هذه الوحشيّة والتّضحية بالأطفال للإله السّلطة والمال والكبرياء والغرور لا تكفينا الشّروحات العمليّة؛ ونحن نحتاج اليوم لشروحات ومعاني. إنّ الشروحات ستساعدنا جدًّا في الإطار العمليّ، ولكنّها ستتركنا في منتصف الطّريق. فما هو إذًا المعنى الوجوديّ لهذه الظاهرة الإجراميّة؟

أيُّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، نحن أمام ظاهرة وحشيّة ومدمِّرة للشّرّ. وراء وداخل هذا الأمر نجد روح الشّرّ الذي، وفي كبريائه وغروره، يشعر أنّه سيّد العالم ويعتقد أنّه انتصر. وهذا الأمر يحملني على التّفكير بمثال هيرودس الذي، وإذ دفعه الخوف من خسارة سلطته، أمر بقتل جميع أطفال بيت لحم. وبالتّالي، كما يجب علينا أن نأخذ جميع التّدابير العمليّة التي يقدّمها لنا الحسّ السّليم والعلم والمجتمع؛ هكذا أيضًا لا يجب أن يغيب نظرنا عن هذا الواقع وأن نأخذ أيضًا التّدابير الرّوحيّة التي يعلّمنا الرّبّ إياها: التّواضع واتّهام أنفسنا، والصّلاة والتّوبة: إنّه الأسلوب الوحيد لكي نتغلّب على روح الشّرّ. هكذا تغلّب عليه يسوع.

لقد حان الوقت لكي نتعاون معًا من أجل اقتلاع هذه الوحشيّة من جسد بشريّتنا من خلال تبنّي جميع التّدابير الضّروريّة، السّارية على الصّعيد العالميّ والصّعيد الكنسيّ. لقد حان الوقت لإيجاد التّوازن الصّحيح لجميع القيم ولتقديم توجيهات موحّدة للكنيسة، متجنّبين التّطرفين "للعدالة" اللذين يسبّبهما الشّعور بالذنب، بسبب أخطاء الماضي وضغط وسائل الإعلام، والدّفاع الذي يخفق في مواجهة أسباب وتبعات هذه الجرائم الخطيرة.

أولاً حماية الأطفال: إنَّ الهدف الأساسيّ لكلّ تدبير هو حماية الصّغار ومنعهم من الوقوع ضحيّة لأي شكل من أشكال الاستغلال النّفسيّ والجسديّ. ولذلك علينا أن نضع نصب عيوننا على الدّوام وجوه الصّغار الأبرياء متذكّرين كلمات المعلّم: "وأَمَّا الذي يَكونُ حجَرَ عَثرَةٍ لأَحدِ هؤلاءِ الصِّغارِ المؤمِنينَ بي فَأَولى بِه أَن تُعلَّقَ الرَّحى في عُنُقِه ويُلقى في عُرْضِ البَحْر. الوَيلُ لِلعالَمِ مِن أَسبابِ العَثَرات! ولا بُدَّ مِن وجُودِها، ولكِنِ الوَيلُ لِلَّذي يكونُ حَجَرَ عَثرَة!"

ثانيًا، جديّة خالية من العيوب، وأريدُ هنا أن أذكّر أنَّ "الكنيسة لن تَعفي نفسَها من القيام بكلّ ما هو ضروريّ لتسليم أيّ شخص ارتكب مثل هذه الجرائم إلى العدالة. وإنَّ الكنيسة لن تحاول أبدًا تغطية أيّة قضيّة أو التّقليل من شأنها" لاقتناعها بأنَّ "خطايا وجرائم الأشخاص المكرّسين تتلوّن بألوان أكثر قتامة من الخيانة والعار، وتشوّه وجه الكنيسة، فتقوّض مصداقيّتها. والكنيسة في الواقع، مع أبنائها المؤمنين، هي أيضًا ضحيّة هذه الخيانة وما يمكن أن يطلق عليه حقًا "جريمة غدر".

ثالثًا، تطهير حقيقيّ، اذ علينا أن نفرض التزامًا متجدّدًا ودائمًا لقداسة الرّعاة الذين يشكّل تشبّههم بالمسيح الرّاعي الصّالح حقًا للشّعب اللّه. ولذلك ينبغي التّذكير بالـ"إرادة الثّابتة بالاستمرار، وبكلّ قوة، في طريق التّطهير. مسائلين أنفسنا حول كيفيّة حماية الأطفال؛ وكيفيّة تجنّب هذه الكوارث، وكيفيّة معالجة الضّحايا وإعادة دمجهم؛ عن كيفيّة تعزيز التّنشئة في الإكليريكيّات... سنحاول أن نحوّل الأخطاء التي ارتُكِبَت إلى فرص للقضاء على هذه الآفة، ليس في جسد الكنيسة وحسب، وغنمًا في جسد المجتمع أيضًا".

رابعًا، التّنشئة أيّ متطلّبات اختيار وتنشئة المرشّحين للكهنوت بواسطة معايير لا السّلبية وحسب، مهتمّين في المقام الأوّل باستبعاد الشّخصيّات المشكوك فيها، وإنّما بواسطة معايير إيجابيّة أيضًا، من خلال تقديم مسيرة تنشئة متوازنة للمرشّحين المناسبين، تعزّز القداسة وفضيلة العفة.

خامسًا، تعزيز الخطوط العريضة للمجالس الأسقفيّة والتّحقّق منها، أيّ إعادة التّأكيد على ضرورة أن يكون الأساقفة متّحدين في تطبيق المعايير التي تعمل كقواعد، وليس كمجرّد إرشادات. وعلى وجه الخصوص، تطوير مناهج جديدة وفعّالة للوقاية في جميع المؤسّسات وجميع مجالات النّشاط الكنسيّ.

سادسًا، العالم الرّقميّ: يجب أن تأخذ حماية القاصرين بعين الاعتبار الأشكال الجديدة للاعتداءات الجنسيّة، وجميع أشكال الاستغلال التي تهدّد القاصرين في الأماكن التي يعيشون فيها، ومن خلال الأجهزة الجديدة التي يستخدمونها.

سابعًا السّياحة الجنسيّة: على سلوك ونظرة وقلب تلاميذ يسوع وخدامه أن يُعبّروا على الدّوام عن صور اللّه في كلّ كائن بشريّ، بدءًا من الأبرياء. بالتّالي، ومن الاستقاء من هذا الاحترام الجذريّ لكرامة الآخر، سنتمكّن من الدّفاع عنه ضدّ قوى العنف والاستغلال وسوء المعاملة والفساد، ونخدمه بطريقة صادقة في نموّه البشريّ والرّوحيّ المتكامل، في اللّقاء مع الآخرين ومع اللّه.

إسمحوا لي أن أُقدّم شكري لجميع الكهنة والأشخاص المكرّسين الذين يخدمون الرّبّ بأمانة، ويشعرون بأنّهم قد فقدوا مصداقيّتهم بسبب السّلوك المشين لبعض إخوتهم.

جميعنا كنيسة، وأشخاص مكرّسون، شعب اللّه، وحتّى اللّه نفسه، نتحمّل توابع خيانتهم. باسم الكنيسة بأسرها، أشكر الغالبية العظمى من الكهنة الذين يعيشون بتوليّتهم بأمانة ويبذلون أنفسهم في خدمة، أصبحت اليوم أكثر صعوبة، بسبب فضائح البعض من إخوتهم. إنّ النّتيجة الأفضل والحلول الأكثر فعاليّة التي يمكننا أن نقدّمها للضّحايا، ولشعب الكنيسة الأمّ المقدّسة وللعالم كلّه، هي الالتزام بالارتداد الشّخصيّ والجماعيّ، وتواضع التّعلّم، والإصغاء، ومساعدة وحماية الأكثر ضعفًا.

 

وأخيرًا، أوجّه نداءً لجميع السّلطات والأشخاص من أجل الكفاح ضدّ الاعتداءات على القاصرين، أكانت جنسيّة أو من أيّ نوع آخر؛ لأنّنا أمام جرائم بغيضة ينبغي إزالتها عن وجه الأرض: هذا ما يطلبه العديد من الضّحايا المختبئين في العائلات، وفي مختلف أطر مجتمعاتنا."