لماذا يُضرم المسيحيّون النّار عشيّة عيد الصّليب؟
إنطلقت شرارة العيد مع سطوع عبارة "بهذه العلامة ننتصر" وسط السّماء بأحرف بارزة من نور تحيط بالصّليب المقدّس، وقد رآها الإمبراطور قسطنطين الكبير الّذي لم يكن مسيحيًّا وإنّما يحمل في قلبه مودّة خاصّة للمسيحيّين بفضل والدته القدّيسة هيلانة، رأى تلك الحروف بأمّ العينين قبل يوم من معركته الّتي جعلت منه إمبراطورًا على روما في مطلع القرن الرّابع ميلاديّ. فاتّخذ يومها الصّليب شعارًا يكلّل رايات جنوده محقّقًا لهم النّصر؛ فنهض بعدها الإمبراطور الجديد بالكنيسة وأخرجها من عتمة الدّياميس إلى النّور وهدم معابد الأصنام وبنى الكنائس مكانها.
الصّليب الّذي كان قد أخفى أثره بعض اليهود المتعصّبين مع صليب اللّصين إثر ردمهم لقبر المسيح، وجدته القدّيسة هيلانة بعد ثلاثة قرون في أورشليم بالقرب من الجلجلة. فبعد النّصر، أمرت بتنقيب المكان حيث عُثر على ثلاثة صلبان خشبيّة، أحدها يعود إلى المسيح تمّ التعرّف عليه بعد أن أمر بطريرك أورشليم أن يأتوا بميت ويضعوه على كلّ من الصّلبان الثّلاثة فيختبرون فعاليّته، وكانت النّتيجة عودة الميت إلى الحياة بعد أن وُضع على الصّليب الثّالث.
وفي تلك اللّحظة، أضرم الجنود النّار في أورشليم، كإشارة للفرق الأخرى على النّجاح في إيجاد عود الصّليب، وكانت الرّزنامة تشير إلى الرابع عشر من أيلول/ سبتمبر، فأصدر الإمبراطور قسطنطين أمرًا ببناء كنيسة القيامة الّتي لا تزال قائمة إلى اليوم في أورشليم وتحتفظ بخشبة من عود الصّليب الأصليّة، في حين تحتفظ كنيسة الصّليب المقدّس في روما بقطعة ثانية، أمّا ما تبقّى فوُزّع على الملوك والأمراء والمؤمنين كبركة لمملكاتهم وبيوتهم.
من هنا، تحيي الكنيسة في الرّابع عشر من أيلول/ سبتمبر عيد ارتفاع الصّليب الّذي يُظهر التّاريخ سبب ارتباطه بعادة إضرام النّار، فترفع على كلّ القمم صليب الرّبّ كجسر عبور من الخطيئة إلى القيامة، ومن الموت إلى الحياة.
وفي ليلة ارتفاع الصّليب، نسجد أمام "عرش النّعمة" و"أوّل شجرة للحرّيّة" ونضمّه إلى قلوبنا مردّدين مع مطلق تلك الأوصاف الأب يعقوب الكبّوشيّ: "يا صليب الرّبّ، يا حبيب القلب"، واثقين أنّ "لا سماء إلّا بالصّليب وروحي وقلبي بالصّليب."