الفاتيكان
26 كانون الأول 2022, 06:55

ماذا تمنّى البابا فرنسيس للبنان في رسالته إلى مدينة روما والعالم لمناسبة عيد الميلاد ٢٠٢٢؟

تيلي لوميار/ نورسات
في يوم عيد الميلاد وجّه البابا فرنسيس رسالته الميلاديّة إلى مدينة روما والعالم، قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء في روما والعالم أجمع، ميلادًا مجيدًا! ليحمل الرّبّ يسوع، الذي ولد من العذراء مريم، لكم جميعًا محبة الله، مصدر الثّقة والرّجاء؛ ويحمل معها عطيّة السّلام التي أعلنها الملائكة لرعاة بيت لحم: "الـمجد لله في العلى! والسّلام في الأرض للنّاس فإنّهم أهل رضاه!".

في يوم العيد هذا لنوجّه نظرنا إلى بيت لحم. يأتي الرّبّ إلى العالم في مغارة ويوضع في مذود للحيوانات، لأنّ والدَيه لم يجدا مأوى، على الرّغم من أنّ الوقت كان قد حان لمريم لكي تلد. يأتي بيننا في صمت اللّيل وظلامه، لأنّ كلمة الله لا تحتاج إلى أضواء كاشفة أو إلى صخب أصوات بشريّة. هو نفسه الكلمة التي تعطي معنى للحياة، والنّور الذي ينير المسيرة. "كان النّور الحقّ – يقول الإنجيل – الذي ينير كل إنسان آتيًا إلى العالم". ولد يسوع بيننا وهو الله معنا. يأتي لكي يرافق حياتنا اليوميّة، ولكي يشاركنا كلّ شيء، الأفراح والأحزان، الآمال والمخاوف. يأتي كطفل أعزل. ولد في البرد فقيرًا بين الفقراء. معوزٌ لكلّ شيء، قرع على باب قلبنا لكي يجد الدّفء والمأوى.

على مثال رعاة بيت لحم، لنسمح للنّور بأن يغمرنا ولنذهب لنرى العلامة التي أعطانا الله إيّاها. لنتغلّب على سبات النّوم الرّوحيّ والصّور الزّائفة للعيد التي تجعلنا ننسى الشّخص الذي نحتفل به. لنخرج من الضّجيج الذي يخدّر القلب ويقودنا لكي نحضِّر الزّينة والهدايا بدلاً من أن نتأمّل في الحدث: ابن الله الذي ولد من أجلنا. أيّها الإخوة والأخوات، لنتوجّه نحو بيت لحم، حيث يتردّد صدى صرخة أمير السّلام الأولى. نعم، لأنّه هو يسوع، سلامنا: ذلك السّلام الذي لا يمكن للعالم أن يعطيه وقد أعطاه الله الآب للبشريّة إذ أرسل ابنه إلى العالم. للقدّيس لاوون الكبير تعبير يلخّص، باختصار باللّغة اللّاتينيّة، رسالة هذا اليوم: " Natalis Domini, Natalis est pacis"، "عيد ميلاد الرّبّ هو عيد ميلاد السّلام".

يسوع المسيح هو أيضًا درب السّلام. بتجسّده وموته وقيامته، فتح الممرَّ من عالم مغلق، يُثقِّلهُ ظلام العداوة والحرب، إلى عالم مفتوح، يعيش بحرّيّة في أخوَّة وسلام. لنتبع هذا الدّرب! ولكن لكي نتمكّن من القيام بذلك، ولكي نكون قادرين على السّير خلف يسوع، علينا أن نتجرّد من الأعباء التي تُعيقنا وتمنعنا من التّقدّم. وما هي هذه الأعباء؟ ما هو هذا "الحمل"؟ إنّها المشاعر السّلبية عينها التي منعت الملك هيرودس وحاشيته من الاعتراف بميلاد يسوع وقبوله: التّعلّق بالسّلطة والمال، الكبرياء والنّفاق والكذب. هذه الأعباء تمنعنا من الذّهاب إلى بيت لحم، وتستثنينا من نعمة عيد الميلاد وتغلق درب السّلام. في الواقع، علينا أن نلاحظ بألمٍ أنّه فيما يُعطى لنا أمير السّلام، لا تزال رياح الحرب الباردة تعصف على البشريّة.

إذا أردنا أن يكون عيد الميلاد، عيد ميلاد المسيح والسّلام، لننظر إلى بيت لحم ونُحدقَ النّظر إلى وجه الطّفل الذي ولد من أجلنا! ولنَرَ في ذلك الوجه ِالصّغير البريء، وجهَ الأطفال الذين يتوقون إلى السّلام في جميع أنحاء العالم. ليمتلأ نظرنا بوجوه الإخوة والأخوات الأوكرانيّين الذين يعيشون في عيد الميلاد هذا في الظّلام أو في البرد أو بعيدًا عن بيوتهم، بسبب الدّمار الذي سببته عشرة أشهر من الحرب. ليجعلنا الرّبّ مستعدّين لتصرّفات تضامن ملموسة لكي نساعد الذين يتألّمون، وليُنِر عقول الذين لديهم القدرة على إسكات الأسلحة ووضع حدّ فوريّ لهذه الحرب العبثيّة! لسوء الحظ، نحن نفضّل أن نصغي إلى أسباب أخرى يمليها منطق العالم. لكنَّ صوت الطّفل من يصغي إليه؟

يعيش زمننا أيضًا نقصًا خطيرًا في السّلام في مناطق أخرى، في مسارح أخرى لهذه الحرب العالميّة الثّالثة. لنفكر في سوريا، التي ما زال يعذِّبها صراع تلاشى في الخلفيّة ولكنّه لم ينتهِ. لنفكّر في الأرض المقدّسة، حيث تصاعد العنف والاشتباكات خلال الأشهر الأخيرة، مع سقوط قتلى وجرحى. لنطلب من الرّبّ أن يُستأنف الحوار والبحث عن الثّقة المتبادلة بين الإسرائيليّين والفلسطينيين هناك في الأرض التي شهدت مولده. ليعضد الطّفل يسوع الجماعات المسيحيّة التي تعيش في جميع أنحاء الشّرق الأوسط، لكي يصبح ممكنًا في هذه البلدان عيش جمال التّعايش الأخويّ بين الأشخاص الذين ينتمون إلى ديانات مختلفة. ليساعد لبنان بشكل خاصّ لكي يتمكّن من أن ينهض أخيرًا، بدعم من المجتمع الدّوليّ وبقوّة الأخوَّة والتّضامن. ليُنر نور المسيح منطقة السّاحل، حيث تشوّش الاشتباكات والعنف التّعايش السّلميّ بين الشّعوب والتّقاليد. وليوجّه هدنة دائمة في اليمن، ونحو المصالحة في ميانمار وإيران، لكي تتوقّف كل إراقة للدّماء. وليلهم السّلطات السّياسيّة وجميع الأشخاص ذوي الإرادة الصّالحة في القارّة الأمريكيّة لكي يعملوا على تهدئة التّوتّرات السّياسيّة والاجتماعيّة التي تؤثّر على مختلف البلدان. أفكّر بشكل خاصّ في سكّان هايتي الذين يتألّمون منذ فترة طويلة.

في هذا اليوم، الذي من الجميل أن نجتمع فيه حول مائدة مليئة بالطّعام، لا نحيدنَّ نظرنا عن بيت لحم، التي تعني "بيت الخبز"، ولنفكر في الأشخاص الذين يعانون من الجوع، ولاسيّما الأطفال، فيما تهدر يوميًّا كميات كبيرة من الطّعام ويتمُّ إنفاق الموارد على الأسلحة. إنَّ الحرب في أوكرانيا قد زادت من تفاقم الوضع، وتركت شعوبًا بأكملها عرضة لخطر المجاعة، ولاسيّما في أفغانستان وبلدان القرن الأفريقيّ. إنَّ كل حرب - كما نعلم - تسبب الجوع وتستغلّ الغذاء نفسه كسلاح، وتمنع توزيعه على السّكان الذين يتألّمون. في هذا اليوم، إذ نتعلَّم من أمير السّلام، لنلتزم جميعًا، والذين يشغلون مسؤوليّات سياسيّة أوّلاً، لكي يكون الغذاء فقط أداة سلام. وبينما نستمتع بفرح لمِّ شملنا مع أحبائنا، لنفكر في العائلات التي جرحتها الحياة، وتلك التي تكافح في زمن الأزمة الاقتصاديّة هذا بسبب البطالة وتفتقر إلى ضروريّات الحياة الأساسيّة.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، اليوم كما في ذلك الوقت، يأتي يسوع، النّور الحقيقيّ، إلى عالم مريض باللّامبالاة، لا يقبله، بل يرفضه كما يحدث للعديد من الأجانب، أو يتجاهله، كما نفعل في كثير من الأحيان مع الفقراء. لا ننسينَّ اليوم العديد من اللّاجئين والنّازحين الذين يقرعون على أبوابنا بحثًا عن الرّاحة والدّفء والطّعام. لا ننسينَّ المهمّشين والأشخاص الوحيدين والأيتام والمسنّين الذين يواجهون خطر التّهميش، والسّجناء الذين ننظر إليهم فقط بسبب أخطائهم وليس ككائنات بشريّة.

تُظهر لنا بيت لحم بساطة الله، الذي لا يُظهر نفسه للحكماء والأذكياء، وإنّما للصّغار ولأصحاب القلوب الطّاهرة والمنفتحة. على مثال الرّعاة، لنذهب نحن أيضًا مسرعين ولنسمح بأن يُدهشنا حدث الله الذي صار إنسانًا لكي يخلِّصنا. إنَّ الذي هو مصدر كلّ خير يُصبح فقيرًا ويتوسّل إنسانيّتنا الفقيرة. لنسمح لمحبة الله بأن تؤثِّر بنا ولنتبع يسوع، الذي تجرّد من مجده لكي يشاركنا في ملئه. ميلادًا مجيدًا لكم جميعًا!"