مؤتمر عن "الاعتلالات العضلية المرافقة لأمراض المناعة الذاتية" في جامعة الروح القدس
بعد النشيد الوطني ألقت كلمة التقديم د. ليا يحشوشي التي اعتبرت "أن مهنة الطب هي من أنبل المهن في العالم: هي مهنة تضمّد الجروح وتخفف العذابات. هي مهنة تحرم ممارسيها النوم والهدوء إلى أن يتأكدوا من أنّ أوجاع مرضاهم قد تلاشت. ولكننا على خطأ، لأن الطب ليس مهنة. الطب هو رسالة، رسالة كُرّست من أجل خدمة البشرية".
ثم تحدثت رئيسة اللجنة التنظيمية للمؤتمر د. إليسار داغر نهرا التي قالت: "اعتادت الجمعية اللبنانية للأمراض الداخلية بالتعاون مع الجامعات الفرنكوفونيكة في لبنان، أي جامعة الروح القدس- الكسليك وجامعة القديس يوسف والجامعة اللبنانية، على إحياء الأيام الفرنكوفونية لأمراض المناعة الذاتية لثلاث سنوات متتالية. وفي كل سنة، يتوصل المجتمعون إلى سلسلة من النتائج تساهم في تحقيق تقدّم ملحوظ في هذا المجال. من هنا، تبرز أهمية مؤتمرنا اليوم بعنوان "الاعتلالات العضلية المرافقة لأمراض المناعة الذاتية" لاسيما في ظل مشاركة أحد أهم الاختصاصيين في هذا المجال البروفسور أوليفر بنفنيست إضافةً إلى وجود تعاون وثيق بين مختلف الاختصاصيين من أطباء قلب ورئة وجلد وأشعة وبيولوجيين..."
أما رئيس مجلس نقابة الأطباء في بيروت البروفسور ريمون الصايغ فأشار إلى أنّ "هذا المؤتمر يبلور التعليم والمؤتمرات الطبية التي غالباً ما تُعتبر عنصراً مهماً خاصاً بالجامعات والجمعيات الطبية. من هنا، نسعى، في مجلس النقابة، إلى حماية ومساعدة ومرافقة الطب والتعليم والمؤتمرات الطبية من دون أن نتدخل فيها لأنها شأن خاص بالعلماء والباحثين والجامعات والمستشفيات الجامعية فقط".
كما أثنى على الطابع الفرنكوفوني لهذا اللقاء؛ "فنحن فرنكوفونيين من الناحية العلمية ولا مانع لدينا من أن نكون أنغلوفونيين ولكن مع المحافظة على الكيان والهوية الفرنكوفونية للطب والعلوم. فالطب يدعونا للعمل معاً وأن نكون متعددي الاختصاصات". وختاماً، أكّد "التزام جميع الأطباء اللبنانيين بالعمل للبقاء في أعلى المستويات لناحية المعلومات والمعارف وضمان الجودة".
وألقى رئيس جامعة الروح القدس الأب البروفسور جورج حبيقة كلمة تساءل فيها: "ما هي الأسباب التي تدفع بأسلحة الجسم الدفاعيّة إلى تبديل وجهتها، والانقضاض على الجسم التي يُفترَض أن تدافع عنه؟ ما الذي يجعل جهاز المناعة يخرج فجأةً عن مساره؟ ... هل تضطلع آليّة الجهاز الوراثيّ بمسؤوليّة ما في اعتلال عضلات المفاصل Myopathie؟"
وقال: "يستقي الباحثون البارزون الذين نتشرّف اليوم باستضافتهم، إلهامهم من الفكرة الرئيسة لدى كارل بوبر (Karl Popper)، وهو عالم نمساويّ بارز في مجال نظريّة المعرفة، القائلة إنّ الطابع العلميّ لفرضيّة ما يكمن في إمكانيّة نقض هذه الفرضيّة...
واكد أنه "بالتالي، يجوز القول إنّ أبحاثنا، مهما حققت قفزات نوعية في الدقة والجدية، تبقى على الدوام ممهورة بالمحدودية والنسبية. إنها تقترب أبدًا من الحقيقة من دون أن تلامسها. من هنا أهمّيّة الصبر والمثابرة".
وأضاف: "بما أنّ الأبحاث في مجال الطبّ تتناول في الغالب جسم الإنسان الحيّ وأنواع البكتيريا والفيروسات التي تهاجمه، يمكن القول إنّ الطبّ تربطه علاقةً مميّزة بظاهرة الحياة، لا بل يستوقفه دومًا هذا السؤال المحرج للغاية: ما هي الحياة؟ اعتقد داروين أنّه يملك الإجابة عن هذا السؤال حين أشار إلى أنّ "التطوّر بمعناه الحيويّ الأوسع هو مسار تتبلور الحياة خلاله من المادّة الجامدة وتتطوّر بعد ذلك عبر وسائل طبيعيّة بالكامل". سحرت هذه النظرية عقول العلماء وراحوا يحاولون في مختبراتهم المتطورة أن يخلقوا الحياة من معادلات كميائية. غير أن جميع محاولاتهم هذه باءت بالفشل. عندها تساءل الباحثون لماذا الذي كان في أساس انطلاقة الحياة سابقا لم يعد يجدي نفعا في الوقت الراهن. فكانت الإجابة التي أتت بها الداروينيّة أنّ هذا المسار، الذي شكّل أساس الحياة، امتدّ عبر ملايين السنين بعد ظهور المادّة. وسيطرت هذه الفكرة على فضاء العلم بلا منازع لأكثر من قرن من الزمن".
وتابع: "غير أنّ هذه الفرضيّة الاستكشافيّة التي لطالما اعتُبرَت حقيقة مقرّرة وبديهيّة تزعزعت بشدّة العام الماضي إثر الاكتشافات الصاعقة التي توصّل إليها فريق من الباحثين، وعلى رأسهم البروفسور مارك هاريسون من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس (University of California in Los Angeles)، في سلسلة تلال Jack Hills في غرب أستراليا، ويمكن التعبير عن هذا الحدث كما يلي: "هذا الاكتشاف الذي تمّ التوصّل إليه من خلال مادّة الغرافيت العالقة في البلّورات القديمة، قد يعني أنّ الحياة ظهرت "بشكل شبه فوريّ" بعد تكوّن الأرض. وقد وصف العلماء الذين يقفون وراء هذا الاكتشاف هذه النظريّة بـ "التطوّر العلميّ ذي القدرة التحويليّة الكبيرة". وعليه، تبقى ظاهرة الحياة وتركيبة الخليّة الحيّة المعقّدة والتي يتعذّر فهمها، عصيّة على أيّ تفسير مبنيّ على نظريّات مبسّطة ومختزلة. بالفعل، تشير كافّة الظواهر الطبيعيّة حتّى يومنا هذا إلى أنّ الحياة لا تولد إلّا من الحياة. فالحياة تظهر من خلال المادّة من دون أن تتماهى معها".
وفي ختام الافتتاح تحدث ممثل وزير الصحة العامة غسان حاصباني مستشاره لشؤون التخطيط د. بهيج عربيد. ولفت إلى "أن علم الأنسجة كما يحدده الخبراء هو أداة مهمة في دراسة الأمراض وتشخيصها، بدأ في القرن التاسع عشر ويتضمن تقنيات عديدة متنوعة وأهمها: دمج علم المناعة بعلم الأنسجة. وهذا اعتبر تطورًا كبيرًا حصل للطب لتحديد بشكل أفضل تشخيص الأمراض الجرثومية خاصة والسرطانية، كما بعض أمراض المناعة والوراثة".
وأضاف: "إن علم المناعة النسيجية مهم جدًّا على الصعيد الوطني والعالمي. وهذا ما يهمنا؛ وهو كلما كان التشخيص دقيقًا نستطيع الإسراع في إعطاء الأدوية اللازمة وتجنب المضاعفات والتي غالبًا ما تكون مكلفة جدًا. وهذا عبء ثقيل على المريض والطبيب والهيئات الضامنة".
وأكد: "إننا فخورون إننا نمتلك الخبرات العلمية الكافية لتنفيذ هذا التطور، وهذه التقنيات خاصة. وكما يؤكد كذلك الخبراء إن هذا العلم يفتح آفاقًا كبيرة للعلاجات الفعالة للحد من انتشار أمراض جرثومية خطيرة على المجتمع".
كما شدد على "إن ثروة لبنان لم تكن يومًا بالذهب الأصفر أو الأسود، ونكون سعداء إن نمتلك ذلك. وبقيت ثروتنا الحقيقية هي الإنسان اللبناني لأي مهنة أو اختصاص انتمى. وفي مجالات الطب لعبنا دورنا كاملاً في الماضي في المنطقة العربية، فكنا مستشفى الشرق ويجب أن نبقى كذلك".
واعتبر "أن كل تطور علمي يساهم حكمًا في تثبيت السمعة الحسنة المميزة التي يحظى بها لبنان في مجالات الصحة المختلفة. والحقيقة أننا في لبنان وبتعاون وتنسيق كاملين بين القطاعين الأهلي والخاص ووزارة الصحة العامة حققنا في العقدين السابقين نجاحات كبيرة في مجالات الصحة انعكست تحسنًا اعتبرته منظمة الصحة العالمية نموذجًا عاليًا وذلك بخفض معدلات وفيات الأطفال دون السنة ودون الخمس سنوات إلى حدود 8 أو 9 بالألف، بعد أن كان 23 و25. وخفض معدلات وفيات السيدات الحوامل أثناء الولادة وفي محيطها إلى حدود 16 بكل 100 ألف ولادة حية بعد أن كانت 86. الأمر الذي انعكس تحسنًا كبيرًا في الأمل في الحياة عند الولادة إلى حدود 81،6 سنة بعد ان كان 68 رجال و71 نساء".
وختم مؤكدًا: "نحن في الوزارة حاضرون لاستثمار هذه التطورات العلمية وبما يخدم صحة المواطنين والمجتمع ونحن منفتحون على كل دراسة أو اقتراح خاصة عندما يقدم من قبل جامعات مميزة وعريقة أصبحت تشكل جزءًا مهمًا من تاريخ البلد".
هذا واستمر المؤتمر ليومين وانعقدت خلاله العديد من الجلسات تحت عناوين: "مقدمة إلى الاعتلالات العضلية المرافقة لأمراض المناعة الذاتية"، "حوار بين الاختصاصيين"، "عندما يكشف الجلد عن إصابة بالغة"، "من الشائع إلى المعقّد"، "HyperCPKémies"، و"رأي الخبراء"، شارك فيها نخبة من الأطباء الاختصاصيين.