الأراضي المقدّسة
05 آذار 2020, 08:05

لجنة العدل والسلام: الفلسطينيون المسيحيون اليوم في القدس سنة ٢٠٢٠

نورسات/ الأردنّ
نشرت أمس لجنة العدل والسلام في مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة وثيقة جديدة بعنوان "الفلسطينيون المسيحيون اليوم في القدس" متطرقة لواقع العيش والوضع الراهن هناك وتاليًا ننشر نص الوثيقة بحسب ما نشرتها اللجنة

 

١. لقد ازداد وضع القدس سوءًا بعد الإجراءات الانفرادية التي اتخذتها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. بهذه القرارات الأحادية ابتعد السلام وكاد يصير خيالا. إسرائيل تقول إن القدس الموحدة هي عاصمتها الأبدية. والفلسطينيون ينادون بالقدس الشرقية عاصمة لهم. والموقف الدولي متردد ومتناقض، بعد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها إليها. وأما الكرسي الرسولي فما زال يكرر طلبه بأن يكون للمدينة المقدسة وضع خاص، بحيث يتمكن كل المؤمنين من كل الديانات من زيارة الأماكن المقدس والصلاة فيها بحرية ومن دون خوف.

٢.أمام هذه التطورات الخطيرة، يطرح أهل القدس الأسئلة حول مستقبلهم والموقف الذي ينبغي ان يتخذوه اليوم، وأهلُ القدس المسيحيون بصورة خاصة، إذ يتعرَّضون أكثر من غيرهم للمخاطر نظرًا إلى عددهم القليل، ولديهم الانطباع أن القوى المتصارعة لا تحسب لهم حسابا، ويرون، من جهتهم، أنْ ليس لديهم الوسائل للتأثير في القرار الذي يحدد مستقبل مدينتهم.

٣.ما موقف الفلسطينيين المسيحيين من هذا الصراع في المدينة المقدسة؟ إنهم يقفون بصورة طبيعية، إلى جانب شعبهم، ويشاركونه آلامه وآماله. وفي الوقت نفسه، ينظر البعض إلى الواقع العام الذي يعيشونه، فيجدون التطرف الديني المتصاعد، والانقسام المدمر في مجتمعهم ، وفراغًا سياسيًّا وفسادًا وغيابَ رؤية قادرة على البناء.  ويرون أيضا الاضطرابات في العديد من البلدان العربية المجاورة، والثمن الباهظ الذي يدفعه المسيحيون في الحرب والفوضى والدمار فيها.
 

٤. وفيما يدعي اليهود بأن القدس لهم وحدهم بصورة إقصائية، وفيما يسمعون بعض المسلمين يريدون بيت المقدس لهم وحدهم فقط من دون غيرهم، فإن بعض المسيحيين كذلك يميلون إلى التركيز على هويتهم الدينية، والانسحاب من المعركة. فهم مسيحيون وكفى. وبالنسبة إلى وضع القدس اليوم ومستقبلها، يهمهم شيء واحد أنها مدينة مقدسة، ولا يهمهم النظام السياسي أو الوطني الذي يحكمها.

٥.إلا أن الهوية الدينية، مع كونها جزءًا هامًّا في هوية الشخص، ترتبط بصورة طبيعية في بيئة تاريخية وثقافية وجغرافية محدّدة. الهوية الدينية وحدها لا تكفي ولا تضمن مستقبل المسيحيين في القدس. حصر الهوية في الدين يُعرِّضهم لخطر العيش في فراغ، منفصلين عن أرضهم وشعبهم وزمنهم، وعن الواقع نفسه الذي يمكن أن يعيشوا فيه حياتهم بصورة كاملة.
 

٦. المسيحيون هم تلاميذ يسوع المسيح، ويعيشون مثله في مكان محدد وفي زمن محدد في التاريخ. ويميز الفلسطينيين المسيحيين المقدسيين أنهم يعيشون في المدينة المقدسة، قلب العالم للعديدين وقلب فلسطين وإسرائيل اليوم. وكما تمم يسوع المسيح رسالته في ظروف محددة في زمنه، كذلك تلاميذه لهم رسالة في المكان والزمان اللذين يعيشان فيهما. وبما انهم أعضاء في شعبهم الفلسطيني، فهم مدعوون إلى أن يحملوا رسالتهم اليوم في شعبهم وفي أرضهم، ولو كثرت الصعاب.

٧.القدس هي في الوقت نفسه مدينة مقدسة ومكان للحياة اليومية. هذان البعدان لا ينفصلان. كونها مقدسة فهي عاصمة روحية لجميع المؤمنين في العالم في الديانات الموحدة الثلاث، اليهود والمسيحيين والمسلمين. وكونها مكان الحياة اليومية فهي مدينة مشتركة يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون على السواء. ويريد الفلسطينيون أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم العتيدة. فهم مرتبطون بكلا البعدين لمدينتهم، يؤكدون من جهة على طموحات شعبهم وأحلامه، ومن جهة أخرى يعرفون أن مدينتهم هي القلب النابض للديانات العالمية الكبرى.

٨.صدر عن رؤساء الكنائس في القدس بيان عام ١٩٩٤ ثم عام ٢٠٠٦، يبين المفهوم الخاص للقدس في نظر المسيحيين. قالوا فيه إن القدس مدينة لأهلها، ولسكانها، للشعبين فيها الفلسطينيين والإسرائيليين، وهي في الوقت نفسه، ومن غير تناقض، مدينة مقدسة، وعاصمة روحية للملايين من المؤمنين من الديانات الموحِّدة الثلاث. قالوا في بيانهم عام ٢٠٠٦: "القدس تراث للإنسانية ومدينة مقدسة. ولكنها أيضا مدينة الحياة اليومية لسكانها، الفلسطينيين والإسرائيليين، اليهود والمسيحيين والمسلمين... لا يمكن الفصل بين الأماكن المقدسة والجماعات الحية التي تعيش فيها... القدس مدينة مقدسة، وتراثٌ للإنسانية، ومدينةٌ لشعبين وثلاث ديانات. ولها طابع فريد يميزها عن كل مدن العالم، ويسمو بها فوق كل سيادة سياسية محلية... (بيان رؤساء الكنائس عن القدس عام ١٩٩٤، فقرة ٢ و٣).

٩. موقف المقدسيين المسيحيين هو إذًا التجذُّر في هويتهم الدينية والوطنية معًا، والاستجابة لرسالتهم المحلية والعالمية معًا، فيعملون من أجل المساواة والعدل والسلام، ويسهمون بكل وسيلة ممكنة لإنهاء الصراع في المدينة المقدسة، حتى تعود فعلا وتصير مقدسة وإنسانية، مدينة لله وللإنسان، لجميع سكانها، ومدينة شاملة مفتوحة لكل من يرغب في المجيء إليها.

١٠. أكد البابا بندكتس السادس عشر، على رسالة الفلسطينيين المسيحيين، في عظته في وادي الجسمانية في ١٢ أيار ٢٠٠٩، في خلال زيارته للأرض المقدسة في ذلك العام، قال:

"أقف أمامكم اليوم وأنا عارف الصعاب التي تتعرضون لها، الإحباط والمعاناة والآلام التي تحمّلها الكثيرون منكم نتيجة الصراع الذي يمزق هذه الأرض، وتجربة المهجَّرين المريرة، التي عرفها الكثير من عائلاتكم، وقد يعرفونها، لا سمح الله، بعد اليوم أيضا. آمل أن يكون حضوري اليوم بينكم دليلا على انكم لستم منسيين، وأن ثباتكم وبقاءكم وشهادتكم إنما هي ثمينة في عيني الله، وهي عامل أساسي في تكوين مستقبل هذه الأرض. بسبب تجذركم العميق فيها، وثقافتكم المسيحية العريقة والراسخة، وثقتكم التي لا تتزعزع بالله، أنتم مسيحيي الأرض المقدسة مدعوون لأن تكونوا ليس فقط منارة إيمان للكنيسة الجامعة، بل أيضا خميرة اتفاق وحكمة وتوازن في حياة مجتمع كان دائما وما زال مجتمعا تعدديا، متعدد الإثنيات والديانات".

١١. الجميع مدعوون إلى التعاون ليحققوا دعوة المدينة المقدسة، أي أن يجعلوها، بصلاتهم وبكل خدمة وعمل صالح فيها، مدينة مساواة وعدل، مدينة سلام لأهلها ولجميع القادمين إليها من العالم. والمواطن الفلسطيني المسيحي، يرى نفسه فيها فلسطينيا ومسيحيا ومُسهِمًا رئيسيا في قداسة المدينة وتحقيق حياة إنسانية كريمة فيها. كذلك يكون شاهدا ليسوع المسيح الذي عاش وعلَّم فيها، وفيها فدى البشرية وتألم ومات وقام ممجدا.