لبنان
31 تشرين الأول 2016, 09:54

مؤتمر الوجود المسيحي ودوره في المنطقة في مركز العزم عبد الاله

عقد "الملتقى الثقافي العربي" مؤتمره الثاني تحت عنوان "الوجود المسيحي ودوره الإيجابي في المنطقة"، في مركز العزم الثقافي في طرابلس، بمشاركة مطران بيروت للموارنة بولس مطر، مفتي طرابلس والشمال الدكتور مالك الشعار، المشرف العام على جمعية العزم والسعادة الدكتور عبد الإله ميقاتي، وفي حضور حشد من الفاعليات الدينية، الإعلامية والفكرية، وقدم المؤتمر الإعلامي فادي شهوان.

النشيد الوطني بداية، ثم كلمة ترحيبية من رئيسة الملتقي آسيا قاسم، شددت فيها على الدور الحضاري لطرابلس، وموقعها كبوابة للشرق العربي.


ثم ألقى المطران مطر كلمة، أكد فيها أن "مقاربة الموضوع المسيحي في الشرق من الناحية العددية غير صحيحة، بل ينبغي مقاربته انطلاقا من حق الناس في الوجود"، مؤكدا "أن الإسلام لا يتعامل مع الوجود المسيحي كأقلية، بل يتعاطى معهم من منطلقات الإسلام نفسه".

وإذ لفت إلى أن "التاريخ الحاضر للعلاقات الإسلامية المسيحية يمر في ظروف صعبة"، فقد شدد مطر على أن "العيش المشترك هو سنة الله في الكون، وأن التفاعل الإسلامي المسيحي خصوصا في الشرق، أنتج حضارة استفاد منها الجميع"، داعيا إلى "التمييز بين السياسة الغربية الراهنة، وبين المسيحية".

 


ثم كانت كلمة للسفير العماني السابق في لبنان الدكتور عبد الله الحوسني، شدد فيها على الصلات التي تجمع لبنان بعمان، والتاريخ الفينيقي المشترك بين البلدين، منوها "بالتجربة العمانية في اعتماد المواطنة الكاملة، وعدم التمييز على أساس طائفي".


من جهته، لفت الأمين العام لجامعة الحكمة الدكتور انطوان سعد الى دور المسيحيين الأوائل في الشرق، منذ القرون الأولى، لافتا إلى دورهم في ترجمة التراث اليوناني إبان العصر العباسي، والذين حافظوا في ما بعد على لغة القرآن الكريم في وجه الحملات التي كانت تستهدفها، وحفظوا التراث العربي في كهوف الكنائس والأديرة، مستشهدا بوجود المطبعة الأولى في الشرق داخل دير مار قزحيا، إضافة إلى المدارس التي أنشأنها المسيحيون منذ القرن السادس عشر في جبل لبنان. 


بدوره، رأى الدكتور محمد نديم الجسر أن "معالجة المسألة تقتضي الإجابة على السؤال التالي: كيف يمكن أن نوظف الوجود الإيجابي للمسيحيين في الشرق، من أجل حمايتهم"، مضيفا "إن الحماية تتأمن من خلال قيام المسيحيين بالمهمة السامية التي نذروا لأجلها، وهي الدفاع عن الإسلام والقضايا العربية أمام الغرب، وبالتحديد القضية الفلسطينية، وبذلك يدخل الوجود المسيحي في الضمير العربي المسلم، ويصبح المسلمون مؤتمنين على المسيحية، ويدخل الإسلام والقضايا العربية في الضمير المسيحي، ويصبح المسيحيون مؤتمنين عليها".


ثم كانت كلمة المفتي الشعار، شدد فيها على "الأصل الواحد لجميع الرسالات السماوية، والأخوة التي تجمع الإنسان بالإنسان بغض النظر عن أي انتماء آخر"، مشددا على أن "العلاقة بين الإسلام والمسيحية خصوصا، هي علاقة تكاملية لا تصادمية"، مستشهدا بمحطات من "العيش الواحد بين المسلمين والمسيحيين على امتداد التاريخ الإسلامي".

وكانت كلمات للسفير اللبناني في موسكو شوقي بو نصار، ألقاها نيابة عنه شقيقه الدكتور وديع بو نصار، إضافة إلى الصحافي عباس ضاهر، عضو مجلس الشورى العماني علي البادي، الدكتور حميد الشجني (اليمن)، والصحافية جمانة الشامي من سوريا.


وألقى الدكتور ميقاتي مطالعة قسمها الى العناوين الآتية:

1.مواجهة المشروع الغربي لخلق شرق أوسط جديد، من خلال نشر الفوضى الخلاقة.
2.المسيحيون في الشرق هم رسالة المسلمين إلى الغرب، خصوصا في ظروف الإسلاموفوبيا التي يعيشها الغرب حاليا.
3. لبنان، وطن الرسالة، يجب أن يكون نموذجا للتعايش المشترك.

ففي العنوان الأول، اشار الى أنه بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في العام 1970، وضعت مراكز الدراسات الغربية، مخططا لمواجهة مشروع الوحدة العربية.. وكان هذا المخطط يقوم على ثلاثة محاور، هي: العمل على تفريق وشرذمة المسلمين السنة في المنطقة وتزكية الخلافات فيما بينهم، تأجيج الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة، وإخراج الشيعة من الصف العربي، إخراج المسيحيين من المنطقة. وهنا بيت القصيد". 


وقال: "لقد عمل الغرب على إخراج المسيحيين من المنطقة، ورفعوا شعارا يقول: "المسيحيون بين شرق طارد وغرب جاذب"، لافتا الى الهجرة المسيحية في العراق حتى أنها زادت على 80% من السكان المسيحيين وكذلك الأمر بالنسبة لهجرة الأقباط من مصر".

اضاف: "أما في لبنان فالرواية التي إنتشرت خلال الحرب اللبنانية، بل وفي بداياتها، عندما زار المبعوث الرئاسي الأميركي، السفير دين براون، الرئيس اللبناني الراحل سليمان فرنجية في العام 1976، ليقول له: "لقد قضي الأمر يا مسيحيي لبنان، ... مآلكم كندا، وها هي البواخر الأميركية قبالة شواطئكم بإنتظاركم في عرض البحر، فلستم هنا إلا فائضا بشريا لا مستقبل له". وكان رفض الرئيس سليمان فرنجية قاطعا ومطلقا".

وفي العنوان الثاني، المسيحييون في الشرق هم رسالة المسلمين إلى الغرب، قال: "هذه العبارة هي للمطران الراحل يوحنا فؤاد الحاج، في بداية القرن الحالي. ولعل الحاجة إليها اليوم هي أكثر من أي وقت مضى"، مؤكدا ان "دور المسيحيين المشرقيين، في إظهار القيم الإسلامية السمحة القائمة على الإعتدال والوسطية، وعدم الإفراط والتفريط، وعدم الإكراه في الدين وغير ذلك، يشكل حجة دامغة إلى الغرب، بل وإلى العالم بأسره، بأن الإسلام، ليس دينا إلغائيا للآخر، بل هو دين السلام مع الآخر".

أما في العنوان الثالث: لبنان وطن الرسالة والعيش المشترك، قال ميقاتي: "أثبت اللبنانيون، مسلمون ومسيحيون، بأنهم أصحاب تراث حضاري مشترك على جميع الأصعدة، سواء كان ذلك على صعيد العلوم واللغات وفي مقدمها اللغة العربية، أم على صعيد الإقتصاد والإجتماع وغير ذلك. وهذا التراث المشترك يستوجب عملا مشتركا يكون في خدمة السلام والإعتدال والقيم المشتركة".

اضاف: "لذلك فإن التمسك بالعيش المشترك وتطويره من خلال نبذ مناخات الإنقسام والخلاف لنكون جميعا رسل سلام ومحبة وإعتدال وتضامن في ما بيننا لنفوت على إسرائيل فرصة مشروعها المعروف والقائم على تقسيم اللبنانيين والعرب لتضمن سيادتها المتمادية".

واكد "اننا نؤمن بأن لبنان بما فيه من تعددية مذهبية وطائفية، وتعددية حزبية وإعلامية، وبما فيه من حرية الرأي والفكر والمعتقد، هو وطن الرسالة كما سماه البابا الراحل يوحنا بولس السادس، وهو يجب أن يقوم على هذه المبادئ التي ذكرها البيان التأسيسي للقيادات الروحية. ولا يتحقق ذلك إلا بالعيش المشترك بين كل أبنائه، مسلمين ومسيحيين. فهو وطن نهائي لجميع أبنائه، كما ينص الدستور بشكل واضح وجلي. ولا يمكن لهذا الوطن أن يحلق في فضاء التقدم والحضارة إذا اعترى الخلل أحد هذين الجناحين". 


واكد "ان تعزيز هذه الصيغة يكمن في إحترام الكل للآخر، وثقة الكل بالآخر، ورغبة الكل بالتعايش مع الآخر. إن الشعور بالظلم عند أي جناح فيه، يولد التعصب والطائفية، والتطرف والإرهاب. لذلك علينا جميعا أن نسعى جاهدين لتحرير الثقافة الدينية والتربية الروحية من سطوة الثقافة الطائفية والتربية المنغلقة".

وقال: "إن التربية على ثقافة الإنفتاح أصبحت ضرورة ماسة في مجتمعاتنا، حتى نواجه بها الفكر المتطرف الذي يغزو عقول شبابنا اليوم. ويجب أن نؤسس لذلك في بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا وفي مؤسساتنا الإجتماعية، وفي مواعظنا الدينية ومن خلال الإعلام على أنواعه، وبما فيه وسائل التواصل الإجتماعي التي أصبحت تشكل قوة ضاغطة ومؤثرة في الرأي العام".

وفي ختام المؤتمر قدم السفير العماني دروعا تذكارية للمطران مطر، المفتي الشعار، ميقاتي، والإعلاميين عباس ضاهر وفادي شهوان، إضافة إلى هدية تذكارية لرئيسة الملتقى الثقافي العربي قاسم.