الأراضي المقدّسة
10 كانون الثاني 2022, 14:50

ماذا تعني معموديّة يسوع؟

تيلي لوميار/ نورسات
في عظة الأحد، توقّف بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا عند عماد يسوع المسيح وأبعاده على ضوء إنجيل لوقا، فقال بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"عندما يروي لوقا قصّة عماد يسوع، يُشدّد على أنّ عماده كان تدشينًا لرسالته الجديدة الّتي بدأت بنزول الرّوح القدس عليه وإعلانه ابنًا لله. وهذا الإعلان سيتمّ التّأكيد عليه في المقطع اللّاحق، من خلال شجرة الأنساب الّتي قدّمت يسوع ابنًا لداود وإبراهيم. ويصل به النّسب إلى آدم ثمّ إلى الله الخالق. في الواقع، يظهر يسوع، منذ بداية بشارة لوقا، مُتضامنًا مع البشريّة جمعاء.

إنّ الجزء الأوّل من المقطّع الإنجيليّ لهذا الأحد (لوقا 3: 15–16 و21– 22) يستحضر يوحنّا المعمدان مرّة أخرى، وهو يُعدّ النّاس لمجيء المسيح ويؤكّد أنّ يسوع هو شخص مختلف عنه، خلافًا لما كان النّاس يعتقدون.

ويسوع نفسه يحتاج إلى الاستعداد للرّسالة الّتي وكلّها إليه الآب. وفي مقطع اليوم يؤكّد لوقا على دعوة يسوع الإلهيّة، وتنصيبه من قِبل الرّوح القدس، وحقيقة كونه ابنًا لله، وتضامنه مع مُخطّط الرّبّ. وعلى الرّغم من هذا التّنصيب الرّسميّ من قِبَل الآب، فإنّ الابن ما زال بحاجة إلى تعلّم مشيئة الأب وتمييزها وإلى إخضاع نفسه لها، من أجل البقاء في علاقة صحيحة معه.

لدينا في العهد القديم أيضًا مثال على كيفيّة المثول والسّير أمام الله.

في سفر التّكوين، الّذي سيقتبس منه بولس في الرّسالة إلى أهل روما (روما 3: 4)، نقرأ أنّه عندما وعد الرّبّ الإله إبراهيم بنسل مرّة أخرى، "آمن إبراهيم بالله، فحسب له ذلك برًّا" (تكوين 15: 6). وقد استحسن الرّبّ إيمان إبراهيم لأنّه الطّريقة الصّحيحة لبناء علاقة معه؛ وبنفس الطّريقة يستحسن الرّبّ إيمان المتّكلين عليه الّذين يقرّون بضعفهم وبقواهم المحدودة.

لا يثق إبراهيم بنفسه. ولا يعتمد على قدراته الشّخصيّة، ولا على التزامه، ولا على أمانته. يثق باللهّ، وهذا ما يرضيه تعالى ويسرّه.

ومن أجل ذلك أصبح إبراهيم نموذجًا للمؤمنين من كافّة الأجيال. وأصبح أبًا لنا جميعًا، لمجرّد أنّه اكتشف الطّريقة الصّحيحة للمثول في حضرة الله. فحصل على رضاه الكامل.

يسوع أيضًا، في بداية حياته العلنيّة، اختار الطّريقة الّتي يعيش بها انتماءه الشّخصيّ للآب، وهو أن يكون إنسانًا وسط البشر العاديّين. وعلى الرّغم من عدم كونه خاطئًا، إلّا أنّه يصطفّ مع الخطأة كي يتلقّى معموديّة التّوبة من المعمدان. لقد اختار البقاء أمينًا لسرّ التّجسّد، ضمن هذا النّمط: وهو أن يبقى إلهًا كاملاً مع بقائه إنسانًا بسيطًا. إنّ معموديّة يسوع تعني رفضه أن يكون متجبّرًا، غنيًّا، ولكن إنسانًا بسيطًا ينتظر الحياة من الآب. ولهذا هو بحاجة إلى الصّلاة (لوقا 3: 21) من أجل البقاء في علاقة حميمة دائمةً معه.  

لعماد يسوع، كما ورد في بشارة لوقا، معنيان.

الأوّل، كما سبق أن ذكرنا، هو أنّ ملء الرّوح ينزل على يسوع (لوقا 3: 22)، أيّ ملء الحياة الإلهيّة. تنفتح السّماء (لوقا 3: 21)، ويضع حدًّا لكلّ انفصال ويردم كلّ المسافات، حتّى تلك الّتي تفصل ما بين الله والإنسان. إنّ الحياة الإلهيّة ليست مقتصرة على الله وحده، وليست حكرًا على شخصيّة مميّزة. إنّها للجميع، وتنزل، في يسوع، على الإنسانيّة الّتي تعيش دعوتها الخاصّة ببساطة كإبنة للآب؛ وهي تُمنح للإنسان الّذي يعيش الأخوّة البشريّة. عندئذٍ لا تعود الإنسانيّة منبوذة، أو بعيدة عن الرّبّ: فهي المكان الّذي تتدفّق فيه الألوهيّة، وتعبّر عن نفسها، وتحقّق ذاتها.

والمعنى الثّاني لعماد يسوع هو أنّ الآب ينظر إلى يسوع بعين الرّضى والسّرور (لوقا 3: 22).

ومثلما اعتبر الآب موقف إبراهيم بارًّا، فإنّه يعتبر يسوع بارًّا أيضًا: ويُقرّ بذلك، ويعلن أنّه هو الّذي يفهم ويفسّر بشكل دقيق كلّ مخطّطاته على البشر.

لا يريد الله أن يكون إلهًا قويًّا ومستعليًا؛ إنّما يريد أن يكون إلهًا مُحبًّا ومانحًا للحياة.

لا يريد أن يكون إلهًا بعيدًا، غير مبالٍ بأمور الإنسان. على العكس من ذلك، هو مهتم بها للغاية، إلى حدّ جعل أمور الإنسان وصعوباته وكأنّها شأنه الشّخصيّ.

بالنّسبة لنا، لا يسعنا سوى أن ننبهر أمام رضى الرّبّ. فهو يُسرّ بنا عندما نكون متضامنين وإخوة في البشريّة، وعندما نُقرّ بأنّ هذه البشريّة، الجريحة والمفتداة، هي أعظم عطيّة قدّمها لنا."