لنحمل طيوب أفعال الرحمة والصلاح والمحبّة - المطران عوده
قال المطران عوده: "هو الأحد الثاني بعد الفصح وفيه تذكار القدّيسين يوسف الراميّ، ونيقوديموس وتذكار النسوة حاملات الطيب.
جاءت النسوة حاملات الطيب في أوّل الأسبوع، باكرًا، وقد طلعت الشمس (مر 16: 2). العمل الأوّل الذي قامت به النسوة باكرًا جدّا كان التفكير بالربّ يسوع دون سواه، فأتين القبر. لم يأبهن للصعوبات والمعّقات التي ستصادفهنّ في الطريق.
هذا هو واجب كلّ مؤمن، أن يذكر الله باكرا جدّا، ليس فقط في أوّل الأسبوع، بل مع بداية كلّ يوم، وإشراقة كلّ شمس، لذلك وضعت لنا كنيستنا صلاة النهوض من النوم، لكي نبدأ نهارنا يوميّا بذكر الربّ وشكره على عطاياه. أتت النساء «وقد طلعت الشمس». المسيح هو الشمس، النور الحقيقيّ البازغ من ظلمة القبر وفساد الموت، الذي «ينير كلّ إنسان آت إلى العالم» (يو 1: 9). عندما يبدأ يومنا مع المسيح، نلبس حلّة جديدة، «قد ارتسم علينا نور وجهك، يا ربّ، أعطيت سرورا في قلبي» (مز 4: 6- 7)."
أضاف المطران قال: "تساءلت النساء في ما بينهنّ في طريقهنّ نحو القبر: «من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟» (مر 16: 3).
كان حجر القبر عائقًا أمام وصولهنّ، هنا، لا بدّ لنا من أن نسأل أنفسنا عمّن يدحرج لنا الحجر الذي يفصلنا عن اللقاء بالربّ يسوع.
إنّه مدفون داخل قلوبنا، لكنّ سلاسل الخطيئة، والشهوات، والأهواء المتراكمة تعيقنا وتمنعنا من البلوغ إليه. قد نحاول إزالة هذه العوائق من أجل لقاء السيّد، لكن لا قوّة لنا، فمن يدحرج لنا الحجر عن باب قبرنا؟
لم تيأس النسوة، بل تابعن طريقهنّ نحو القبر.
نحن أيضا علينا ألّا نيأس، بل أن نكون واثقين من أنّ الربّ إلهنا سينتظر عودتنا، تمامًا كما فعل الأب عندما عاد ابنه الضالّ. يكفي أن نتحرّك وننهض ونمشي نحو من هو «الطريق والحقّ والحياة» (يو 14: 6).
علينا أن نحمل طيوب أفعال الرحمة والبرّ والصلاح والمحبّة المتصاعدة من قلوبنا. متى قدّمنا للناهض من بين الأموات أثمار الروح (غل 5: 22) تحدث العجيبة ويُزال الحجر عن باب القبر."
تابع المطران عوده: "علينا أن نقدّم للمسيح قبرًا جديدًا مثل يوسف الراميّ، أي قلبً خاليًا من الخطيئة، وهذا القلب الجديد يكون منطلقا نحو القيامة الحقيقيّة لكلّ كياننا، بعد أن يزاح حجر الدنيويّات الذي يثقل بابه. هكذا، نولد مجدّدا كما طلب الربّ من نيقوديموس عندما زاره ليلا، وهذه الولادة الجديدة تجعلنا مبشّرين جريئين مثل نيقوديموس نفسه.
أحبّائي، عصرنا يشهد خطايا كثيرة، نزاعاتٍ وحروبًا وجرائم زادت قدرتها التدميريّة بسبب الاكتشافات التي، عوض استخدامها للخير والبنيان، تستعمل للتدمير والإبادة.
الحرب هي وليدة الحقد والكراهية وقلّة المحبّة في قلب الإنسان، تسبّبها الأنانيّة والكبرياء وحبّ التسلّط، ورفض الآخر المختلف، وتصيب بشكل خاصّ الأفقر والأضعف، ما يحرم ضحاياها الحقّ في الحياة والكرامة، والرجاء بالمستقبل. الحرب تسكت الآخر، تلغيه، تبيده، إشباعا للأنانيّة، فيما علّمنا ربّنا المحبّة التي قال عنها بولس الرسول أنّها «تتأنّى وترفق... لا تحسد ...لا تقبّح ... ولا تفرح بالإثم» (1 كو: 13: 4-6)."
وقال المتروبوليت عوده: "ربّنا، إله السلام، «صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة» (2 كو 5 :18).
السلام مسؤوليّة مشتركة قائمة على الأخلاق وقبول الآخر واحترامه عوض الخوف منه، وعلى التعاون والتضامن بين البشر، وعلى الشعور بالأخوّة الحقيقية المبنيّة على المحبة رغم الاختلاف. وهو ينتج عن الوعي بأنّ للآخر الحقّ في الحياة وفي الكرامة وفي الحريّة. هل يقبل الإنسان أن تسلب منه حرّيته أو كرامته؟ فكيف يسلب حرّيّة الآخرين وكرامتهم؟
لقد أعطانا ربّنا العقل ونعمة التمييز لكي نتعلّم من كلّ تجربة ونتّعظ، وخبرات الحروب التي عاشها الإنسان كانت وبالًا على الجميع، لذا أملنا في هذا العيد المبارك أن تتوقّف الحروب، وينتفي التعدّي على حياة الإنسان وحرّيّته وكرامته وحقوقه، ويحلّ السلام والعدل في بلدنا وفي العالم أجمع، ليعيش الإنسان تحت سلطة القانون، يتشارك وأخاه النعم الممنوحة له، ولا يتسلّط على مخلوق، حتّى الطبيعة وعناصرها لأنّها عطيّة من الله."
ختم المطران الياس عوده بالقول: "لقد قتل قايين أخاه بسبب الحسد والبغض، وما زال الإنسان يحقد ويقتل رغم تجسّد المسيح وموته عنّا ليخلّصنا من براثن الخطيئة. لتكن قيامته حافزًا لنا على تغيير سلوكنا واعتناق المحبّة التي وحدها تحرّر وتثمر. آمين."