الفاتيكان
08 كانون الثاني 2025, 09:45

لله أسلوب تربويّ، ما هو؟

تيلي لوميار/ نورسات
هو أسلوب "لقرب"، يقول البابا فرنسيس، وذلك في كلمته أمام زوّاره من المعلّمين والمربّين وأولياء الأمور الكاثوليك في إيطاليا.

وكان البابا قد استقبل صباح السّبت أعضاء الجمعية الإيطاليّة للمعلّمين الكاثوليك؛ والاتّحاد الكاثوليكيّ الإيطاليّ للمعلّمين والقادة والمربّين والمنشّئين؛ وجمعيّة أولياء أمور المدارس الكاثوليكيّة. وإلى هؤلاء توجّه بكلمة غنيّة بالعبر والإرشاد والتّشجيع، قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"يسعدني أن ألتقي بكم بمناسبة الذّكرى السّنويّة لجمعيّاتكم: الذّكرى السّنويّة الثّمانين للجمعيّة الإيطاليّة للمعلّمين الكاثوليك وللاتّحاد الكاثوليكيّ الإيطاليّ للمعلّمين والقادة والمربّين والمنشّئين، والذّكرى السّنويّة الخمسين لجمعيّة أولياء أمور المدارس الكاثوليكيّة. إنّها مناسبة جميلة للاحتفال معًا وتذكّر تاريخكم والتّطلّع إلى المستقبل. هذه الممارسة، هذه الحركة بين الجذور والثّمار، هي مفتاح الالتزام في المجال التّربويّ.  

يتمُّ لقاؤنا في الزّمن اللّيتورجيّ لعيد الميلاد، زمن يُظهر لنا أسلوب الله التّربويّ. وما هو "أسلوبه التّربويّ"؟ إنّه أسلوب القرب. مثل المعلّم الّذي يدخل عالم تلاميذه، يختار الله أن يعيش بين البشر لكي يعلّمهم بلغة الحياة والمحبّة. وُلِد يسوع في حالة من الفقر والبساطة، وهذا الأمر يذكّرنا بأسلوب تربويّ يُقدّر ما هو جوهريّ، ويضع في المحور التّواضع، المجّانيّة، والاستقبال. يعلّمنا الميلاد أنّ العظمة لا تتجلّى في النّجاح أو في الغنى، بل في المحبّة وخدمة الآخرين.

إنّ أسلوب الله تربويّ هو تربية على العطاء، ودعوة إلى العيش في شركة معه ومع الآخرين، ضمن مشروع أخوّة عالميّة، وهو مشروع تحتلّ فيه العائلة مكانة مركزيّة لا بديل لها. كذلك، يشكّل هذا الأسلوب التّربويّ أيضًا دعوة للاعتراف بكرامة كلّ شخص، بدءًا من الّذين يُستَبعَدون ويعيشون على الهامش، كما كان يتمُّ التّعامل مع الرّعاة لألفي سنة خلت، ولتقدير قيمة كلّ مرحلة من مراحل الحياة، بما في ذلك الطّفولة.

يتزامن لقاؤنا اليوم أيضًا مع بداية مسيرة اليوبيل، الّتي انطلقت قبل أيّام قليلة عبر الاحتفال بالحدث الّذي دخل من خلاله الرّجاء إلى العالم بتجسّد ابن الله. إنّ اليوبيل لديه الكثير ليقوله لعالم التّربية والمدرسة. في الواقع، إنَّ "حجّاج الرّجاء" هم جميع الأشخاص الّذين يبحثون عن معنى لحياتهم، وكذلك الّذين يساعدون الصّغار على السّير على هذا الدّرب. فالمعلّم الجيّد هو رجل أو امرأة رجاء، لأنّه يكرّس نفسه بثقة وصبر لمشروع النّموّ الإنسانيّ. ورجاؤه ليس ساذجًا، بل هو متجذّر في الواقع، تعضده القناعة بأنّ كلّ جهد تربويّ له قيمته، وأنّ لكلّ شخص كرامة ودعوة تستحقّان الاهتمام.

الرّجاء هو المحرّك الّذي يعضد المربّي في التزامه اليوميّ، حتّى في الصّعوبات والإخفاقات. ولكن ماذا علينا أن نفعل لكي لا نفقد الرّجاء ولكي نغذّيه كلّ يوم؟ علينا أن نبقي أنظارنا ثابتة على يسوع، المعلّم ورفيق الدّرب: هذا ما يسمح لنا بأن نكون حقًّا حجّاج رجاء. فكّروا في الأشخاص الّذين تلتقون بهم في المدرسة، من شباب وبالغين: "جميعهم يرجون. في قلب كلّ إنسان يكمن الرّجاء كرغبة وانتظار للخير، حتّى وإن لم يكن يعرف ما سيحمل الغد معه". هذه الآمال البشريّة، من خلال كلّ واحد منكم، يمكنها أن تلتقي بالرّجاء المسيحيّ، الرّجاء الّذي يولد من الإيمان ويعيش في المحبّة. رجاء يتخطّى كلّ رغبة بشريّة، لأنّه يفتح العقول والقلوب على الحياة وعلى الجمال الأبديّ.

إنَّ المدرسة تحتاج إلى ذلك! اشعروا بأنّكم مدعوّون إلى بلورة ونقل ثقافة جديدة، تقوم على اللّقاء بين الأجيال، وعلى الإدماج، وعلى التّمييز بين الحقّ والخير والجمال؛ ثقافة مسؤوليّة، شخصيّة وجماعيّة، لمواجهة التّحدّيات العالميّة مثل الأزمات البيئيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، والتّحدّي الكبير للسّلام. في المدرسة، يمكنكم أن "تتخيّلوا السّلام"، أيّ أن تضعوا أسس عالم أكثر عدالة وأخوّة، بمساهمة جميع التّخصّصات وبإبداع الأطفال والشّباب.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أنتم هنا اليوم للاحتفال بمناسبات مهمّة لجمعيّاتكم، الّتي ولدت لكي تقدّم مساهمة للمدرسة، من أجل تحقيق أهدافها التّربويّة بأفضل طريقة ممكنة. وليس للمدرسة كمجرّد وعاء، وإنّما للأشخاص الّذين يعيشون ويعملون فيها: الطّلّاب، المعلّمون، الأهل، الإداريّون، وجميع أفراد الطّاقم. في بداية مسيرتكم، كانت هناك البصيرة بأنّ المدرسة، بطبيعتها، هي مجتمع يحتاج إلى مساهمة الجميع، وأنّه لا يمكن تحسينها إلّا من خلال الاتّحاد والسّير معًا. لقد عاش مؤسّسوكم في أزمنة كان فيها من الضّروريّ الشّهادة لقيم الشّخص البشريّ والمواطنة الدّيمقراطيّة وتعزيزها، من أجل الخير العامّ؛ وكذلك قيمة الحرّيّة التّربويّة. لا تنسوا أبدًا من أين أتيتم، ولكن لا تسيروا ورؤوسكم ملتفتة إلى الوراء، متحسّرين على "الأيّام الجميلة الماضية"! بل فكّروا في حاضر المدرسة، الّتي هي مستقبل المجتمع، وهي تواجه تحوّلًا تاريخيًّا عميقًا. فكّروا في المعلّمين الشّباب الّذين يخطون أولى خطواتهم في عالم التّعليم، وفي العائلات الّتي تشعر بالوحدة في مهمّتها التّربويّة. قدّموا لكلّ واحد منهم، بتواضع وحداثة، أسلوبكم التّربويّ والتّشاركيّ.

أشجّعكم على القيام بكلّ هذا معًا، من خلال نوع من "الميثاق بين الجمعيّات"، لأنّكم بهذه الطّريقة يمكنكم أن تشهدوا بشكل أفضل لوجه الكنيسة داخل المدرسة ومن أجل المدرسة. إنَّ الرّجاء لا يخيِّب أبدًا والرّجاء لا يبقى ساكنًا أبدًا، الرّجاء هو في مسيرة على الدّوام، وهو الّذي يجعلنا نسير. سيروا إذًا قدمًا بثقة! أبارككم من كلّ قلبي، وأبارك جميع الّذين يشكّلون شبكة جمعيّاتكم. ومن فضلكم، لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي."