دينيّة
20 آذار 2025, 08:00

لا أريد أن أصوم...

تيلي لوميار/ نورسات
"غالبًا ما يُثار التَّساؤل حولَ أهميَّة الصَّوم في التَّقليد الأرثوذكسيّ، وقد يُعزى ذلك في بعض الأحيان إلى التَّراخي الرُّوحيّ ومحاولة تبرير الذّات الّتي ترفض الصَّوم من حيث المبدأ." بهذه المقدّمة استهلّ خادم رعيّة كنيسة البشارة – العبدة - عكّار الأب جوزف الخوري مقالته عن أهميّة الصَّوم في التَّقليد الأرثوذكسيّ، وتابع:

"بدايةً، يجب التَّأكيد على أنَّ المسيحَ نفسه هو من وضع حجر الأساس للصَّوم، فقد صام وهو غير المحتاج أن يصوم، صام ليكون لنا مثالًا نسير على خطاه نحو الخلاص، وليعلّمنا كيفيَّة تطهير أنفسنا وأجسادنا من الأهواء، وكيفيَّة ضبط الذّات وجعلها مستعدَّةً لسُكنى الرُّوح القدس فيها.

أمّا بالنِّسبة لتحديد فترات الصَّوم وكيف نصوم، فقد ترك المسيح هذا الأمر لكنيسته المقدَّسة، الّتي أسَّسها وأعطاها الرُّوح القدس ليرشدها. فالكنيسة، من خلال آبائها القدّيسين ومجامعها المسكونيَّة، هي الحافظة للتَّقليد المقدَّس. وقد منح المسيح الكنيسة، من خلال الرُّسل، سلطانًا للحلِّ والرَّبط، كما جاء في الإنجيل: "الحقَّ أقول لكم: كلُّ ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السَّماء، وكلُّ ما تحلّونه على الأرض يكون محلولًا في السَّماء" (متّى 18/ 18).

لذا، فإنَّنا نؤمن بأنَّ الكنيسة الّتي هي "عمود الحقِّ وقاعدتُه" (1 تيموثاوس 3/15)، قد وضعت الأصوام بهدف نموِّ المؤمنين في محبَّة المسيح والقداسة. والصَّوم ليس مجرَّد قاعدةٍ نظريَّةٍ أو فكرةٍ قابلةٍ للرَّفض، بل هو جزءٌ أساسيٌّ من الحياة الرُّوحيَّة، كما شهد بذلك الآباء والقدّيسون الّذين اختبروا أهميَّته في جهادهم الرّوحيّ.

قد يسأل البعض: "أليست قواعد الصَّوم من صنعِ البشر؟"

وأنا بدوري أسأل هذا البعض: أليس الطَّبيب الّذي يعالجك بشرًا؟ أليس الدَّواءُ الّذي تتناوله ويشفيك من صنع البشر؟ أليست قوانين السَّير وإشارات المرور الّتي تحافظ على سلامتك من صنع البشر؟ أليست شروط القبول في الجامعات والمؤسَّسات والجمعيّات والنَّوادي من صنع البشر؟ بل حتّى قوانين استخدام وسائل التَّواصل الاجتماعيّ، الّتي أصبحت جزءًا لا يتجزّأ من حياتنا اليوميَّة، وما تفرضه علينا من أحكامٍ قد نعترض عليها في الكثير من الأحيان، هي من أفعال البشر، وتهدف كما يزعمون إلى تنظيم حياتنا وحمايتنا.

هكذا الأصوام الكنسيَّة، فهي وسيلةٌ تهدف إلى تعليمنا الصَّبر وقوّة الإرادة وضبط ضعفاتنا وتنظيم حياتنا الرُّوحيَّة وحمايتنا من السُّقوط في التَّجارب."